عند الحديث عن الذكاء الصناعي تتجه الأذهان دوماً إلى تصميم الروبوتات التي تقوم بمهام البشر نفسها، لكن أحد الاتجاهات المهمة في هذا المجال هو تحليل البيانات وتصنيفها للخروج بنتائج كان العقل البشري يحتاج لسنوات من أجل الوصول إليها. وبدأ ذلك يظهر بشكل واضح في مجال الطب، حيث أصبحت خوارزميات الذكاء الصناعي التي يتم تصميمها، كالغواص الذي يغوص في بحر ضخم من البيانات الخاصة بالأمراض ليستخرج منه أسراراً كان الوصول لها يحتاج إلى سنوات.
تحليلات الذكاء الصناعي
يقول المتخصصون في توظيف الذكاء الصناعي، إن المعلومات التي تم إنتاجها عام 2016 على سبيل المثال، تعادل كل ما أنتجه الجنس البشري حتى عام 2015. وتظهر قيمة الذكاء الصناعي في مجال الطب على سبيل المثال في القدرة على تصنيف الكم الكبير من المعلومات وتحليله للخروج بنتائج إحصائية يتم اختبار دقتها لاحقاً من خلال دراسات إكلينيكية.
أحد الأبحاث المهمة كانت تلك التي تتعلق باكتشاف طفرة جينية مشتركة بين مرض انفصام الشخصية وحجم أحد أجزاء المخ عند المراهقين، وهو ما جعل الباحثين يخلصون لنتيجة مهمة، وهي أن اكتشافهم قد يساعد على توفير تدخل يحمي المراهقين المعرضين للإصابة بالمرض. واعتمد الفريق البحثي الدولي الذي قاد هذه الدراسة، المنشورة في مجلة «الجمعية الطبية الأميركية» (JAMA) في 16 يناير (كانون الثاني) الماضي، على تحليل أكثر من 10 آلاف من بيانات التصوير الجيني التي تم جمعها من أكثر من 20 جامعة في 6 دول، وركز الفريق على الصور الهيكلية الدماغية للمراهقين الأصحاء البالغين من العمر 14 عاماً، بدلاً من تطبيق الأطلس التشريحي الكلاسيكي لمناطق الدماغ، كما أجروا تحليلاً استكشافياً شاملاً على مستوى الجينوم، ليكتشفوا لأول مرة أن حجم «البوتامين» أو «البطامة» (البنية الدائرية في قاعدة الدماغ الأمامي) في أدمغة المراهقين يرتبط مع متغير جيني له علاقة بمخاطر انفصام الشخصية، تم تحديده من قبل المجموعة الدولية لأبحاث علم الوراثة النفسية في دراسات سابقة.
وكانت دراسات سابقة اعتمدت على بيانات التصوير الجيني التي تم جمعها من جميع أنحاء العالم، فشلت في تحديد أي متغير جيني يربط بين مخاطر الاضطرابات النفسية وحجم «البوتامين»، لكن الدراسة الجديدة استخدمت خوارزميات للذكاء الصناعي تم تصميمها لتحليل البيانات.
يقول لوه كيانج، الأستاذ بمعهد العلوم والتكنولوجيا بجامعة «فودان» بالصين، والأستاذ الزائر بجامعة «كمبريدج» البريطانية، وعضو الفريق البحثي، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، «اكتشافنا أن (البوتامين) يرتبط حجمه بشكل كبير مع الطفرة الجينية الخاصة بانفصام الشخصية، قد يجعلنا قادرين على تطوير بعض التدخل الوقائي في حجم (البوتامين) خلال أو حتى قبل المراهقة لمنعهم من الإصابة بالانفصام». ويضيف: «حتى الآن لدينا فقط أدلة إحصائية قائمة على الملاحظة... ما نحاول القيام به في الوقت الحالي هو النظر في الآلية الكامنة على المستوى الجزيئي عن طريق عمل تجارب وراثية على نماذج من الفئران، وقد بدأنا ذلك بالفعل في جامعة (فودان) بشنغهاي».
اضطرابات وراثية
كان الذكاء الصناعي حاضراً وبقوة أيضاً في دراسة نشرت في 7 يناير الماضي في دورية «Nature Medical»، حيث نجحت في استخدام تحليل الوجه للكشف عن الاضطرابات الوراثية.
واعتمدت الدراسة على 17 ألف صورة لمرضى، وتمكنت تقنيات الذكاء الصناعي المستخدمة من تحديد أكثر من 200 متلازمة وراثية.
وتصف الدكتورة كارين غريب، أحد أعضاء الفريق البحثي، هذه النتائج، بأنها «إنجاز طال انتظاره في علم الوراثة الطبي». وتقول في تقرير نشره موقع منظمة «FDNA»، الرائدة في مجال الذكاء الصناعي والطب الدقيق: «أظهرنا في هذا العمل أن إضافة تحليل الوجه الآلي إلى سير العمل السريري يمكن أن يساعد في تحقيق التشخيص والعلاج في وقت مبكر، ويساعد على تحسين نوعية الحياة».