التعديلات الدستورية... تشغل الساحة السياسية في مصر

في مقدمها مدة ولاية رئيس الجمهورية وأوضاع السلطة القضائية

التعديلات الدستورية... تشغل الساحة السياسية في مصر
TT

التعديلات الدستورية... تشغل الساحة السياسية في مصر

التعديلات الدستورية... تشغل الساحة السياسية في مصر

في غضون ثلاثة أشهر إلا قليلاً، سيكون المصريون على موعد مع مشهد سياسي جديد في البلاد، ربما يمتد أثره حتى عام 2034، فقطار التعديلات الدستورية الذي انطلق قبل نحو أسبوعين، بمقترح من الأغلبية النيابية بالبرلمان، وازداد زخم الحديث بشأنه، نال إجازة مبدئية من مجلس النواب، نهاية الأسبوع الماضي، وبات الملف هو الأكثر بروزاً في ساحات المناقشات العامة والخاصة كذلك.
وسيكون من شأن تلك المقترحات لتعديل الدستور، حال إقرارها نهائياً من البرلمان وموافقة المصريين عليها بالاستفتاء، السماح للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي بالترشح لفترتين جديدتين، مدة كل واحدة منهما 6 سنوات، أي حتى عام 2034، بخلاف الفترة الثانية والأخيرة، بحسب الدستور القائم، التي تنتهي عام 2022، إذ وضع مقترحو التعديلات «مادة انتقالية» تقول إنه «يجوز لرئيس الجمهورية الحالي عقب انتهاء مدته الحالية إعادة ترشحه على النحو الوارد بمقترح التعديل (6 سنوات للفترة الرئاسية الواحدة وبحد أقصى فترتين)».

في يونيو (حزيران) 2018، أدّى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليمين القانونية للولاية الثانية، أمام مجلس النواب، بعد إعلان فوزه في انتخابات نافسه فيها مرشح واحد، وتحدد المادة 140 من الدستور الساري الفترة الرئاسية بـ«4 سنوات ميلادية»، كما تحظر «إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة».
مقترحات الأغلبية البرلمانية أثارت، كما هي طبيعة السياسة، ردود فعل معارضة، وإن كانت خافتة، خصوصاً فيما يتعلق بمسألة تنظيم سنوات ولاية الرئيس، واستند بعضها كما في حالة ائتلاف «25/ 30» البرلماني إلى المادة 226 من الدستور. وهي، وهنا المفارقة، المادة نفسها التي تضع آلية تعديل الدستور أيضاً، وتقول إنه «لرئيس الجمهورية، أو لخُمس أعضاء مجلس النواب، طلب تعديل مادة، أو أكثر، من مواد الدستور (...)»، وتضيف في موضع آخر أنه «في جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقاً بمزيد من الضمانات».
ويدفع أصحاب اتجاه التعديل بأن مقترحهم لا يتعارض مع قيد «عدم جواز تعديل نصوص إعادة انتخاب الرئيس». ويؤيدهم في ذلك، مثلاً، رئيس مجلس النواب علي عبد العال، الذي عدّ المقترحات «لم تأتِ على تعديل الفترتين الرئاسيتين إطلاقاً، وتخص مدة الفترة الرئاسية»، وخاطب أعضاء الجلسة العامة للبرلمان، الأسبوع الماضي، قائلاً: «المادة 226 من الدستور واضحة وضوح الشمس، ورسمت طريقاً لتعديل الدستور، لا حظر على زيادة عدد السنوات، ولكن الحظر باقٍ كما هو فيما يخص عدد فترات الرئاسة، وتوجد مادة انتقالية يحكمها سياق تاريخي وخصوصية الحالة المصرية، والقرار للأغلبية في نهاية الأمر».

- المسألة لم تظهر فجأة
في الحقيقة، مسألة تعديل الدستور في مصر لم تظهر فجأة في قاعات «النواب»، بل سبقتها دعوات إعلامية ودعاوى قضائية فتحت الباب ومهّدت الطريق لطرحها، لا سيما أن الرئيس السيسي قال، خلال حوار مع تلفزيون «سي إن بي سي» الأميركي، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 (قبل انتخابه للولاية الثانية)، إنه «مع الالتزام بفترتين رئاسيتين مدة الواحدة منهما 4 أعوام، ومع عدم تغيير هذا النظام (...)، وأنا لستُ مع إجراء أي تعديل في الدستور خلال هذه الفترة». لكن الرئيس المصري قال أيضاً في سبتمبر (أيلول) 2015، إن الدستور المصري «كُتب بنيات حسنة، والدول لا تُحكم بحسن النيات فقط».
ولقد رصد المتابعون دعوات تعديل الدستور بشكل عملي أولاً في ساحة القضاء، وتحديداً في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إذ نظرت محكمة «الأمور المستعجلة»، دعوى تطالب بإلزام مجلس النواب بالانعقاد لإجراء تعديل على الدستور يسمح بإطلاق «مدد إعادة انتخاب الرئيس»، وإلغاء قيد «عدم جواز الانتخاب لأكثر من مرتين». ورأى مقيمو الدعوى أن «القيد الدستوري المفروض على مدد انتخاب الرئيس مُجحف بالشعب المصري العظيم، نظراً لحجم المخاطر والتحديات والأضرار الاقتصادية والأمنية التي مرت بها البلاد وما زالت تمر بها حتى الآن، إلى جانب أن هذه المادة فيها حجر على إرادة الشعب الذي هو مصدر السلطات».
وكذلك دخل ياسر رزق، الصحافي المصري النافذ، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة «أخبار اليوم» (المملوكة للدولة)، الشهر الماضي، على مسار الدعوة لتعديل الدستور، بسلسلة مقالات دعا عبرها للبدء «الآن، وخلال الدورة البرلمانية الحالية» في إجراء تعديل على مواد الدستور. وأكد أنه «ليس لدينا ترف إضاعة مزيد من الوقت، قبل الشروع في عملية الإصلاح السياسي هذا العام». واقترح رزق على «كتلة الأغلبية دعوة أعضائها إلى اجتماع للنظر في تشكيل مجموعة عمل تضم النواب وأساتذة في القانون الدستوري لصياغة التعديلات المقترح إدخالها أو الإضافات المطلوبة على الدستور».
وقوبلت تلك المساعي، ثم التحركات والمقترحات الرسمية فيما بعد برفض بعض السياسيين، ومنهم حسام بدراوي الأمين العام الأسبق للحزب الوطني (الحاكم سابقاً والمنحلّ بأمر قضائي)، الذي قال إن «الرئيس (السيسي) يحترم تداول السلطة ولا ينوي مد فترة حكمه (...)»، كما عبّر عن اعتقاده في مقال رأي نشرته صحيفة «المصري اليوم» يوم 23 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بأنه لا يجوز «المساس بالدستور الحالي الآن، ونلزم بتعديل الدستور السلطة المنتخبة في 2022، ويكون محتوى التعديل المقترح جزءاً من التزاماته التي ننتخبه على أساسها، فيصبح ملتزماً بها مَن يتم انتخابه، بشرط عدم إجراء أي تعديل دستوري يعطي حقوقاً يستفيد منها مَن يحكم في مدة حكمه، أو في زيادة سلطات أو تغيير في مدة حكم... ولا بد أن أقول لكم إن الرئيس السيسي أعلن أكثر من مرة أنه لن يسمح بتعديل دستوري يمسّ مدة رئاسة البلاد».
ولكن، في مواجهة ذلك، يرى أكثر من 155 نائباً في البرلمان المصري، وقّعوا على طلب مقترحات التعديلات أن ما أقدموا عليه يأتي «استجابة للأسباب الواقعية والقانونية التي تدفع في اتجاه مراجعة بعض أحكام الدستور».
وطالب هؤلاء بتعديل الفقرة الأولى من المادة 140 لزيادة مدة تولي منصب رئاسة الجمهورية لتصبح ست سنوات بدلاً من أربع سنوات «التي أظهر الواقع العملي قصرها الشديد وغير الملائم للواقع المصري المستقرّ، مع استحداث مادة انتقالية بسريان هذا الحكم على الرئيس الحالي وتعديل ما يلزم بذلك». ويستهدف كذلك اقتراح تعديل الفقرة الأولى من المادة 160 «استحداث منصب نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية، لمعاونته في أداء مهامه، وتنظيم الحالة الخاصة بمن يحل محل الرئيس في غيابه».

- طريقة مناقشة التعديلات وضوابطها
على أي حال فإن الأمر لم يقتصر على الجدل بشأن التنبيه لـ«الواقع الخاص»، في مقابل التحذير من «استفادة سلطة بعينها من تعديلات أُجرِيَت في عهدها»، بل امتدّ إلى خلاف بشأن طريقة وضوابط مناقشة التعديلات الدستورية، التي كانت محلاً للآراء المتباينة أيضاً، وفي حين تحدث السياسي المصري البارز عمرو موسى عن «نتائج غير محمودة» يمكن أن يُفضي إليها «الغموض الذي يلف التعديلات»، تعهّد رئيس البرلمان علي عبد العال بأن يجري «مناقشات هادئة وعملية تتضمن تمثيلاً لمختلف الآراء أثناء نظر التعديل».
موسى تطرّق إلى فترة رئاسته للجنة الخمسين (تولّت صياغة الدستور الساري)، موضحاً الآلية التي صاغت بها مشروع الدستور الذي نال موافقة المصريين، وقال إن اللجنة عملت بناء على «نص مبدئي أعدته (لجنة العشرة) المُشكّلة من فقهاء دستوريين وقانونيين، ثم دعت إلى جلسات استماع دامت شهراً كاملاً، وأطلقت حواراً مجتمعياً فريداً أتيح منبره لجميع فئات المجتمع بشفافية كاملة، وفي جلسات مفتوحة مذاعة».
وفيما بدا رداً، وإن بشكل غير مباشر، على ما أثاره موسى، قال رئيس البرلمان، في الجلسة العامة للبرلمان، الأربعاء الماضي، إن «قرار زيادة المدة الرئاسية إلى ست سنوات بدلاً من أربع سنوات، كان محل انقسام خلال إعداد (لجنة العشرة) و(لجنة الخمسين) لدستور 2014». واستدرك عبد العال مضيفاً: «لم نأتِ على تعديل الفترتين الرئاسيتين إطلاقاً. التعديلات تخص مدة الفترة الرئاسية (...). كان هناك انقسام ما بين 4 و6 سنوات خلال عمل لجنتي (العشرة) و(الخمسين)، ولم نقصد بهذه التعديلات شخصاً معيناً. يجب أن يكون ذلك مفهوماً».
وبموازاة دعوة موسى إلى «حوار وطني فسيح بشأن التعديلات تُتاح له مختلف المنابر، وعلى رأسها منبر البرلمان، وأن يُتاح للرأي والرأي المعارض المجال لتفعيل هذا الحوار، إثراءً للحركة السياسية في البلاد، وتأميناً لمصداقية حركة التعديل»، نوه المتحدث باسم مجلس النواب صلاح حسب الله، بأن «الشعب المصري هو السيد في قراره بالموافقة من عدمها على التعديلات الدستورية، والنواب يستخدمون فقط حقّهم في مناقشة مشروع التعديلات، فيما سيدعو المجلس إلى حوار مجتمعي واسع يشمل الجميع، لأن الدستور لكل الفئات».
ورغم أن معظم التعليقات التي فحصت مسألة تعديل الدستور المصري ركّزت على الجانب المتعلق بالرئاسة ومدتها، فإن جانباً مهماً منها يرتبط بالسلطة القضائية، وطريقة اختيار مسؤوليها.

- الشقّ المتعلّق بالقضاء
ويطرح مقدمو مسوّدة التعديلات، تغيير المادة 139 من الدستور التي تنظم طريقة اختيار رئيس المحكمة الدستورية، التي تشير في صورتها الحالية إلى أن «اختيار رئيس المحكمة ونوابه وأعضاء هيئة المفوضين يكون بناءً على قرار الجمعية العمومية لها، ويصدر الرئيس قراراً بتعيينهم»، لكن المقترح يسعى إلى «منح رئيس الدولة سلطة اختيار رئيس (الدستورية) من بين أقدم 5 نواب، كما يعين نائب رئيس المحكمة».
وفي الشأن القضائي نفسه يأتي مقترح إضافة فقرة للمادة 189 من الدستور التي تحدد طريقة اختيار النائب العام، وتُلزم في صورتها الحالية أن «يتولى النيابة العامة نائب عام يختاره مجلس القضاء الأعلى (...) ويصدر بتعيينه قرار من رئيس الجمهورية». غير أن المقترح يشير إلى أن «يتولى النيابة العامة نائب عام يصدر بتعيينه قرار من رئيس الجمهورية من بين ثلاثة يرشحهم مجلس القضاء الأعلى».
تعديل آخر يرتبط بالسلطة القضائية، جاء في مقترح تعديل المادة 190 من الدستور، التي تنص على أن «مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية (...) ومراجعة وصياغة مشاريع القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية». وجاء التعديل ليضيف عبارة «التي تُحال إليه»، الأمر الذي من شأنه السماح لمجلس الدولة بمراجعة مشروعات القوانين التي ينظرها البرلمان، في حال قرر الأخير إحالتها، وإنهاء الإلزام الذي تنص عليه المادة الحالية بإحالة كل القوانين لمراجعتها وصياغتها.
القوات المسلحة كان لها حضور بطبيعة الحال في مقترح التعديلات، إذ يدعو ائتلاف الأغلبية إلى تعديل الفقرة الأولى من المادة 200 والإضافة لمهامها المتمثلة في «حماية البلاد، والحفاظ على الأمن»، مهامّ جديدة، جاء في التعديل أن من بينها «صون الدستور والديمقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد».

- إنشاء مجلس شيوخ
وتستحدث التعديلات إنشاء «غرفة ثانية في البرلمان تحت اسم (مجلس الشيوخ)»، على أن «يُشكّل من عدد من الأعضاء لا يقل عن 250 عضواً، وتكون مدة المجلس خمس سنوات، ويُنتخب ثلثاً أعضاء المجلس بالاقتراع العام السري المباشر، ويُعين رئيس الجمهورية الثلث الباقي».
وعلى جانب آخر، جاءت التعديلات المقترحة على المادة 102 التي تنص على أن «يُشكّل مجلس النواب من عدد لا يقل عن أربعمائة وخمسين عضواً (...)»، وتضيف: «على أن يُخصص ما لا يقل عن ربع عدد المقاعد للمرأة».
وبحسب الإجراءات والقواعد القانونية لتعديل الدستور والفترات الزمنية الإلزامية لإتمام مناقشة مقترحات النواب بشأنه، فإنه من المرجَّح بشكل كبير إجراء الاستفتاء عليها بعد موافقة البرلمان في مطلع مايو (أيار) المقبل، لتجنُّب دعوة المواطنين للاستفتاء في شهر رمضان، الذي توافق بدايته، على الأغلب، سادس أيام الشهر الميلادي.
ولم تسجّل نتائج فرز الاستفتاءات في مصر حالات رفض لها، على الرغم من تعبير المعارضين عن وجود لافت في بعض الحالات، مثلما جرى في استفتاء عام 2011 في أعقاب «ثورة 25 يناير (كانون الثاني)»، الذي رفضه 22.7 في المائة من المصوِّتين (4.1 مليون شخص)، بينما وافق عليه 77.2 في المائة (14.1 مليون مواطن).
وفي الاستفتاء التالي على الدستور، الذي أُجرِي في عهد الرئيس الأسبق المنتمي لتنظيم «الإخوان»، محمد مرسي، وتحديداً في عام 2012، أظهرت نتائجه موافقة 63.8 في المائة (10 ملايين مصوِّت)، ورفض 36.1 في المائة (6.06 مليون شخص)، ونحو 1.7 من الأصوات الباطلة غير الصحيحة (300 ألف صوت) تقريباً.
أما الاستفتاء على الدستور الحالي، في صورته الراهنة والمطروح تعديل بعض مواده، فقد نال موافقة 98.1 في المائة من المستفتين (19.9 ملايين مواطن)، بينما رفضه 1.8 في المائة (381 ألف مُصوِّت)، بينما سجّلت الأصوات الباطلة 1.2 في المائة بواقع 246 ألف صوت.

- محطات تاريخية في مسيرة الدساتير المصرية

1879
ظهرت النسخة الأولى للدستور في مصر، وتواكب إقراره مع أزمة عزل الخديو إسماعيل، وخرج من دون عرضه على حاكم البلاد بموجب قرار من السلطان العثماني، الذي كانت مصر تخضع لولايته آنذاك.

1882
ساهمت الحركة التي قادها الزعيم المصري أحمد عرابي، وعُرِفت فيما بعد بـ«الثورة العرابية»، في صياغة صورة جديدة من الدستور.

1923
جاء «دستور 1923» استجابة لتحركات «ثورة 1919»، وعكس تنازع القوى والإرادات بين رغبات الملك فؤاد حاكم مصر بالاحتفاظ بنفوذه، بما في ذلك منحه سلطة حل البرلمان، ومحاولات سلطة حزب الأغلبية (الوفد) الحصول على صلاحيات نيابية وتشريعية وتشكيل الحكومة.

1930
دفع تنازع الصلاحيات والنفوذ بين حكومة الأغلبية والملك فؤاد، إلى إقدام الأخير على صياغة دستور جديد قلّص خلاله من صلاحيات مجلس النواب، ورفع نسبة الأعضاء المعيّنين فيه إلى ما فوق الأغلبية، إلا أن القوى السياسة رفضته وظلَّت على موقفها، وقاطعت الانتخابات التي أعقبته إلى أن أجبرت الملك فؤاد عام 1935 على استئناف العمل بدستور 1923.

1956
جاء «دستور 1956» في أعقاب «ثورة 23 يوليو (تموز) 1952»، وكان هو الدستور الأول للبلاد في صورتها الجمهورية.

1958
عُرف الدستور الذي سُنّ ذلك العام بـ«دستور الوحدة»، وذلك لأنه جاء بعد إعلان قيام «الوحدة العربية» بشكل «الجمهورية العربية المتحدة» بين مصر وسوريا في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.

1964
أُطلِق على الدستور الصادر في ذلك العام اسم «الدستور المؤقت»، وذلك مراعاةً للأوضاع بعد انهيار تجربة الوحدة بين مصر وسوريا.

1971
يُعدّ «دستور 1971» من أكثر تجارب الدساتير استمراراً في مصر، إذ ظل سارياً لنحو 40 عاماً، وإن أُجرِيَت عليه تعديلات مختلفة، وكانت المرة الأولى عندما طرح الرئيس أنور السادات، في مايو 1980، على المواطنين الاستفتاء على التعديل الدستوري، الذي جرى بموجبه إلغاء القيد على حظر ترشيحه لأكثر من فترتين رئاسيتين. ولقد حظي التعديل بموافقة بلغت 98 في المائة، غير أن اغتيال السادات في أكتوبر 1981 حال دون خوضه استفتاءً آخر. وبالتالي، استفاد الرئيس حسني مبارك، الذي خلف السادات في منصب الرئاسة من التعديل، ما مكّنه من دخول استفتاءات متعددة للبقاء في السلطة.

2005
أُجرِيَت تعديلات على «دستور 1971» لتنظيم اختيار رئيس الجمهورية بانتخابات مباشرة، وشمل ذلك تعديلات للمادة 76 التي أجريت على أثرها أول انتخابات رئاسية في مصر.

2007
أجري استفتاء ثانٍ على تعديلات شملت حذف الإشارات إلى النظام الاشتراكي للدولة، وغيرها من التعديلات المتعلّقة بانتخاب الرئيس.

2011
في أعقاب «ثورة 25 يناير» 2011، أُجرِيَت بعض التعديلات الدستورية، ونالت موافقة المواطنين. ثم صدر إعلان دستوري، وجرى تعطيل العمل بدستور 1971.

2012
مع تولي محمد مرسي الرئاسة، أصدر إعلاناً دستورياً في نوفمبر وخلّف عاصفة كبرى، إذ إنه منح نفسه صلاحيات غير مسبوقة، وحصّن قراراته ضد أحكام القضاء، لكن سرعان ما نظّم الاستفتاء على دستور جديد في ديسمبر من العام ذاته.

2014
بعد إزاحة حكم تنظيم «الإخوان» في أعقاب «ثورة 30 يونيو»، أُجرِيَت تعديلات على الدستور. وقدمت لجنة التعديل (الخمسين) 42 مادة مستحدثة، حتى بات الأمر أشبه بدستور جديد، عُرف بـ«دستور 2014»، ونال موافقة نحو 20 مليون مصري.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)
TT

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار والطروحات «التخريبية» التي حملها برنامجه وباشر بتطبيقها منذ توليه المنصب في مثل هذه الأيام من العام الفائت. حالة لم يتح لها الوقت الكافي بعد كي تفجّر كل «مواهبها» ومفاجآتها التي لا يوفّر ميلي مناسبة ليتوعّد بها، خاصة بعد نيله «بركة» مثاله الأعلى، دونالد ترمب، الذي يستعد للعودة قريباً إلى البيت الأبيض.

في مقابلة أجرتها معه مجلة «الإيكونوميست» نهاية الشهر الماضي، قال ميلي إنه يشعر بازدراء لا نهاية له تجاه الدولة، مؤكداً أنه سيفعل كل ما بوسعه للقضاء على تدخل الدولة في شؤون المواطنين وتنظيم حياتهم «لأن ذلك يشكّل أسرع الطرق إلى الاشتراكية». لكن اللافت أن «الإيكونوميست»، الموصوفة برصانتها، تعتبر أن ما يقوم به هذا «المخرّب الأكبر» - كما يحلو له أن يطلق على نفسه – يجب أن يكون قدوة للولايات المتحدة وحكومتها الجديدة التي يبدو أنها مستعدة لتحذو حذو الرئيس الأرجنتيني وتكليف هذه المهمة إلى الملياردير إيلون ماسك.

تدلّ كل المؤشرات على أن الهدف الأساسي من وصول ميلي إلى الحكم، أواخر العام الفائت، هو «تدمير» الدولة من الداخل. ألغى 13 وزارة، وسرّح ما يزيد على ثلاثين ألفاً من الموظفين العموميين، وخفّض بنسب وصلت إلى 74% مخصصات الرواتب التقاعدية والتعليم والصحة والعلوم والثقافة والتنمية الاجتماعية. وعلى هذه الخلفية، سارعت أسواق المال للاحتفاء بالفائض المالي وتراجع التضخم الذي ليس سوى ثمرة واحدة من أكبر الجراحات المالية في التاريخ. لكن الوجه الآخر لهذه العملة البرّاقة كان انضمام 5 ملايين أرجنتيني إلى قافلة الفقراء الذين يعيش معظمهم على المعونة الغذائية في واحد من أغنى البلدان الزراعية والغذائية في العالم، وانكماشا اقتصاديا... من غير أن تتراجع شعبية ميلي الذي يفاخر بأنه الرئيس الأوسع شعبية على وجه الكرة الأرضية.

لا يكفّ ميلي عن مخاطبة مواطنيه عبر وسائط التواصل التي لعبت دوراً أساسياً في وصوله إلى الرئاسة، ويقول إن «القوى السماوية» التي تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى».

رئيسة الأرجنتين السابقة كريستينا كيرشنر (أ.ب)

لا يعترف الرئيس الأرجنتيني بالتغيّر المناخي، ولا بالمساواة بين الرجل والمرأة، أو بالعدالة الاجتماعية، وينكر الذاكرة التاريخية لأنظمة الاستبداد التي تعاقبت على بلاده، ويعتبر أن كل ذلك ليس سوى بدع يسارية يتوعّد بالقضاء عليها في «حرب ثقافية» يتبّلها بكل أنواع الشتائم التي توقد الحماسة في صفوف أنصاره وتزرع الحيرة في أوساط المعارضة المشتتة.

الأغرب في كل ذلك هو أن ميلي لا تؤيده سوى أقلية في مجلسي الشيوخ والنواب، فضلاً عن أن جميع حكّام الولايات الذين يتمتعون بصلاحيات واسعة، ليسوا من حزبه «الحرية تتقدم». كما أنه اضطر للإبقاء على العديد من كبار موظفي الحكومة اليسارية السابقة في مناصبهم لعدم وجود كوادر مؤهلة كافية في حزبه. لكن رغم هذا العجر الهائل، تمكّن ميلي من إقرار حزمة قوانين يعتبرها أساسية لمشروع تفكيك الدولة ورفع القيود عن العجلة الاقتصادية، من غير أن يتضّح بعد إذا كانت هذه السنة الأولى من ولايته مدخلاً لإحكام سيطرته على الدولة، أو هي تمهيد لهيمنة اليمين المتطرف على المشهد السياسي.

يعتمد ميلي على التأييد الشعبي الواسع الذي ما زال يلقاه، وعلى حاجة حكّام الولايات لموارد الدولة، وبشكل خاص على الحلف التشريعي الذي أقامه مع اليمين المعتدل ممثلاً بالحزب الذي يقوده رئيس الجمهورية الأسبق ماوريسيو ماكري. ومنذ نزوله المعترك السياسي، بعد أن كان ينشر أفكاره وطروحاته عبر البرامج التلفزيونية التي كان يقدمها، استمد شعبيته وقوته ضد ما يسميه «السلالة»، أي الطبقة السياسية التقليدية. أما الاتفاقات أو الائتلافات التي سعى إليها، فهي لم تكن سوى تكتيكية، ولم يفاوض على برنامجه مع الأحزاب أو القوى التي تحالف معها، بل بقي تحالفه الأساسي مع القاعدة الشعبية التي ما زالت تدعمه، والتي يرجّح أن تكون هي أيضاً نقطة ضعفه الرئيسية التي ستؤدي إلى سقوطه عندما تتوقف عن دعمه بعد أن تفقد الأمل الضئيل الذي ما زال يحدوها في أن تتحسن الأوضاع المعيشية.

وصفة ميلي تحقق نتائجها

يقول المقربون من ميلي إن سر استمرار شعبيته التي توقع كثيرون أنها إلى زوال سريع، هو أنه ينفّذ كل الوعود التي قطعها في حملته الانتخابية، فيما بدأ بعض منتقديه يعترفون بأن «وصفته» تحقق النتائج التي وعد بها.

وقد شهدت الأشهر الأخيرة انشقاق بعض رموز الحزب البيروني واصطفافهم إلى جانب ميلي، مثل العضو البارز في مجلس الشيوخ كارلوس باغوتو، وهو قريب من الرئيس الأسبق كارلوس منعم. وقال باغوتو: «إن ميلي هو الشخص الذي تحتاجه الأرجنتين للتخلص من الموجة الشعبوية الاشتراكية التي حكمتها طيلة العقدين المنصرمين... كنا في حال من التحلل الاجتماعي الذي بلغ مستويات يصعب تصورها. وبعد أن أصبحت الدولة تتدخل في جميع مسالك الحياة، عاجزة عن توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية لشريحة واسعة من المواطنين، وبعد أن أخفقت جميع المحاولات لضبط التضخم الهائل، أدركت الطبقات المتواضعة أن الخلاص لا يمكن أن يأتي من غير تضحيات... وكان ميلي».

"يقول ميلي إن «القوى السماوية» تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى»."

خدمة مصالح رجال الأعمال

لكن قراءة المعارضة للمشهد الاجتماعي تختلف كلياً، إذ يرى وزير الداخلية السابق إدواردو دي بيدرو المقرّب من الرئيسة السابقة كريستينا كيرشنر، أن ميلي قضى على حقوق وخدمات أساسية، مثل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، بينما خدم، في المقابل، مصالح رجال الأعمال والمراكز المالية. ويضيف: «إن قرارات مثل قطع الأدوية عن مرضى السرطان في المراحل الأخيرة، أو الكف عن توفير التغطية العلاجية للمتقاعدين، أو إقفال المطاعم الشعبية التي كانت تؤمن وجبات أساسية لحوالي 19% من السكان يعيشون على المعونة الغذائية، هي دليل ساطع على قسوة هذه الحكومة وعدم إحساسها».

يردّ ميلي على هذه الانتقادات بوصفها من أفعال الشيوعيين المناهضين للحرية، ويكرر أنه يقود «أفضل حكومة في التاريخ»، مقتنعاً بأنه مكلّف مهمة سماوية، ويقترح حرباً نضالية عالمية تحت راية «اليمين الدولي» من أجل القضاء نهائياً على اليسار، يجوز فيها استخدام كل الوسائل، بما في ذلك العنف. كما أكّد مؤخراً في أحد المهرجانات السياسية: «لست في وارد اللياقة أو الوفاق. لن أتراجع أبداً، وسأواصل السير نحو النار، لأن الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع. لسنا ملزمين بتبرير أفعالنا، وإذا فعلنا فسوف يعتبرون ذلك من باب الضعف. كلما تعرضنا لضربة من خصومنا، سنردّ الواحدة بثلاث».

تكيف وبراغماتية

الهجوم الدائم هو العلامة الفارقة في أسلوب الرئيس الأرجنتيني، لكن ميلي أظهر قدرة لافتة على التكيّف والبراغماتية التفاوضية كلّما وجد نفسه بحاجة إلى أصوات المعارضة، في مجلسي الشيوخ والنواب وبين حكام الولايات، خاصة عندما طرح «قانون الأساسات» الذي يتضمّن مئات المواد التي تعتبرها الحكومة ضرورية لتنفيذ برنامجها. يفعل ذلك وهو يدرك جيداً أن الأحزاب التقليدية فقدت شعبيتها، وهي في حال من الانهيار السريع الذي يمكن لحزبه أن يستفيد منه في الانتخابات العامة المرحلية في خريف العام المقبل ليقلب المعادلة البرلمانية الحالية التي تشكّل عائقاً كبيراً أمام مشروعه «التخريبي».

ستكون انتخابات العام المقبل حاسمة بالنسبة لميلي ليقلب المعادلة البرلمانية ويضمن الأغلبية التي تحرره من التفاوض مع المعارضة كلما أقدم على خطوة اشتراعية لتنفيذ برنامجه، خاصة أن التأييد الشعبي ليس مضموناً في المدى الطويل.

ويخشى معاونوه من أن جنوحه الشديد نحو التعصب والصدام العنيف مع خصومه السياسيين قد يبعده عن تحقيق هدفه الأساسي الذي كان وراء فوزه في الانتخابات الرئاسية، وهو معالجة الأزمة الاقتصادية المزمنة التي تتخبط فيها البلاد منذ عقود. وينصحه المقربون بعدم التمادي في «الحروب الثقافية» مع حلفائه الغربيين الذين حصرهم منذ اليوم الأول بالولايات المتحدة وإسرائيل والدول «الحرة»، وسمّى الاشتراكيين واليساريين خصومه إلى الأبد.

لكن رغم خطابه الناري والتهديدي الذي لا يخلو أبداً من الألفاظ البذيئة، والذي بدأ مستشاروه يواجهون صعوبة في تبريره بالقول إن هذا هو أسلوبه والناس تعرف ذلك، بدأ ميلي يعطي مؤشرات على أنه ليس غريباً كلياً عن البراغماتية والواقعية. وهو اعترف قبل أيام أنه تعلّم الكثير في السياسة خلال هذه السنة الأولى من ولايته. وقال إنه لم يعد لديه أعداء سياسيون في الأرجنتين، بل خصوم يريدون الخير للبلاد. وبعد أن كان صرّح مراراً خلال الحملة الانتخابية بأن الصين هي في معسكر الأعداء وبأنه لن يتعامل مع «القتلة»، قال مؤخراً: «إن الصين شريك رائع لا يطلب شيئاً سوى التبادل التجاري الهادئ» وإن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي كان وصفه غير مرة بأنه «يساري فاسد»، لن يصبح صديقه، لكن مسؤوليته الدستورية تقتضي منه التعامل معه.

الأرقام الاقتصادية في نهاية العام الأول من ولاية ميلي تظهر أن الشركات الكبرى في قطاع المحروقات، وكبار المستثمرين في أسواق المال والمصارف، هم الذين حققوا أرباحاً استثنائية خلال هذه السنة، وأن الجائزة الكبرى كانت من نصيب المتهربين من دفع الضرائب الذين استفادوا من خطة «التبييض» التي وضعها، بما يزيد على 20 مليار دولار، أي نصف القرض الذي حصلت عليه الأرجنتين منذ سنوات من صندوق النقد الدولي لوقف الانهيار الاقتصادي التام وما زالت حتى اليوم عاجزة عن سداده أو حتى عن جدولته. أما في الجهة المقابلة فكان المتقاعدون والموظفون العموميون وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هم الأكثر تضرراً من النموذج الذي خفّض الإنفاق العام وألغى القيود على الواردات بهدف احتواء التضخم الجامح الذي يقضّ مضاجع ملايين الأسر منذ سنوات، فضلاً عن الفقراء (19% من السكان حسب الإحصاء الأخير) الذين حُرموا فجأة من المعونة الغذائية التي كانت تقدمها الدولة.

أرباح الشركات الكبرى في قطاع الطاقة بلغت أرقاماً قياسية هذا العام بفضل زيادة الإنتاج وتحرير الأسعار والتدابير الضريبية والجمركية والقانونية التي أعلنها ميلي الذي يريد لهذا القطاع أن يكون المحرك الأساسي لاقتصاد الأرجنتين في العقود الثلاثة المقبلة، انطلاقاً من منطقة «باتاغونيا» الشاسعة في أقصى الجنوب التي تختزن، بحسب تقديرات، ثاني أكبر احتياطي من الغاز ورابع احتياطي من النفط في العالم. وفي نهاية الشهر الماضي كانت أسعار أسهم شركة النفط الرسمية قد ارتفعت بنسبة 140% عن العام الفائت، فيما ارتفعت أسعار أسهم الشركات الخاصة 75%.

تمديد الإنفاق

في موازاة ذلك قرر ميلي تجميد الإنفاق على المشاريع العامة، بينما كان الاستهلاك يتراجع إلى أدنى مستوياته والصناعة الأرجنتينية تعاني على جبهات ثلاث: انخفاض المبيعات، وتدفق السلع المستوردة بأسعار تصعب منافستها، وتراجع الصادرات بسبب ارتفاع سعر البيزو مقابل الدولار الأميركي. إلى جانب ذلك، سحب ميلي جميع إجراءات الدعم التي كانت اتخذتها الحكومات السابقة لمساعدة الطبقات الفقيرة، ما أدّى إلى ارتفاع أسعار النقل العام بنسبة 1000% وفواتير الغاز والكهرباء والتأمين الطبي والتعليم الخاص بنسب تزيد على 500%. وكانت الأشهر الستة الأولى من ولاية ميلي هي الأكثر صعوبة، إذ تزامنت مع نسبة تضخم قاربت 30% شهرياً بحيث تجاوزت نسبة المصنفين فقراء بين السكان 53%.

ستكون الأشهر الأولى من العام الثاني لولاية ميلي، حاسمة في تقدير عدد من المراقبين، لأنها ستبيّن مدى صمود شعبيته أمام انهيار الخدمات الأساسية والمساعدات التي تعيش نسبة عالية من السكان عليها، فيما يصرّ هو على رهانه بأن الفشل الذريع الذي تتخبط فيه القوى السياسية الأرجنتينية منذ عقود سيكون الخزان الذي سيغرف منه لترسيخ شعبيته حتى نهاية الولاية.