تهديد فلسطيني بالتخلص من الاتفاقات رداً على اقتطاع أموال الضرائب

بدأت القيادة الفلسطينية سلسلة اجتماعات طارئة تستمر عدة أيام، بهدف بلورة رد أولي على قرار إسرائيل اقتطاع نحو 138 مليون دولار، من عوائد الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية.
وقال محمود العالول، نائب رئيس حركة فتح، إن اللجنة المركزية للحركة واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ستعقد سلسلة اجتماعات طارئة لبحث القرار الإسرائيلي وتداعياته. وأضاف: «هذا القرار لن يمر مرور الكرام. يجب أن نسرع في تنفيذ قرارات إعادة النظر بكل أشكال العلاقة مع الاحتلال».
وقررت إسرائيل اقتطاع هذا المبلغ الكبير، رداً على استمرار السلطة في دفع رواتب شهرية إلى عائلات مقاتلين فلسطينيين وأسرى في السجون الإسرائيلية، وهي خطوة تضع مستقبل السلطة على المحك، في ظل وقف الولايات المتحدة جميع الدعم المقدم للفلسطينيين.
وأقر مسؤولون فلسطينيون بأن الخطوة الإسرائيلية من شأنها تدمير السلطة الفلسطينية بالفعل، وألمحوا إلى أن انهيار السلطة أو حلها هو الأقرب، إذا كان الثمن هو إجبار السلطة على وقف رواتب الأسرى أو القبول بـ«صفقة القرن».
وقال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صائب عريقات: «ليست هناك أي قوة في العالم يمكنها أن تجعل السلطة الفلسطينية تتوقف عن دفع الرواتب للأسرى وعوائل الشهداء». وأضاف: «سوف نحل السلطة قبل أن نفعل مثل هذا الشيء، إذا ذهب أحدهم إلى السجن فيجب ألا يقتلوا عائلته، على أي كوكب يعيش هؤلاء الناس؟».
وتابع: «إنهم يدمرون السلطة الفلسطينية بهذه الخطوة، أي نوع من السلطة يبقى بالضبط إذا كنا لا نستطيع دفع الأجور أو الدفع للمستشفيات والمدارس؟ ربما يريد (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو تجديد سيطرته كقوة احتلال».
وتصريحات عريقات المقرب جداً من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، تعطي مؤشرات مهمة حول الحالة التي سيترك القرار الإسرائيلي السلطة معها؛ خصوصاً أنه جاء في وقت قطعت فيه الولايات المتحدة نحو 830 مليون دولار مساعدات سنوية للفلسطينيين، وفي ظل تراجع الدعم المالي الأوروبي والعربي المقدم للسلطة.
ويهدد القرار الإسرائيلي قدرة السلطة على المواصلة في ظل وجود مديونية كبيرة وعجز مالي متفاقم.
وقال رامي الحمد الله، رئيس حكومة تسيير الأعمال، إن القرار الإسرائيلي يضع الاقتصاد الفلسطيني في دائرة الخطر، ويهدد قدرة السلطة على الالتزام بدفع رواتب وأجور الموظفين في مواعيدها المقرة، ويعطل دوران عجلة التنمية. وأضاف: «إنه يأتي ضمن مخطط لتدمير السلطة».
وكان المجلس الوزاري المصغر في إسرائيل، قد وافق الأحد، على اقتطاع 502 مليون شيقل (138 مليون دولار) من العائدات الضريبية للسلطة الفلسطينية، وهو رقم يعادل ما دفعته السلطة كرواتب لعائلات أسرى ومقاتلين في عام 2018. وسيتم تقليص المبلغ على الأرجح بشكل تدريجي على مدى 12 شهراً.
وهذه ليست أول مرة تجمد فيها إسرائيل أموالاً خاصة بالفلسطينيين؛ لكنها في السابق كانت مجرد عقاب على خطوات سياسية، أما هذه المرة فالأمر مرتبط بشأن لا تنوي السلطة التراجع عنه.
واتخذ المستوى السياسي الإسرائيلي القرار على الرغم من معارضة المؤسسة الأمنية، التي تخشى أن يؤدي ذلك إلى زعزعة الاستقرار في الضفة الغربية. والمخاوف الإسرائيلية نابعة من رد فلسطيني محتمل، متعلق بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل.
وهدد مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الدينية والعلاقات الإسلامية، محمود الهباش، بأن القرار الإسرائيلي سيؤثر فعلاً على «التنسيق الأمني». وأضاف: «القرار يمس قدرة الأجهزة الأمنية والمدنية على القيام بدورها».
وتابع بأن «نتنياهو يلعب في النار، والسلطة الفلسطينية قد تلجأ لرفض كل الأموال التي تحول لها من إسرائيل». وإذا ما رفضت السلطة تسلم الأموال فعلاً، فذلك يعني فقدانها الدخل الشهري الأكبر على الإطلاق، ويقدر بأكثر من 150 مليون دولار.
وقالت مصادر فلسطينية لـ«الشرق الأوسط»، إن الاتجاه هو نحو تفعيل توصيات سابقة بالتخلص من الاتفاقات مع إسرائيل، حتى لو كلف ذلك مواجهة سياسية مفتوحة. وأضافت أن «القرارات الإسرائيلية والأميركية تهدف إلى إجبار السلطة على الركوع؛ لكننا سنختار المواجهة. سنمضي في تطبيق التوصيات المتعلقة بفك العلاقة مع إسرائيل، حتى لو أدى ذلك إلى تدمير السلطة. الانتقال إلى دولة تحت الاحتلال خيار قائم بقوة».
وجميع هذه التوجهات يفترض أن تكون «مركزية فتح» ناقشتها بالأمس على أن تكمل مناقشتها المنظمة اليوم وغداً.
ويخطط الفلسطينيون إلى التخلص من اتفاق باريس الاقتصادي أولاً، كما وضعوا خططاً مالية للتقليل من حجم التداعيات. وقال الناطق الرسمي باسم الرئاسة، نبيل أبو ردينة: «نعتبر أن هذا القرار الإسرائيلي التعسفي يمثل نسفاً من طرف واحد للاتفاقيات الموقعة، ومن بينها اتفاق باريس».
واتفاق باريس هو أحد ملاحق اتفاقية غزة - أريحا، ووقع في 1995. وينص فيما ينص على أن تجمع إسرائيل الضرائب والرسوم الجمركية المستحقة للسلطة الفلسطينية، ثم تحولها إلى السلطة، إضافة إلى أنه يحدد غلافاً جمركياً وكوتة للسلع المسموح باستيرادها من الخارج، إلى جانب أمور أخرى.
وسعى الفلسطينيون خلال سنوات من أجل تعديل الاتفاق المضر بالمصالح الاقتصادية الفلسطينية؛ لكن إسرائيل لم تتعاطَ مع ذلك. وقالت وزارة المالية والتخطيط، إنها عملت على تحضير وتفعيل الخطط والإجراءات اللازمة للتعامل مع مثل هذا القرار، مؤكدة أن إسرائيل أطلقت بقرارها «رصاصة الرحمة» على ما تبقى من اتفاقية باريس الاقتصادية. وأضافت المالية: «آن الأوان للبدء الفعلي بالانفكاك عن اتفاقية باريس الاقتصادية، والتي يوماً بعد يوم تجعل من الاحتلال مريحاً وبالغ الربح».