«الجبهة الشعبية» المعارضة تدعو إلى تشكيل حكومة انتخابات في تونس

TT

«الجبهة الشعبية» المعارضة تدعو إلى تشكيل حكومة انتخابات في تونس

تمسكت قيادات تحالف «الجبهة الشعبية» اليسارية المعارضة، في تصريحات إعلامية واجتماعات شعبية بأنصارها، عقدتها نهاية الأسبوع المنقضي، بضرورة استقالة حكومة الشاهد بتركيبتها الحالية، وإعداد المشهد السياسي التونسي لفترة ما قبل الانتخابات. كما دعت الشاهد إلى ترك مقاليد الحكم، والاختيار بين نوايا الترشح إلى الانتخابات المقبلة أو الاكتفاء برئاسة الحكومة، والابتعاد عن توظيف إمكانات الدولة لتأسيس حزب سياسي جديد.
وفي هذا الشأن، قال عمار عمروسية، القيادي في تحالف الجبهة الشعبية، إن بقاء حكومة يوسف الشاهد في مكانها يمثل خطراً على الانتخابات المقرر إجراؤها في تونس نهاية السنة الحالية. وقال في اجتماع شعبي عقدته الجبهة التي تقود أحزاب المعارضة، إنها تدعو حكومة الشاهد إلى الاستقالة، في خطوة أولى تمهد لتشكيل حكومة انتخابات، واتهم حزب «تحيا تونس» المنسوب إلى الشاهد ببناء حزب جديد، بالاعتماد على مقدرات الدولة، على حد تعبيره.
وتحدث عمروسية عن مبادرة سياسية تقدمت بها الجبهة الشعبية إلى التونسيين، قائلاً إنها تعتمد على ثلاثة محاور أساسية، وهي عجز الائتلاف الحاكم على تسيير البلاد وحل ملفات اجتماعية واقتصادية شائكة، وصعوبة توفير مناخ مناسب لإجراء انتخابات حرة وشفافة، بالإضافة إلى استغلال أجهزة الدولة وإمكاناتها لتأسيس حزب سياسي جديد يقوده الشاهد. واعتبر أن هذه الوضعية غير ملائمة، بسبب مواصلة حكومة الشاهد السيطرة على المشهد السياسي التونسي الحالي.
وتتناغم دعوة الجبهة الشعبية المعارضة مع تصريح إذاعي أدلى به أمس راشد الغنوشي، رئيس حركة «النهضة»، اعتبر فيه أن تغيير حكومة الشاهد قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة غير مستبعد. وأشار إلى تواصل المشاورات داخل حركة النهضة، لبلورة موقف نهائي من حكومة الشاهد الحالية، سواء بالإبقاء عليها أو تغييرها بحكومة تكنوقراط أو حكومة انتخابات، على حد قوله. وتعد حركة النهضة من أبرز داعمي حكومة الشاهد، وعارضت بقوة محاولة إسقاطها، ودافعت عن الاستقرار الحكومي حين دعا حزب «النداء» بزعامة حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس التونسي وقيادات اتحاد الشغل (نقابة العمل)، إلى الإطاحة بالحكومة وتغيير رئيسها.
ومن جهته، أفاد زهير المغزاوي الأمين، رئيس حركة الشعب، وعضو أمناء العموم في تحالف الجبهة الشعبية المشكل من 11 حزباً سياسياً، بأن حزبه معني بالانتخابات الرئاسية المقبلة، وسيتقدم بمرشح. وأكد لـ«الشرق الأوسط» على ضرورة تشكيل جبهة انتخابية تقدم بديلاً حقيقياً لحالة «الرداءة والفشل والعجز» التي تشهدها البلاد. واعتبر أن تونس تمر بمنعرج صعب وخطير، يتطلب إجراءات عاجلة لوقف النزيف، أبرزها تشكيل حكومة جديدة.
وعبر المغزاوي عن مخاوف حقيقية من المناخ الانتخابي الحالي، قائلاً إن المال السياسي الفاسد الذي تدفق من الداخل والخارج، هو الذي أفرز «جرائم انتخابية» في انتخابات عامي 2011 و2014، وكذلك الانتخابات البلدية التي جرت السنة الماضية.
وفي السياق ذاته، أكد تحالف الجبهة الشعبية رفضه إجراء تعديل على القانون الانتخابي، بإقرار عتبة الدخول إلى البرلمان، ورفعها من 3 في المائة إلى 5 في المائة من أصوات الناخبين، وذلك قبل أشهر قليلة من موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تونس. وفي هذا الشأن، أكد أحمد الصديق رئيس الكتلة البرلمانية للجبهة الشعبية (15 نائباً برلمانياً) رفضه القاطع لنسبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين للحصول على تمثيل في البرلمان التونسي، بدلاً عن النسبة الحالية التي طبقت خلال التجارب الانتخابية السابقة. ووفق متابعين للأوضاع، فإنه من شأن تطبيق ما يعرف بـ«قانون العتبة» أن يخرج نحو 13 حزباً سياسياً موجوداً حالياً في البرلمان التونسي. واتهم الصديق الأحزاب السياسية الكبرى، خاصة حركة النهضة، بمحاولة القضاء على الأصوات المعارضة داخل البرلمان، وبالتالي إفراغ المشهد السياسي من المخالفين في الرأي.
على صعيد آخر، تم توقيف سبعة أشخاص ليلة أول من أمس في إحدى مناطق شمال شرقي تونس، في سياق اضطرابات وقعت رد فعل على وفاة تونسي بعدما أوقفته الشرطة، وفق ما أفاد مصدر قضائي لوكالة الصحافة الفرنسية. والتونسي المتوفي (32 عاماً) يعمل خارج تونس، وتم توقيفه مساء الجمعة في «حالة هستيرية» على الطريق العامة في نواحي بلدة براكة الساحل قرب منتجع الحمامات السياحي، حيث كان يمضي إجازته، حسب بيان لوزارة الداخلية.
وأغمي على الموقوف لدى وصوله إلى مركز الشرطة، ولم تتمكن فرق الإسعاف التي استدعتها الشرطة من إنقاذه، حسب الوزارة التي قالت إنه تم فتح تحقيق في ملابسات الوفاة. وأوضحت الوزارة أنه تم وضع الشرطيين اللذين أوقفا المتوفى قيد التوقيف الاحتياطي، إضافة إلى تونسيين اثنين كانا موجودين خلال عملية التوقيف.
ومساء السبت قام سكان في البلدة، حملوا الشرطة مسؤولية الوفاة، برمي زجاجات حارقة وحجارة على قوات الأمن، حسب الوزارة التي أضافت أنه تم إرسال تعزيزات إلى المنطقة. وتم توقيف سبعة أشخاص اشتبه بمشاركتهم في اضطرابات ليلة السبت، حسب ما أفادت أمس محكمة قرنبالية المكلفة بالتحقيق.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم