عندما تدق الطبول الاحتفالية في الشوارع الضيقة المزدحمة بالسكان والمارة، يتهيأ الجميع لمتابعة قارعي الطبول. هكذا يجذب أعضاء فرقة "محطات للفن المعاصر" جموع الناس إلى عروضهم الكرنفالية التي إعتادوا أن يؤدوها في الأحياء الشعبية في القاهرة وسواها ليقدموا للناس فرحاً بلا مقابل.
يتخذ كل مشاهد مكانا ليتابع العرض الذي عادة ما يقدم فقرات متعددة تشمل الإسكتشات المضحكة والغناء والخدع وألعاب السيرك البسيطة.
أُسست "محطات للفن المعاصر" عام ٢٠١١ بهدف إيصال الفن بكل أشكاله إلى غير القادرين والبسطاء الذين لا يستطيعون الذهاب إلى المسارح وقاعات العروض. وتقول هبة الشيخ، مؤسسة "محطات"، لـ "الشرق الأوسط": "بدأنا عملنا في الشارع وأطلقنا برنامجا تدريبيا كبيرا وجهناه إلى الموهوبين من محبي الفن وقدمنا معهم عروضا كثيرة في القاهرة والمحافظات المصرية".
وتؤكد هبة أن هدف الفرقة هو إحياء فنون الشارع "التي نقدم بعضها في إطار حديث يعكس الواقع، علماً أننا نقدم العروض مجانا لكل الناس".
قدمت "محطات" عروضها طوال ثمانية أعوام في أماكن عديدة في القاهرة وبورسعيد ودمياط والمنصورة وغيرها. ويختار فريق العمل الأماكن الشعبية التي تفتقد العروض الفنية. وإلى جانب مسرح الشارع، قدمت الفرقة عروضا موسيقية ومسرح عرائس وأوبرا بشكل يلائم مزاج اناس.
تقول هبة: "يفاجَأ سكان المنطقة أو المارة عادة بعروضنا، لكنهم يقابلوننا بترحاب وتقدير للمجهود الذي نبذله، وهذا شيء يسعدنا جميعا ويشعرنا بأننا نجحنا في نقل رسالتنا".
بما أن عروض الشارع في مصر لا يمكن أن تقام من دون تصريحات وإجراءات أمنية، تحرص هبة على إستخراج التصاريح الأمنية قبل العروض. وفِي بعض الأحيان تتعاون مع جهات ومنظمات مدنية أو متاحف تصلح لإقامة العروض.
حديثاً، استغلت الفرقة متحف جاير أندرسون، وهو بيت مبني على الطراز الإسلامي في السيدة زينب، وقدمت فيه عرضا مسرحيا مناسبا للأسرة والأطفال يتضمن مشاهد مضحكة أداها ستة ممثلين بملابس ملوّنة جذّابة وحوار رشيق. وكان العرض من ثمار برنامج "وجهاً لوجه" الذي أطلقته "محطات" لبناء قدرات الفنانين الناشئين والناشطين الثقافيين.
والبرنامج هو واحد من سلسلة ورش عمل وندوات لبناء القدرات بدأت عام 2013. ويتضمن محاضرات لأساتذه زائرين من دول مختلفة، الى جانب فنانين مصريين.
ويقول عادل البهدلي، وهو فنان في السيرك القومي وأحد الممثلين الذين شاركوا في تجربة مسرح الشارع، إنه يشعر بالسعادة كلما شاهد الناس والأطفال فرحين بالعروض الفنية التي تقدَّم لهم ويتفاعلون معها. ويقول لـ "الشرق الأوسط": "مصر تحتاج إلى هذه النوعية من العروض، لذلك سنكرر التجربة في محافظات كثيرة".
ويؤكد البهدلي أن مسرح الشارع فن يحتاج إلى جرأة وسرعة بديهة لأن المؤدي يتعامل وجها لوجه مع الجمهور وقد يتعرض لتعليقات أو أسئلة مباشرة منهم، "لذلك عليه أن يتجاوب ويتعامل بشكل يجذب المشاهدين. مسرح الشارع تجربة ممتعة لأن هؤلاء الناس أغلبهم لا يستطيعون دفع ثمن تذكرة السينما أو المسرح، لذلك يُعتبر الفن بالنسبة إليهم رفاهية لا يهتمون بها. وأشعر بأن رسالتنا هي أن نوفر لهم هذه المتعة بلا مقابل".
يذكر أن أعضاء "محطات" يستعدّون حاليا لتجربة جديدة سيقدمونها في مارس (آذار) المقبل، وهي عرض يجمع التكنولوجيا وفنون السيرك.
*من «مبادرة المراسل العربي»