مدنيون عبروا فوق الجثث في الصحراء هرباً من جيب «داعش» شرق سوريا

نزوح من قرية الباغوز في ظل «هدنة» غير رسمية

TT

مدنيون عبروا فوق الجثث في الصحراء هرباً من جيب «داعش» شرق سوريا

في تلة مطلة على قرية الباغوز السورية من الجهة الشمالية، تقف عناصر من «قوات سوريا الديمقراطية» ونقطة طبية أميركية يعمل أفرادها في منظمة «فري بورما راينجرز»، يستقبلون الفارين من نيران المعارك.
يروي هؤلاء كيف عمدَ التنظيم منذ بداية المعركة إلى منع خروج المدنيين، حيث يحتمي بهم، واتخذهم دروعاً بشرياً، لكنه لم يعد قادراً على السيطرة على الأرض، وبسبب ضغط الراغبين بالخروج.
وفرَ المئات ليل الأربعاء - الخميس الماضي، معظمهم من الجنسية العراقية، من الأمتار الأخيرة المتبقية تحت سيطرة عناصر تنظيم داعش شرق سوريا، ومن بين الفارين أفراد من عائلات المتشددين أنفسهم.
وتواصل «قوات سوريا الديمقراطية» بدعم من التحالف الدولي بقيادة أميركية، المرحلة الأخيرة من هجومها المستمر منذ 23 يناير (كانون الثاني) الماضي الهادف لإنهاء وجود التنظيم المتطرف شرق نهر الفرات.
وقالت آمنة (40 سنة) المتحدرة من مدينة الموصل العراقية، التي حالفها الحظ يوم الأربعاء برفقة 300 شخص تمكنوا من الخروج والوصول إلى النقطة الآمنة، «مشينا فوق الجثث، فالموت كان في كل مكان، عشنا أيّام خوف ورعب للغاية».
وكانت آمنة فرت برفقة زوجها وأولادها نحو سوريا قبل عام ونصف العام بعد انتهاء المعارك ضد «داعش» في مسقط رأسها، خشيةً من قوات «الحشد الشعبي» المدعومة من إيران، وقالت إن زوجها لم يكن مقاتلاً في صفوف التنظيم، وأضافت: «كان يعمل محاسباً ولم يحمل السلاح، أوقفه الحاجز هنا وأخذه مع آخرين إلى نقطة تفتيش ثانية للتحقيق معهم».
أما سوزانا الفتاة الإيزيدية البالغة من العمر 23 سنة، والمتحدرة من مدينة شنكال العراقية، التي كانت مختطفة منذ منتصف 2014، وتمكنت من الهروب من قبضة التنظيم المتشدّد، فلم تصدق كيف وصلت إلى هذه النقطة؛ قالت: «الأمر غير قابل للتصديق. حقيقة كنت أظن أننا في عداد الموتى، فعناصر التنظيم باعوني وكنت سبية لأعوام مضت. اليوم أحصل على حريتي»؛ اغرورقت عيناها بالدموع وهي تروي قصتها وفصول المأساة التي مرت بها، لتضيف: «أحلم بالعودة إلى منزلي للاطمئنان على من تبقى من أهلي، أشعر أن عمري تجاوز مائة سنة من العذاب الذي تعرضت له على يد هؤلاء الإرهابيين»، في إشارة إلى عناصر تنظيم داعش المتطرف.
وسار هؤلاء الفارون ساعات طويلة وسط الصحراء في ظل هطول الأمطار الغزيرة وبرد قارس نخر أجسادهم النحيلة من قلة الطعام ومياه الشرب قبل بلوغ النقطة الآمنة. وتمكنت «قوات سوريا الديمقراطية» من فتح معبر آمن بداية الشهر الحالي، حيث تستقبلهم برفقة طاقم طبي أميركي في موقع فرز أنشأته عند التلة المرتفعة المقابلة لقرية الباغوز المحاصرة، ويتم التدقيق في هوياتهم وتؤخذ بصماتهم، ثم يحال المشتبه بانتمائهم للتنظيم إلى مركز تحقيق، فيما ينقل البقية وبينهم النساء والأطفال إلى مخيم الهول شمالاً.
في نقطة ثانية تبعد أمتاراً قليلة عن الساتر الترابي من المنطقة المحرمة الفاصلة بين سوريا والعراق المجاور، يقف مجموعة من الجنود الأميركيين ومسؤولين من قوات التحالف الدولي وقادة عسكريين من «قوات سوريا الديمقراطية»، يبدو أنها نقطة تفتيش خاصة بالتحقيق مع عناصر التنظيم، تقوم الدورية بإجراءات التفتيش بشكل دقيق ومعقد خشية تسلل عناصر التنظيم برفقة المدنيين.
وبلحية طويلة غير مهذبة، وشعر أشعث كثيف، ظهر أحمد الرجل البالغ من العمر 50 عاماً، المتحدر من مدينة حمص وسط سوريا، الذي انتظر مع أسرته نحو 6 ساعات حتى اجتاز هذه النقطة، وكان يقف ينتظر سيارة تقله إلى المخيم، وقال: «عندما وصلنا للنقطة، طُلب منا الحراس أن يقف الرجال في جهة، والنساء والأطفال بعد التأكد منهنّ في جهة ثانية، ثم فرزوا الأجانب عن العرب، وبدأ التحقيق مع كل شخص»، في حال كان مدنياً يسمح له بالعبور إلى مخيم الهول، يضيف أحمد، ويقول: «أما إذا كان مقاتلاً ويعمل مع التنظيم يتم نقله إلى سيارة مصفحة كانت تقف على مقربة منا».
وحسب قيادي من «قوات سوريا الديمقراطية»، خرج نحو 20 عنصراً، أمس، في الدفعة الأخيرة التي خرجت وسلموا أنفسهم، وقال: «كان معظمهم عرباً. عراقيون وخليجيون، من بينهم 7 مقاتلين أجانب من جنسيات الإيغور والشيشان ومن دول أوروبية».
ويتمركز الجيب المحاصر التابع لعناصر التنظيم، وتقدر مساحته بأقل من واحد كيلومتر شرق الباغوز، على الضفة الشرقية لنهر الفرات، ويعد آخر معقل للتنظيم في هذا الجزء من سوريا، ولطالما لجأ التنظيم على جبهات عدة إلى استخدام المدنيين دروعاً بشرية، بهدف عرقلة تقدم خصومه لدى تضييقهم الخناق على آخر معاقله، كما يزرع خلفه الألغام والمفخخات لمنع المدنيين من الخروج ولإيقاع خسائر في صفوف خصومه.
وأوضح مصطفى بالي، مسؤول المكتب الإعلامي لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، أنّ الفارين يتحدثون عن وجود الآلاف من المدنيين محاصرين جراء المعارك المحتدمة، الأمر الذي دفعهم إلى إيقاف العمليات القتالية وتوقيف قصف الطيران الحربي التابع للتحالف الدولي المناهض لتنظيم داعش منذ يومين، وقال: «سيؤثر هذا بشكل مباشر على سير المعركة وحسمها، قواتنا ملتزمة أخلاقياً بعزل المدنيين عن الاشتباكات، وتتعاطى بحذر مع هذه المعركة، ونعلم أن (داعش) يحتمي بهؤلاء المدنيين ويتخذهم دروعاً بشرياً»، وبلغ عدد الفارين منذ بداية المعركة نحو 40 ألفاً، حسب بالي.
وقالت فرنسية من أصول مغاربية بالكاد تتحدث العربية، إنها كانت متحمسة في البداية عندما جاءت إلى سوريا بداية 2015 للعيش عند داعش في يناير 2014: «خدعونا وأوهمونا بأنها أرض الإسلام، كنت أشاهد وأسمع كيف يقطعون الرؤوس عن أجسادها»، ونقلت أنها حاولت كثيراً الهروب من مناطق التنظيم. وتجهل ماري وغيرها من الجنسيات الغربية والأوروبية مصيرهنّ.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».