كوابيس «داعش» تطارد الإيزيديين في سنجار

من عادوا لقراهم لم يجدوا سوى الخراب... وآخرون اختاروا البقاء في الخيام

فتاة إيزيدية في مخيم للنازحين بجبل سنجار (رويترز)
فتاة إيزيدية في مخيم للنازحين بجبل سنجار (رويترز)
TT

كوابيس «داعش» تطارد الإيزيديين في سنجار

فتاة إيزيدية في مخيم للنازحين بجبل سنجار (رويترز)
فتاة إيزيدية في مخيم للنازحين بجبل سنجار (رويترز)

يجد الإيزيديان داود إبراهيم وكوجر حسن صعوبة في النوم منذ أن جلب تنظيم داعش الموت والخراب للقرى الإيزيدية في شمال العراق قبل قرابة خمس سنوات.
السبب بالنسبة لكوجر (39 عاما)، التي وقعت في الأسر، هو أبناؤها الثلاثة المفقودون وسنوات الأسر الثلاث في أيدي التنظيم المتشدد. أما بالنسبة لإبراهيم (42 عاما)، الذي لاذ بالهرب، فالمشكلة في القبر الجماعي الذي عاد ليجده على أرضه التي أصابها الدمار.
وقال إبراهيم، الذي يبلغ عدد أولاده ثمانية، «البيت أبو الكارثة شعلوه، والصبّة طقو، والشجرات كله شعلوه مرتين ثلاثة وتشوف... (ماذا بقي؟) ما بقي شي. ما بقي شي»، مشيرا إلى حرق مبنى ونسف آخر وإشعال النار في أشجار الزيتون.
سقط أكثر من ثلاثة آلاف آخرين من الطائفة الإيزيدية الصغيرة قتلى في 2014 في هجوم وصفته الأمم المتحدة بأنه عملية إبادة جماعية. عاش إبراهيم وكوجر ليروي الاثنان معاناتهما، غير أنهما مثل غيرهما من الناجين لم يتجاوزا المحنة.
أما كوجر فلن تطأ قدمها قريتها رامبوسي مرة أخرى إذ تقول إن أولادها بنوا البيت ولا يمكنها أن تعود بدونهم إلى المنزل الذي لا تزال فيه كتبهم المدرسية وملابسهم.
وفي الوقت الذي يتأهب فيه الرئيس الأميركي دونالد ترمب للإعلان عن القضاء على «داعش» في سوريا والعراق تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن كثيرين من النازحين في العراق مثل كوجر لم يعودوا إلى ديارهم.
في الوقت نفسه يعيش إبراهيم وأسرته في مخزن بجوار بيته الذي تحول إلى كومة من الركام. قال لوكالة «رويترز» وهو يجلس على حافة السقف المنهار «لا أحتاج أن أقول كيف أعيش. معيشة سيئة. لا منظمة تساعد ولا دولة تساعد». وكثيرا ما يدلف إبراهيم تحت السقف للعثور على المتعلقات المفقودة. في ذلك اليوم خرج بأشياء من بينها ملابس طفل رضيع وألبوم صور.
ويقول سكان في المنطقة إن قبرا جماعيا اكتشف عام 2015 خارج مدينة سنجار يضم رفات أكثر من 70 من العجائز من قرية كوشو.
عندما وصل المتشددون فر ألوف الإيزيديين سيرا على الأقدام صوب جبل سنجار. وبعد مرور أكثر من أربع سنوات ما زالت نحو 2500 أسرة، من بينها أسرة كوجر وخمس من بناتها، تعيش في الخيام المتناثرة على امتداد التلال الممتدة حتى القمة. ويكسو اللون الأخضر المروج التي يهرول فيها الأطفال خلف الماعز وتقطف فيها النساء الأعشاب البرية.
لكن هذا الهدوء الذي يلف المكان يخفي مخاوف عميقة من الماضي والمستقبل. فحتى 18 شهرا مضت فحسب كانت كوجر وخمسة من أولادها محبوسين في سجن تحت الأرض في الرقة لا يصلهم ما يكفي من الطعام ويشعرون بخوف دائم من التعذيب. وهي لا تعرف ما الذي دعا تنظيم داعش لإطلاق سراحها هي والبنات اللائي كانت أعمارهن تتراوح بين السنة والست سنوات. وهي لا تعرف شيئا عن مصير أولادها الثلاثة الباقين فارس وفراس (23 و19 عاما) وأفين البنت التي تبلغ من العمر 13 عاما. ولا يوجد في البيت الذي يعيشون فيه كهرباء أو ماء كما أنها لا تتذكر آخر مرة ذاق فيها أطفالها طعم الفاكهة. وتقول إن الحياة في غاية الصعوبة لكنها تحمد الله على مجرد القدرة على رؤية الشمس.
وخلال النهار يذهب أولادها للمدرسة وهم سعداء لكنهم يخافون أثناء الليل من ظلهم على حد قولها كما أنها تعاني هي نفسها من الكوابيس. وقالت إنها حلمت في الليلة السابقة أن المتشددين يذبحون أحد أطفالها.
ويقول زوجها محمود خلف إن التنظيم لم يقض على أرزاقهم فحسب بل هدم الثقة بين الإيزيديين والطوائف من الديانات والعرقيات المختلفة الذين تعايشوا معها منذ أمد بعيد. وقال خلف (40 عاما) إنهم لا يجدون حماية وإن من شاركوا في القتل والأسر والتعذيب عادوا إلى قراهم.



تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
TT

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)

أفرجت الجماعة الحوثية عن عدد ممن اختطفتهم، على خلفية احتفالاتهم بعيد الثورة اليمنية في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنها اختطفت خلال الأيام الماضية المئات من سكان معقلها الرئيسي في صعدة، ووجَّهت اتهامات لهم بالتجسس، بالتزامن مع بث اعترافات خلية مزعومة، واختطاف موظف سابق في السفارة الأميركية.

وذكرت مصادر محلية في محافظة صعدة (242 كيلومتراً شمال صنعاء)، أن الجماعة الحوثية تنفِّذ منذ عدة أيام حملة اختطافات واسعة طالت مئات المدنيين من منازلهم أو مقار أعمالهم وأنشطتهم التجارية، وتقتادهم إلى جهات مجهولة، بتهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل، مع إلزام أقاربهم بالصمت، وعدم التحدُّث عن تلك الإجراءات إلى وسائل الإعلام، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وقدرت المصادر عدد المختطَفين بأكثر من 300 شخص من مديريات مختلفة في المحافظة التي تُعدّ معقل الجماعة، بينهم عشرات النساء، وشملت حملة المداهمات منازل عائلات أقارب وأصدقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عثمان مجلي، الذي ينتمي إلى صعدة.

فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

ورجحت المصادر أن اختطاف النساء يأتي بغرض استخدامهن رهائن لابتزاز أقاربهن الذين لم تتمكن الجماعة من الوصول إليهم، أو لإقامتهم خارج مناطق سيطرتها، ولإجبار من اختُطفنَ من أقاربهم على الاعتراف بما يُطلب منهن. وسبق للجماعة الحوثية اتهام حميد مجلي، شقيق عضو مجلس القيادة الرئاسي، أواخر الشهر الماضي، بتنفيذ أنشطة تجسسية ضدها، منذ نحو عقدين لصالح دول عربية وغربية.

إلى ذلك، اختطفت الجماعة الحوثية، الاثنين الماضي، موظفاً سابقاً في سفارة الولايات المتحدة في صنعاء، من منزله دون إبداء الأسباب.

وبحسب مصادر محلية في صنعاء؛ فإن عدداً من العربات العسكرية التابعة للجماعة الحوثية، وعليها عشرات المسلحين، حاصرت مقر إقامة رياض السعيدي، الموظف الأمني السابق لدى السفارة الأميركية في صنعاء، واقتحمت مجموعة كبيرة منهم، بينها عناصر من الشرطة النسائية للجماعة، المعروفة بـ«الزينبيات»، منزله واقتادته إلى جهة غير معلومة.

مسلحون حوثيون يحاصرون منزل موظف أمني في السفارة الأميركية في صنعاء قبل اختطافه (إكس)

وعبث المسلحون و«الزينبيات» بمحتويات منزل السعيدي خلال تفتيش دقيق له، وتعمدوا تحطيم أثاثه ومقتنياته، وتسببوا بالهلع لعائلته وجيرانه.

إفراج عن مختطَفين

أفرجت الجماعة الحوثية عن الشيخ القبلي (أمين راجح)، من أبناء محافظة إب، بعد 4 أشهر من اختطافه، كما أفرجت عن عدد آخر من المختطفين الذين لم توجه لهم أي اتهامات خلال فترة احتجازهم.

وراجح هو أحد قياديي حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اختطفتهم الجماعة الحوثية إلى جانب عدد كبير من الناشطين السياسيين وطلاب وشباب وعمال وموظفين عمومين، خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، على خلفية احتفالهم بثورة «26 سبتمبر» 1962.

مخاوف متزايدة لدى اليمنيين من توسيع حملات الترهيب الحوثية بحجة مواجهة إسرائيل (أ.ب)

ومن بين المفرَج عنهم صاحب محل تجاري أكَّد لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يعلم التهمة التي اختُطِف بسببها؛ كونه تعرض للاختطاف في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أي بعد شهرين من حملة الاختطافات التي طالت المحتفلين بذكرى الثورة اليمنية.

وذكر أن الوسطاء الذين سعوا لمحاولة الإفراج عنه لم يعرفوا بدورهم سبب اختطافه؛ حيث كان قادة أجهزة أمن الجماعة يخبرونهم في كل مرة بتهمة غير واضحة أو مبرَّرة، حتى جرى الإفراج عنه بعد إلزامه بكتابة تعهُّد بعدم مزاولة أي أنشطة تخدم أجندة خارجية.

خلية تجسس مزعومة

بثَّت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، اعترافات لما زعمت أنها خلية تجسسية جديدة، وربطت تلك الخلية المزعومة بما سمته «معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس»، في مواجهة الغرب وإسرائيل.

وطبقاً لأجهزة أمن الجماعة، فإن الخلية المزعومة كانت تسعى لإنشاء بنك أهداف، ورصد ومراقبة المواقع والمنشآت التابعة للقوة الصاروخية، والطيران المسيَّر، وبعض المواقع العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى رصد ومراقبة أماكن ومنازل وتحركات بعض القيادات.

خلال الأشهر الماضية زعمت الجماعة الحوثية ضبط عدد كبير من خلايا التجسس (إعلام حوثي)

ودأبت الجماعة، خلال الفترة الماضية، على الإعلان عن ضبط خلايا تجسسية لصالح الغرب وإسرائيل، كما بثَّت اعترافات لموظفين محليين في المنظمات الأممية والدولية والسفارات بممارسة أنشطة تجسسية، وهي الاعترافات التي أثارت التهكُّم، لكون ما أُجبر المختطفون على الاعتراف به يندرج ضمن مهامهم الوظيفية المتعارف عليها ضمن أنشطة المنظمات والسفارات.

وسبق للجماعة أن أطلقت تحذيرات خلال الأيام الماضية للسكان من الحديث أو نشر معلومات عن مواقعها والمنشآت التي تسيطر عليها، وعن منازل ومقار سكن ووجود قادتها.

تأتي هذه الإجراءات في ظل مخاوف الجماعة من استهداف كبار قياداتها على غرار ما جرى لقادة «حزب الله» اللبناني، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي إطار المواجهة المستمرة بينها وإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، بعد هجماتها على طرق الملاحة الدولية في البحر الأحمر، والهجمات الصاروخية باتجاه إسرائيل.