أفلام الموسيقى والغناء تنجح بأزمات فنانيها الشخصية

حياة جيمس براون على الشاشة

شادويك بوزمان في دور جيمس براون  -  من «فتيان جيرسي» حظ أقل
شادويك بوزمان في دور جيمس براون - من «فتيان جيرسي» حظ أقل
TT

أفلام الموسيقى والغناء تنجح بأزمات فنانيها الشخصية

شادويك بوزمان في دور جيمس براون  -  من «فتيان جيرسي» حظ أقل
شادويك بوزمان في دور جيمس براون - من «فتيان جيرسي» حظ أقل

أحد الأفلام التي اعتلت لوائح النقاد الأميركيين إعجابا، في الأسبوع الماضي، كان «Get On Up»: سيرة حياة وضعها المخرج تايت تايلور، الذي كان آخر ما حققه تلك الدراما التي غاصت تحت غلاف الوضع العنصري في أميركا الستينات، وذلك في «المساعدة» قبل ثلاث سنوات.
الفيلم الجديد لتايلور يعود أيضا إلى الستينات، ليعيد سرد حياة المغني جيمس براون، مستخدما عنوان إحدى أغانيه عنوانا له. هذا العنوان إباحي المدلول وستختلف ترجمته بين أبناء العربية، لكن الأقرب إلى المقصود هو فعل الإثارة الجنسية. والأغنية، التي يبلغ مداها أكثر من خمس دقائق، ولو أنها تبث بنسخة مختصرة على الأثير هنا وهناك، تلازم هذا المعنى. أطلقها براون في منتصف السبعينات وأحدثت، كسابقاتها وأكثر قليلا، رهجة ناجحة بين عشاق نوع «الريذم آند بلوز» و«الصول ميوزك»، النوعين اللذين جمعهما براون معا كما فعل آخرون من مغني الفترة الأفرو - أميركيين.
جيمس براون كان يختلف، رغم ذلك، بحيويته الكبيرة على المسرح. لا أحد مثله، لكن ميك جاغر، من فريق «ذت رولينغ ستونز»، يكاد يقلده، وهو كان أفصح عن تأثره بحركات براون على المسرح وعن حبـه إياه إلى درجة أنه سعى ليكون أحد منتجي هذا الفيلم. براون كان يمشي.. ينتفض.. يحـرك رأسه يمنة أو يسرة في مواقع معيـنة من الغناء.. يصيح.. يقفز.. يمشي.. يستدير، وكل ذلك إثر ساعات من التدريبات المفصـلة والمسبقة للحظة الافتتاح. بذلك، كان مسرحيا استعراضيا في الوقت ذاته الذي كان فيه مغنيا من الذين مثـلوا جيلا موسيقيا بارزا في تلك الفترة. لكن المنتج الأساسي هنا هو برايان غرازر الذي ابتاع حقوق تحويل قصـة حياة براون إلى فيلم سينمائي، قبل ثلاث عشرة سنة، أي قبل وفاة جيمس براون نفسه في عام 2006. هذا تسبب في إرجاء الموضوع إلى أن دخل ميك جاغر على الخط واقترح تعاونا.

* مشاكل شخصية
بخروج «غت أون أب» إلى العروض، تكمن إضافة موسيقية فوق عدد من السير الذاتية لموسيقيين ومغنين حفلت بها السينما في السنوات الثلاثين الأخيرة وجوارها. تلتقط الخيط هنا فتطالعك أفلام مثل «راي» (عن المغني راي تشارلز) و«أمشي الخط» (عن جوني كاش)، و«لا مامبا» (عن ريتشي فالنز)، و«ما علاقة الحب به؟» (عن تينا تيرنر)، و«سيلينا» (عن سيلينا كوينتانيللا) من بين أخرى كثيرة.
«الفيلم الذي يتناول حياة مغنين وموسيقيين»، يقول المخرج أوليفر ستون، «يشكـل أحد أنجح أنواع السير البيوغرافية على الشاشة. طبيعيا، لديك جمهور واسع من محبي الموسيقى وعشاق المغني وهواة السينما معا».
ستون يعرف - حتى من دون أن نتذكر - أنه هو من أخرج أحد هذه الأفلام. في عام 1991، قام بإخراج سيناريو جرت كتابته عن المغني الراحل جيم ماريسون إلى الفيلم المشبع «ذا دورز»، على اسم فرقة الروك الحديثة التي قادها موريسون في النصف الثاني من الستينات. الممثل فال كيلمر قام بالبطولة وساعده شكله وما أضيف إليه، كما موهبته بصفته ممثلا جيـدا في احتواء شخصية مضطربة قضت بفعل إدمانها، لكنها كانت من بين الأنجح والأكثر موهبة في مهنتها.
والاضطراب، بأشكاله المختلفة ونتائجه المتنوعة، هو القاسم الكبير لمعظم الأفلام التي تناولت حياة عمالقة الموسيقى، مع استثناء بعض الأفلام الأقدم مثل «أماديوس» لميلوش فورمان (1984)، و«ابنة عامل المنجم» لمايكل أبتد (1980).
«غت أون أب» يكشف عن تعرض جيمس براون للضرب والتعنيف وهو صغير من قبل أبيه، ولنبذه من قبل والدته التي أسندت رعايته إلى عمـته التي كانت تدير صالونا للمتعة في الثلاثينات. الكثير من الوحدة، والسباحة في الفقر والعوز وقفا وراء الحاجة لخوض معترك الغناء تعبيرا عن الألم العاطفي والاجتماعي، حسب رأي المخرج تايلور الذي كان يستطيع الكف عن تمحيص هذه الخلفية عوض الحك على الجرح أكثر مما يقتضي الأمر.
جوني كاش في «أمشي الخط»، كما أخرجه جيـدا جيمس مانغولد وقام ببطولته على نحو رائع واكين فينكس عام 2005، تعامل مع برودة الأب العاطفية القاتلة لابنه جوني، وسقوط الثاني في إدمان المخدرات، ولو إلى حين.
قبل ذلك الفيلم بعام، قام المخرج تايلور هاكفورد بتقديم قصـة حياة المغني الضرير راي تشارلز في فيلم سماه «راي»، مع جايمي فوكس في البطولة. فوكس نال الأوسكار عن دوره هنا الذي نص على سرد حياة مفعمة بالعواطف الحادة، كون المغني خسر البصر صغيرا ثم خاض حياته وحيدا ثم مدمنا، بينما كانت مهنته تتبلور صوب نجاحاتها الكبيرة التي حققتها.

* بطعم السكـر
الجمهور وقف وراء هذه الأفلام. كل واحد من تلك أعلاه حظي بنجاح لا بأس به؛ ليس ذلك النجاح الذي يحققه «كابتن أميركا» أو «آيرون مان» مثلا، لكنه نجاح وقبول بين الباحثين - قصدا - عما هو مختلف عن مغامرات «السوبر هيروز» والحكايات الفانتازية. وهو قاد في أغلب هذه الحالات إلى الترشيح في سباق الأوسكار، فنالت ريز ويذرسبون أوسكارها عن دورها في «أمشي الخط» (لكن فينكس أخفق في الوصول إلى المصاف ذاته) ونال جايمي فوكس الأوسكار عن «راي»، بينما سبق لسيسي سبايسك أن نالت أوسكار أفضل ممثلة عن دورها في «ابنة عامل المنجم» الذي حكى قصـة حياة مغنية الكانتري لوريتا لين التي نشأت أيضا في بيئة صعبة ماديا تخللتها قضايا عمالية ونقابية عايشتها كما والدها (قام بالدور تومي لي جونز).
لكن وقوف الجمهور إلى جانب الأفلام المذكورة (حاليا «غت أون أب»، و«راي»، و«أمشي الخط» سابقا) ليس توقيعا على بياض يشمل كل فيلم سيرة حياة لمغنين أو فرق موسيقية. قبل نحو شهرين، قام المخرج والمنتج كلينت إيستوود بإطلاق فيلم جيـد بعنوان «فتيان جيرسي»، تناول فيه قصـة حياة فرانكي فالي وفرقته «ذا فور سيزنز». هنا، كان عليه العودة إلى الخمسينات مما عني، ولو جزئيا، التعامل مع جمهور توقـف غالبه عن الذهاب إلى صالات السينما.
كذلك، فإن الفيلم تحلـى بطعم السكـر وليس بطعم الحنظل كما الحال في الأفلام الأخرى. صحيح أنه يتعرض لمتاعب أعضاء الفرقة (المحيط الاجتماعي كان قاسيا وبعض الأعضاء دخل السجن بسبب السرقة)، لكن ذلك يبقى في حيـز محدد من التعامل. إيستوود، للمناسبة ليس غريبا عن الأفلام التي تبحث في الموسيقى والموسيقيين، كان تناول حياة عازف الساكس تشارلي باركر في «بيرد» (1988)، كما قام به فورست ويتيكر الذي خرج بجائزة مهرجان «كان» كأفضل ممثل حينها، وصنع كذلك أفلاما موسيقية أخرى عن الجاز والبلوز، بالإضافة إلى أنه أطلق لصوته عنان الغناء في «هونكي تونك مان» (1982).
ولو أردنا سبر غور التاريخ لأبعد من الثمانينات قليلا، لطالعنا بالطبع الفيلم التسجيلي «وودستوك» (1970) الذي قام مايكل والدلي بتحقيقه عن تلك الحفلة العملاقة التي قام بها عشرات المغنين من الستينات؛ ومنهم: ريتشي هافنز، وجو كوكر، وجوان بايز، وأرلو غوثري، وجون سيباستيانن ومن الفريق: سانتانا، وذا هو، وجيفرسون أيروبلاين، وسلاي آند ذ فاميلي ستون.
ذلك الفيلم عكس جوهرا اجتماعيا مهمـا كحال «ابنة عامل المنجم»، و - حديثا - ذلك الفيلم عن حياة مغني «الرايغي» بوب مارلي. لكن هذه النوعية الدالة على رسالات اجتماعية هي الأقل نجاحا من تلك التي تدور حول المشاكل الفردية.

* المشروع المتعثـر لردينغ
* ربما ينفض النجاح الحالي لفيلم «غت أون أب» الغبار عن مشروع مشابه جرى وضعه قبل عشرين سنة عن المغني الراحل أوتيس ردينغ الذي سقطت طائرته بفريقه فقضى وهو في السادسة والعشرين من العمر، بعد حياة قصيرة زاخرة. في عام 1992، جرى تحريك الموضوع صوب الإنتاج الفعلي، لكن ذلك لم يثمر عن تحقيقه.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.