تركيا تلمح إلى عملية عسكرية مع روسيا وإيران في إدلب

TT

تركيا تلمح إلى عملية عسكرية مع روسيا وإيران في إدلب

لمح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، إلى احتمال شن عملية عسكرية مشتركة بين تركيا وروسيا وإيران ضد الجماعات الإرهابية في إدلب، في وقت قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن تركيا تقع عليها مسؤولية الفصل بين فصائل المعارضة الموالية لها و«هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة) بموجب اتفاق سوتشي الموقع بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان في 17 سبتمبر (أيلول) الماضي.
وقال إردوغان إنه «يمكن تنفيذ العمليات المشتركة مع روسيا وإيران في أي وقت وفقاً للتطورات، ولا توجد عقبات لهذا، المهم بالنسبة لنا هو سلامة سكان إدلب. والجيشان التركي والروسي يقومان بعمل مكثف لتنفيذ اتفاق سوتشي بشأن إقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب ومكافحة الجماعات الإرهابية في المنطقة».
ولم يحدد إردوغان، في تصريحات أدلى بها للصحافيين المرافقين له في رحلة عودته من روسيا، حيث شارك في قمة سوتشي مع الرئيسين الروسي والإيراني يوم (الخميس) الماضي، نشرتها وسائل الإعلام التركية أمس، خطوات ملموسة سيتم اتخاذها، لكنه كرر أن الاتفاق الثلاثي للعمليات المشتركة «في الجيب»، مشيراً إلى أن إدلب هي موطن لعشرات الآلاف من المقاتلين المتشددين الذين يسيطرون على نحو 90 في المائة من المحافظة السورية.
وأكد أن الدول الثلاث مستعدة لمواصلة تنفيذ اتفاق سوتشي، مع وجود مسؤولين عسكريين أتراك وروسيين في أعمال مكثفة لتحقيق هذه الغاية. وقال إن الجهود تبذل لوقف هذه الجماعات عن ترويع سكان محافظة إدلب. وأضاف: «المخابرات التركية تعمل بشكل مكثف، وتحاول منع الأعمال الإرهابية. كما ستفي نقاط المراقبة التي أقمناها في إدلب بواجب مهم». في السياق ذاته، قال لافروف إنه تم توقيع اتفاق سوتشي مع تركيا حول مدينة إدلب السورية، وستقوم تركيا بفصل قوات المعارضة المتعاونة معها عن «جبهة النصرة».
وأضاف لافروف، في كلمة خلال مؤتمر ميونيخ للأمن، أمس، أن «جبهة النصرة» بسوريا سيطرت على أكثر من 90 في المائة من منطقة إدلب، وروسيا وإيران وتركيا موجودون بالفعل بالمنطقة، مشيراً إلى أنه كان هناك اتفاق لبناء نهج تدريجي وفقاً لحقوق الإنسان العالمية لحل تلك الأزمة.
وتابع لافروف أن الرئيس فلاديمير بوتين أعلن أنهم لن يستطيعوا التحمل إلى الأبد هذا الكم الهائل من الإرهابيين في إدلب، مشيراً إلى أن تلك الأزمة سوف يتم حلها في أقرب وقت.
في السياق ذاته، اعتبر إردوغان أن قمة سوتشي الثلاثية كانت فعالة للغاية ومثمرة جداً، معرباً عن أمله في عقد الجولة الخامسة من اجتماعات سوتشي في تركيا، مشيراً إلى أن بلاده بدأ يتكون لديها انطباع حول صورة النظام الذي سيتم تشكيله في سوريا.
وبشأن ما أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأن لديه تصريحات مهمة بخصوص سوريا خلال الـ24 ساعة المقبلة، رجح إردوغان، في مقابلة مع قنوات تلفزيونية محلية ليل الجمعة - السبت، أنه سيعلن الانتصار على تنظيم داعش الإرهابي.
وانتقد إردوغان مواقف ترمب من الانسحاب الأميركي من سوريا، قائلاً إن مواقف ترمب متغيرة، ولا يوجد انسجام داخل إدارته، وإن الإدارة الأميركية غير قادرة على إيجاد وجهة نظر موحدة حول ذلك الموضوع. ولفت إلى أن الوعود التي قدمتها واشنطن حول منبج لم تنفذ حتى الآن.
وعن طلب تركيا إقامة منطقة أمنية على طول الحدود السورية بناءً على اقتراح من الرئيس الأميركي، قال إردوغان إن المنطقة الأمنية يجب أن تخضع لسيطرة تركيا حتى يمكن أن تكون حدودها آمنة ضد وجود «وحدات حماية الشعب» الكردية، متعهداً بأن أنقرة لن تسمح أبداً بالجهود الرامية إلى تحويل هذه المنطقة الأمنية إلى درع حماية لـ«وحدات حماية الشعب».
ولفت إردوغان إلى أنه «رغم أن روسيا ليست ضد خطط تركيا لإقامة منطقة آمنة من خلال اتفاق أضنة الذي لا يزال قائماً بين أنقرة ودمشق، إلا أنها تحاول الحد من عمق المنطقة»، قائلاً إن «مؤسساتنا ذات الصلة تعمل حتى الآن على اتفاق أضنة (الموقع عام 1998)، وسنبذل الجهود لاستخدامها كأداة في حربنا ضد الإرهاب، لقد اتخذنا جميع التدابير ونحن مستعدون لأي شيء». وعن خطة الولايات المتحدة لنشر قوة مراقبة من دول التحالف الدولي للحرب على «داعش» في المنطقة الآمنة المقترحة، قال إردوغان إن تركيا لا توافق على مثل هذه الخطة، ويجب إخلاء شرق الفرات من المنظمات الإرهابية (في إشارة إلى «الوحدات الكردية»).
في السياق ذاته، كان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أكد أول من أمس أن بلاده ستطهر الجانب المقابل لحدودها مع سوريا من «وحدات حماية الشعب» الكردية، قائلاً إن «عهد خسارة المكاسب الميدانية على طاولة المفاوضات قد ولى».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.