تقرير حال الإعلام البريطاني: ضرورة ملحة لدعم الصحف المحلية لمحاربة الصوت الواحد

«غوغل» و«فيسبوك» تحصدان 54 % من إجمالي الإنفاق الإعلاني الرقمي

مسافرون يقرأون الصحف في قطار أنفاق لندن عام 1963 (غيتي)
مسافرون يقرأون الصحف في قطار أنفاق لندن عام 1963 (غيتي)
TT

تقرير حال الإعلام البريطاني: ضرورة ملحة لدعم الصحف المحلية لمحاربة الصوت الواحد

مسافرون يقرأون الصحف في قطار أنفاق لندن عام 1963 (غيتي)
مسافرون يقرأون الصحف في قطار أنفاق لندن عام 1963 (غيتي)

التحولات التقنية في عالم صناعة الإعلام من انتشار مواقع الأخبار على الشبكة العنكبوتية، والضغوط المتزايدة على الإعلام الورقي المكتوب، ومخاوف الأخبار الكاذبة، إلى جانب تحول التمويل الإعلاني إلى عمالقة الإنترنت، من أمثال «غوغل» و«فيسبوك»، أثارت مخاوف في أوساط الصناعة وبين مسؤولي الحكومة البريطانية. لذلك؛ اتخذت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي خطوة تكليف الباحثة الاقتصادية المرموقة فرانسيس كيرنكروس بإعداد تقرير عن حالة الإعلام البريطاني، وتقديم اقتراحات لتحسين الوضع الحالي، في عام 2018. وبعد سنة كاملة من البحث، قدمت كيرنكروس تقريرها النهائي وتوصياتها التي نشرت الأسبوع الماضي.
وصفت كيرنكروس تقريرها بالقول: إن الاقتراحات التي تقدمت بها من شأنها أن تحسّن الأفق للصحافة عالية المستوى، وأن تشجع نماذج إعلامية جديدة ليس فقط من ناحية التقنيات المتاحة، بل أيضاً من جوانب التجديد وأساليب المهنة الصحافية. واستعانت بخبراء إعلام من الصحافة الوطنية والإعلام الرقمي وصناعة الإعلان، كما ركزت في تقريرها على استعادة التوازن بين ناشري الأخبار وبين المنصات الرقمية التي تنشر ما ينتجونه. يأتي التقرير في مرحلة بها الكثير من المتغيرات في التقنية وتوجهات المستهلك؛ مما يمثل تحديات للصحافة ذات النوعية الجيدة، سواء في بريطانيا أو حول العالم.
وترى كيرنكروس، أنه في بعض الأحيان لا بد من الإشراف الحكومي من أجل التزام منصات أخبار الإنترنت بمعايير إعلامية لتحسين الثقة في الأخبار التي تبثها مع تعيين مراقب عليها. كما يتعين على الحكومة النظر في الدعم المباشر لمصادر الأخبار المحلية، وتقديم إعفاءات ضريبية للإعلام الذي يتوجه للصالح العام. كما طالب التقرير بمؤسسة توفر الدعم عبر صندوق خاص بالابتكار في مجال الأخبار التي تهم الصالح العام.
من بين التوصيات الأخرى التي قدمتها كيرنكروس:
- الالتزام بمعايير جديدة لاستعادة التوازن بين الناشرين وبين منصات الإنترنت.
- تنظر لجنة الاحتكارات في سوق الإعلان الرقمي للتأكد من وجود منافسة عادلة.
- لا بد أن تبذل منصات الإنترنت جهداً في تحسين حصول مستخدميها على الأخبار بأسلوب جيد وتحت رعاية من جهات رقابية.
- تنظر مؤسسة «أوفكوم» الحكومية للرقابة الإعلامية ومنع الاحتكار في نشاط أخبار هيئة الإذاعة البريطانية، وعما إذا كانت بعض المجالات يمكن خدمتها بطريقة أفضل من مؤسسات تجارية.
- على هيئة الإذاعة البريطانية أن تقدم المزيد من الدعم للناشرين المحليين بحيث تكون الأخبار التي تقدمها مكملة للأخبار المحلية.
- لا بد من تأسيس معهد مستقل لتوفير الأخبار التي تهم الصالح العام في المستقبل.
- ضرورة إنشاء صندوق للابتكار يساهم في تحسين توفير الأخبار التي تهم الصالح العام.
- إعفاءات ضريبية لتشجيع الدفع مقابل الأخبار الرقمية ولدعم الإعلام المحلي والصحافة الاستقصائية.
- توسيع مجال الدعم المالي لمصادر الأخبار المحلية بمساهمة هيئة الإذاعة البريطانية؛ لأنها تدعم تعددية الأصوات والديمقراطية.
وسوف تنظر الحكومة البريطانية في هذه التوصيات بالتفصيل، وفق ما أعلنت، ويكتب وزير الثقافة جيريمي رايت إلى سلطات منع الاحتكار و«أوفكوم» وغيرهما لفتح مناقشة حول تطبيق هذه التوصيات كل في مجاله. وترد الحكومة على توصيات التقرير خلال العام الحالي.

دواعي التقرير
هناك الكثير من التحديات التي تواجه الإعلام البريطاني الرصين من صحف قومية ومصادر أخبار ومجلات ومحطات تلفزيونية. مصدر هذه التحديات هو التوغل الرقمي الذي لا يعرف حدوداً جغرافية، وشبه الاحتكار في مجالات التواصل الذي تنفرد به مؤسسات عملاقة تعمل على نطاق عالمي. فهي لا تجذب فقط ملايين المستخدمين، بل تجذب معهم أيضاً مليارات الدولارات من الإيراد الإعلاني الذي تحول إليها من وسائل الإعلام المحلية، خصوصاً الصحف والتلفزيون.
هناك أيضاً مخاوف جانبية عبر عنها مستخدمو الأخبار، وهي كيفية التعرف على الأخبار الكاذبة التي تحولت إلى ظاهرة اسمها «Fake News». فقد اعترف ربع مستخدمي منصات الإنترنت بأنهم لا يعرفون كيفية التعرف على هذه الأخبار أو التحقق منها.
ويرى التقرير، أن على منصات الإنترنت التعرف السريع على الأخبار الكاذبة وإزالتها من على المواقع. ويتهدد خطر الأخبار الكاذبة الصحافة المكتوبة، سواء الورقية أو على الإنترنت؛ لأنها توفر أكبر نسبة من الأخبار الأولية المؤثرة مقارنة بالراديو والتلفزيون، وخصوصاً جانب الصحافة الاستقصائية منها.
وفي حين يعترف التقرير بوجود أزمة تحول في مجال الإعلام، كما هو الحال في الكثير من المجالات الأخرى، إلا أن بعض التوصيات تثير تساؤلات أكثر مما تجيب عن مخاوف. فما هي الحاجة مثلاً «إلى معهد مستقل لتوفير الأخبار التي تهم الصالح العام في المستقبل» أو تأسيس صندوق للابتكار؟ كما أن توفير حوافز حكومية أو إعفاءات ضريبية، أو حتى إشراف حكومي، سواء على الصحف أو على مصادر أخبار الإنترنت، كلها عناصر تتعارض جذرياً مع حرية الصحافة المفترضة، خصوصاً تلك التي تتوجه «إلى الصالح العام». ولا يهدف التقرير إلى حماية الناشرين أنفسهم، وإنما يتطلع إلى توفير المناخ عالي الكفاءة الذي يعملون فيه.

ردود الأفعال
تباينت ردود الأفعال من مواقع الإعلام المختلفة، خصوصاً تلك التي سبق لها التفاعل مع لجنة كيرنكروس. وكانت أبرز التعليقات من الجهات التالية:
- «فيسبوك»: أكد متحدث من «فيسبوك»، أن الشركة ملتزمة تماماً بدعم الناشرين في بريطانيا، والتأكد أن الجمهور يتصفح أخباراً ذات مصداقية على «فيسبوك». وأضاف المتحدث: إن «فيسبوك» تعاون مع فريق إعداد تقرير كيرنكروس خلال فترة عمله، وإنه يراجع توصيات التقرير. وأضاف: «كما أشار التقرير، فقد أحرزنا بعض التقدم في توفير بعض الأدوات التي تمكّن المستخدمين من تحديد الأخبار التي يعتمد عليها على موقعنا، بما في ذلك زر يوضح مصادر الأخبار على الموقع».
كما دشن «فيسبوك» صندوقاً في بريطانيا قيمته 4.5 مليون إسترليني لدعم جرائد المحليات في أنحاء البلاد. ووعد «فيسبوك» بالاستمرار في العمل مع الحكومة والمسؤولين والناشرين لتوفير نماذج مستدامة للأخبار ومنصة يمكن الاعتماد عليها لنشر أخبار ذات مصداقية.
- «غوغل»: وقال نائب رئيس الشركة لقطاع الأخبار رتشارد غينغراس: إن الموقع ملتزم بتقديم خدمات إعلامية لها قيمة، حيث يقوم الموقع بالتعامل مع البحث عن مصادر أخبار 10 مليارات مرة كل شهر. وأضاف: إن الشركة تشارك الناشرين في 70 في المائة من إيرادها الإعلامي.
- هيئة الإعلان: وهي تمثل صناعة الإعلان البريطانية وقالت: إنها تدعم تماماً الحاجة إلى صناعة إعلام جيدة ومستقلة ومستدامة على المدى البعيد. وفيما يتعلق صناعة الإعلان على الإنترنت، ترى الهيئة أن أي خطوات تتخذ في هذا المجال يجب أن تكون متناسبة مع الواقع ومبنية على أدلة؛ حتى لا يتضرر أحد من أطراف منظومة الإعلانات من المعلن والوكالة ووسائل الإعلام أو الشركات التقنية.
- لجنة الثقافة والإعلام والرياضة: وهي لجنة حكومية يرأسها داميان كولينز، الذي رحب بالتقرير وبالحاجة إلى قواعد للمهنة تعم على منصات الإعلام الإلكتروني ووسائط التواصل الاجتماعي. واقترح كولينز، أن تقوم شركات التواصل الاجتماعي بتطوير الأدوات التي تساعد مستخدميها، وأن تنظم المحتوى على مواقعها. لكنه اعترض على تأسيس معهد مستقل لتوفير الأخبار التي تهم الصالح العام، وقال: إن المؤسسات القائمة تكفي للقيام بالمهمة.
- وزير الدولة للثقافة والإعلام والرياضة، توم واطسون: وكان له اعتراضاته على التقرير، حيث اعتبر أن المطالبة بإعفاءات ضريبية على وسائل أخبار رقمية تهم الصالح العام هي فكرة تنتمي إلى حزب العمال، كما أن مهاجمة هيئة الإذاعة البريطانية هي في الواقع مهاجمة للجهة الخطأ. واعتبر واطسون أن المشكلة الحقيقية تكمن في حصول «فيسبوك» و«غوغل» على نصف الدخل الإعلاني البريطاني؛ مما يجعل تطوير وسائل الإعلام المستقلة على أسس مالية مستدامة مسألة صعبة المنال.
> هيئة الإذاعة البريطانية: نفى متحدث عن الهيئة وجود أي دليل على أن «بي بي سي» تزاحم أي مصادر أخبار محلية. وأضاف: إن الهيئة مستعدة لمشاركة الناشرين المحليين بالتقنيات والخبرة، لكن سحب خدمات الهيئة من توفير الأخبار المحلية سوف تكون نتائجه عكسية لما يريد التقرير.

الإعلام البريطاني الورقي خسر ثلثي إيراداته الإعلانية في 10 سنوات
> أكد تقرير حول ديناميكية سوق الإعلام في بريطانيا كان ضمن المصادر التي اعتمد عليها تقرير كيرنكروس، أن موارد الإعلان للإعلام المطبوع تراجعت بنسبة الثلثين في السنوات العشر حتى عام 2017 . كما أشار التقرير إلى أن توزيع الصحف القومية في بريطانيا تراجع من 11.5 مليون نسخة في عام 2008 إلى 5.8 مليون نسخة في عام 2018.
وفيما يتعلق بالصحف المحلية فقد تراجع توزيعها من 63.4 مليون نسخة أسبوعياً في عام 2007 إلى 31.4 مليون نسخة أسبوعياً في عام 2017.
وبين عامي 2007 و2017 تراجع توزيع الصحف بشكل عام بنسبة النصف. وما زال تيار التراجع مستمراً. أما عدد الصحافيين المتفرغين في بريطانيا، فقد تراجع من 23 ألف صحافي في عام 2007 إلى 17 ألفاً في العام الحالي، وما زال العدد يتناقص.
وفيما يتعلق بالإيراد الإعلاني، زاد الإنفاق الإعلاني البريطاني على الإنترنت من 3.5 مليار إسترليني (4.5 مليار دولار) في عام 2008 إلى 11.5 مليار إسترليني (14.9 مليار دولار) في عام 2017، بنسبة نمو سنوية تبلغ 14 في المائة. وفي المتوسط، تذهب نسبة 62 في المائة من الإنفاق الإعلاني على الإنترنت إلى الناشر، وهي نسبة متفاوتة بين 43 و72 في المائة. وحصلت «غوغل» و«فيسبوك» على نسبة 54 في المائة من إجمالي الإنفاق الإعلاني الرقمي. ويعتمد الناشرون على الإعلانات التي تحولت الآن إلى أنظمة أتوماتيكية مبرمجة بالكامل وتعتمد على حجم المرور بالموقع الإخباري.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.