«حفنة من العدس» تثير سخرية العراقيين

أثار قرار اتخذه مجلس الوزراء العراقي ويقضي بإضافة نصف كيلو من مادة العدس إلى مفردات البطاقة التموينية، سخرية وانتقاد قطاعات واسعة من العراقيين، وبدا الأمر بالنسبة لكثيرين أشبه بـ«نكتة» ثقيلة أطلقتها الحكومة في إطار سعيها لكسب تعاطف القطاعات الشعبية العراقية، وخاصة الفقراء منهم.
ويفضّل كثير من المنتقدين لقرار الحكومة الجديد إطلاق تعبير «حفنة من العدس» على الكمية التي أقرتها الحكومة، في محاولة للتقليل من أهميتها قياساً بالأموال الطائلة التي أنفقت على مفردات البطاقة التموينية دون أن يلمس المواطن تحسنا ملحوظا في كمية ونوعية المواد الموزعة بأسعار رمزية للمواطنين العراقيين.
وأعلنت وزارة التجارة أول من أمس، عن موافقة مجلس الوزراء على قيامها بإضافة (خمسة كغم) من مادة الطحين الصفر للعائلة الواحدة و(نصف كيلوغرام من مادة العدس) للفرد الواحد ضمن مفردات البطاقة التموينية لشهر رمضان المقبل. وذكرت الوزارة في بيان أن القرار جاء ضمن «تخصيصات البطاقة التموينية المثبتة في موازنة 2019 لغرض توزيعها على المواطنين قبل حلول الشهر الفضيل، ودعماً للعائلة».
ويعد ملف البطاقة التموينية من أعقد الملفات في العراق قبل وبعد عام 2003، نظراً لحالات الفساد التي طالته، وقد أصدر القضاء العراقي في الأشهر والسنوات الأخيرة مجموعة أحكام قضائية ضد مسؤولين في الوزارة بتهم الفساد، أبرزها الحكم الصادر بحق وزير التجارة الأسبق عبد الفلاح السوداني بالسجن 21 عاما بتهم التقصير والفساد.
وكان العراق بدأ بتوزيع الحصة التموينية المؤلفة من نحو 8 مواد غذائية للعوائل العراقية أثناء فترة الحصار الاقتصادي الدولي عقب اجتياح العراق للكويت في أغسطس (آب) عام 1990. وبعد توصله إلى اتفاق «النفط مقابل الغذاء» الشهير مع الأمم المتحدة.
وبعد أن كانت البطاقة التموينية قبل 2003. تتضمن 8 مواد منها مساحيق وصوابين للغسيل، تراجع العدد بعد ذلك التاريخ إلى ثلاث مواد فقط بواقع 3 كليو أرز و2 سكر و9 كيلو طحين للفرد الواحد، ولا توزع بانتظام عادة، إلا أن طبيعة المواد السيئة الموزعة ظلت ملازمة لمفردات البطاقة منذ انطلاقها عام 1996. وقد صدرت دعوات عديدة سابقة إلى استبدالها بمبالغ مالية للقضاء على حالات الفساد وسوء نوعية المواد الغذائية فيها.
وحول حملة السخرية التي جوبه بها قرار الحكومة، ترى الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم، أن «الأمر لا يتعلق بمادة العدس أو غيرها، إنما بالتعامل الفوقي مع مفهوم المواطنة، وهذا أمر مرفوض، استناداً إلى معايير الديمقراطية وحقوق الإنسان». وتقول سميسم لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كانت البطاقة الغذائية حق للمواطن وهي كذلك، فلماذا هذه المنة من لدن الحكومة، وهل يمكن حال مشاكل الناس الاقتصادية عبر منحهم نصف كيلو من العدس؟». وتواصل أن «الحل يكمن في سياسات اقتصادية صحيحة تنتهجها الدولة فيما يتعلق بقضايا الإنتاج وإعادة التوزيع للثروات بطريقة عادلة».
ويعتقد مدرس مادة الاقتصاد في الجامعة المستنصرية صادق البهادلي أن قضية نصف كيلو العدس «ذكّرت المواطنين بمكارم نظام صدام السابقة، ولعل الأمر يتعلق في استمرار السخرية الشعبية من العملية السياسية برمتها التي أنتجت الفساد وسوء الخدمات وسرقة المال العام».
ويضيف البهادلي لـ«الشرق الأوسط» أن «أمام هذا الكم الهائل من الفساد ونهب المال العام لا يحصل المواطن، سيما الفقراء منهم، في حقهم بالحصول على السلع الأساسية المدرجة في البطاقة التموينية، ثم إنها اختصرت من ثماني مواد إلى ثلاث، و12 شهرا إلى ثمان، في ظل غياب للحقوق التي نص عليها الدستور في الحياة الحرة الكريمة». ويرى أن «العراقي أصبح يشفق على نفسه كثيرا مع هذا الإهمال المتعمد من الحكومة لذلك قابل مكرمتها بالسخرية من حفنة العدس».
ويتفق أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني على حق الناس بالسخرية من «حفنة العدس» الجديدة، لأنه يرى أن «وزارة التجارة والحكومة مقصرتان في هذا الجانب وملف البطاقة التكوينية شائك وفيه سوء إدارة وفساد كبيران». ويضيف المشهداني في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «وزارة التجارة أخفقت تماما في تنفيذ متطلبات البطاقة الغذائية، والمشكلة أن الأموال الطائلة ما زالت تنفق في مقابل حصول المواطن على مواد سيئة وغير مطابقة للمواصفات، والجميع يتذكر صفقة الرز الفاسدة التي وزعت على المواطنين قبل أكثر من عام».
وحول إمكانية استبدال مبالغ المواد الغذائية بما يعادلها من الأموال، يرفض المشهداني الفكرة، ويرى أنها «قد تتسبب بمشكلة أخرى، والحل الأمثل برأيي هو إعادة تنظيم البطاقة الغذائية وتوزيعها على الفئات الفقيرة فقط، كي ينخفض عدد المشمولين وتتحسن نوعية المواد الموزعة».
أما الصحافي والأكاديمي ستار عواد، فيرى أن تهكم المواطنين وسخريتهم من توزيع مادة العدس ضمن مفردات البطاقة التموينية ناجم عن «طريقة إعلانها عبر الموقع الرسمي لرئيس الوزارء وإعلانه بطريقة خبر سار للعراقيين، وكان الأولى بهم إضافة مادة العدس لمفردات الحصة في شهر رمضان دون إعلان». ويعتقد عواد في حديث لـ«الشرق الأوسط أن «إعلان الحكومة بهذه الطريقة جاء بنتيجة سلبية كونه يمثل بشكل أو بآخر مكرمة للعراقيين أو يدل على أن العراق بلد فقير والمواطن بحاجة لنص كيلو من العدس». ويشير إلى أن «سماع الناس لخبر جعلهم يربطون بين المليارات المنهوبة ومكرمة الكيلو من العدس الذي يستطيع أي فرد شراءه».