كشفت التعقيدات التي رافقت تأليف الحكومة في لبنان «شهية» القوى السياسية المفتوحة على أكبر نسبة من المغانم والنفوذ، وتحديداً ما يُعرف بالوزارات «الدسمة». كما أكدت أن الصراع السياسي قادرٌ على تعطيل ولادة الحكومة حتى الحصول على وزارة دولة بات لها حساباتها في المعادلة السياسية المنبثقة من نتائج الانتخابات النيابية، بحيث لم تعد هذه الوزارة «تنفيعة» أو جائزة ترضية، كما كان يصنّفها بعض الدستوريين، لتتحول رقماً صعباً يُستعمل في حال هبّت رياح التصويت على قرار ما داخل مجلس الوزراء.
ويتقاضى وزير الدولة في لبنان مبلغاً يصل إلى 12 مليوناً و973 ألف ليرة شهرياً، أي أكثر من 8 آلاف دولار أميركي، ويتمتع بالصلاحيات عينها التي يحظى بها أي وزير: يشترك معهم بالراتب نفسه، وله حق التصويت، وطرح أي موضوع على مجلس الوزراء، ومناقشة أي ملف يتعلق بأي وزارة، وبالتالي يكون متساوياً في ذلك مع جميع الوزراء، إنما الفارق الأساسي أن لا حقيبة له، وبالتالي لا يُشرِف على وزارة معينة، فهو يحصل على تسمية لمهام قد تبقى من دون أي ترجمة عملية.
وغالباً ما يقع تضارب في الصلاحيات بين المكلف بهذه التسمية ووزراء الحقائب، كما حصل مع وزير الدولة لشؤون الفساد في الحكومة السابقة، نقولا تويني، إذ كانت تتداخل مهمته مع عمل أجهزة الرقابة الإدارية التي تتبع رئيس مجلس الوزراء مباشرة، مثل التفتيش المركزي، ومجلس الخدمة المدنية، والهيئة العليا للتأديب وديوان المحاسبة. وبالتالي، دخل الوزارة وغادرها من دون إنجاز أي ملف.
وسبق لوزير الدولة لشؤون النازحين في الحكومة السابقة، معين المرعبي، أن اشتكى مراراً مما رآه محاولات من وزير الخارجية جبران باسيل لوضع يده على ملفه، هذا عدا التضارب مع مسؤوليات يتولاها عادة وزير الشؤون الاجتماعية المسؤول عن ملف النازحين من الناحية الاجتماعية، ومع وزير الداخلية والبلديات ووزير الدفاع، مروراً بالأجهزة الأمنية.
أما بالنسبة إلى وزيرة الدولة لشؤون تمكين الشباب والمرأة في الحكومة الجديدة، فيوليت الصفدي، فإن التضارب حاصل حتماً بينها وبين الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، التي استحدثت أصلاً للاهتمام بالمرأة، كبديل عن وزارة طالبت في الماضي هيئات نسائية باستحداثها. وينص قانون إنشاء الهيئة الوطنية على المهام التي تتولاها، والتي قد يكون من الصعب التنازل عنها لصالح وزير في حكومة، كما تتضارب مع صلاحيات وزير الشباب والرياضة.
وتبدو التسميات لوزارات الدولة وكأنها «بطالة وزارية مقنّعة»، كـ«شؤون رئاسة الجمهورية» أو وزارة الدولة لـ«شؤون مجلس النواب»، والمؤسستان لهما هيكلية مكتملة، ولا حاجة إلى وزير «يتطفل» على شؤونهما، بحسب ما يقوله منتقدون. ولم يسجل في الحكومات السابقة أي نشاط يتعلق بوزير تولى هذه المهمة.
لكن هذا الواقع لا يحول دون إبداء وزراء الدولة الجدد حماستهم لإثبات جدارتهم في العناوين التي منحت لهم، كما الحال مع وزير الدولة لشؤون التجارة الخارجية، حسن مراد، الذي يسعى إلى كسر هذه المعادلة، فهو يعي أنه دخل الحكومة من موقع سياسي، بصفته ممثل «اللقاء التشاوري» الذي تعطلت لأجله التشكيلة الحكومية لـ3 أشهر إضافية. ويقول مراد لـ«الشرق الأوسط» إنه «سيجمع الصفة السياسية لتوزيره بالصفة التنفيذية للمهمة التي أوكلت إليه، وسيعمل على محو الصورة التي كرسها الإعلام عن تعقيدات تسميته وزيراً صنِّف طرفاً من أطراف التجاذب السياسي»، ويضيف: «أعتبر الأمر تحدياً، أولاً لأني شاب يملك طاقات وكفاءات، أريد أن أوظفها لمصلحة لبنان. وثانياً لأنني أريد فصل الخلافات السياسية عن خطط عمل بدأتُ بدرس السبل للمباشرة بها».
ويعرف مراد تبعات عدم تكليفه بحقيبة وزارية، بالمعنى الفعلي والعملي للكلمة، وأن لا هيكلية لوزارته، ومع ذلك يبدو أنه قرر أن يعمل، وهو يؤكد في هذا الإطار أن «عمله لتولي ملف التجارة الخارجية لن يتضارب مع صلاحيات وزارتي الاقتصاد والخارجية وبعض الوزارات الأخرى التي تشمل بعض صلاحياتها التجارة الخارجية»، ويضيف أنه «وضع هدفاً واضحاً لتحقيقه، وهو تحديداً إبرام اتفاقات تجارية مع عدد من الدول»، ويشير إلى أن «وزير الخارجية جبران باسيل كان قد أعد فريق عمل من 72 ملحقاً اقتصادياً، وذلك لإحياء ما كان قائماً في سبعينات القرن الماضي. وهؤلاء لا يزالون في الوزارة. وقد وضعتُ خريطة عمل لـ20 دولة يمكن التعاون معها في إطار الاتفاقات التجارية. وقد وعدني باسيل بأن يساعد هؤلاء الملحقين فريق عملي لتحقيق هدفي».
وزارات الدولة من «جوائز ترضية» إلى امتحان لإثبات الجدارة
وزارات الدولة من «جوائز ترضية» إلى امتحان لإثبات الجدارة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة