التعديلات الدستورية... تشغل الساحة السياسية في مصر

في مقدمها مدة ولاية رئيس الجمهورية وأوضاع السلطة القضائية

التعديلات الدستورية... تشغل الساحة السياسية في مصر
TT

التعديلات الدستورية... تشغل الساحة السياسية في مصر

التعديلات الدستورية... تشغل الساحة السياسية في مصر

في غضون ثلاثة أشهر إلا قليلاً، سيكون المصريون على موعد مع مشهد سياسي جديد في البلاد، ربما يمتد أثره حتى عام 2034، فقطار التعديلات الدستورية الذي انطلق قبل نحو أسبوعين، بمقترح من الأغلبية النيابية بالبرلمان، وازداد زخم الحديث بشأنه، نال إجازة مبدئية من مجلس النواب، نهاية الأسبوع الماضي، وبات الملف هو الأكثر بروزاً في ساحات المناقشات العامة والخاصة كذلك.
وسيكون من شأن تلك المقترحات لتعديل الدستور، حال إقرارها نهائياً من البرلمان وموافقة المصريين عليها بالاستفتاء، السماح للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي بالترشح لفترتين جديدتين، مدة كل واحدة منهما 6 سنوات، أي حتى عام 2034، بخلاف الفترة الثانية والأخيرة، بحسب الدستور القائم، التي تنتهي عام 2022، إذ وضع مقترحو التعديلات «مادة انتقالية» تقول إنه «يجوز لرئيس الجمهورية الحالي عقب انتهاء مدته الحالية إعادة ترشحه على النحو الوارد بمقترح التعديل (6 سنوات للفترة الرئاسية الواحدة وبحد أقصى فترتين)».

في يونيو (حزيران) 2018، أدّى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليمين القانونية للولاية الثانية، أمام مجلس النواب، بعد إعلان فوزه في انتخابات نافسه فيها مرشح واحد، وتحدد المادة 140 من الدستور الساري الفترة الرئاسية بـ«4 سنوات ميلادية»، كما تحظر «إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة».
مقترحات الأغلبية البرلمانية أثارت، كما هي طبيعة السياسة، ردود فعل معارضة، وإن كانت خافتة، خصوصاً فيما يتعلق بمسألة تنظيم سنوات ولاية الرئيس، واستند بعضها كما في حالة ائتلاف «25/ 30» البرلماني إلى المادة 226 من الدستور. وهي، وهنا المفارقة، المادة نفسها التي تضع آلية تعديل الدستور أيضاً، وتقول إنه «لرئيس الجمهورية، أو لخُمس أعضاء مجلس النواب، طلب تعديل مادة، أو أكثر، من مواد الدستور (...)»، وتضيف في موضع آخر أنه «في جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقاً بمزيد من الضمانات».
ويدفع أصحاب اتجاه التعديل بأن مقترحهم لا يتعارض مع قيد «عدم جواز تعديل نصوص إعادة انتخاب الرئيس». ويؤيدهم في ذلك، مثلاً، رئيس مجلس النواب علي عبد العال، الذي عدّ المقترحات «لم تأتِ على تعديل الفترتين الرئاسيتين إطلاقاً، وتخص مدة الفترة الرئاسية»، وخاطب أعضاء الجلسة العامة للبرلمان، الأسبوع الماضي، قائلاً: «المادة 226 من الدستور واضحة وضوح الشمس، ورسمت طريقاً لتعديل الدستور، لا حظر على زيادة عدد السنوات، ولكن الحظر باقٍ كما هو فيما يخص عدد فترات الرئاسة، وتوجد مادة انتقالية يحكمها سياق تاريخي وخصوصية الحالة المصرية، والقرار للأغلبية في نهاية الأمر».

- المسألة لم تظهر فجأة
في الحقيقة، مسألة تعديل الدستور في مصر لم تظهر فجأة في قاعات «النواب»، بل سبقتها دعوات إعلامية ودعاوى قضائية فتحت الباب ومهّدت الطريق لطرحها، لا سيما أن الرئيس السيسي قال، خلال حوار مع تلفزيون «سي إن بي سي» الأميركي، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 (قبل انتخابه للولاية الثانية)، إنه «مع الالتزام بفترتين رئاسيتين مدة الواحدة منهما 4 أعوام، ومع عدم تغيير هذا النظام (...)، وأنا لستُ مع إجراء أي تعديل في الدستور خلال هذه الفترة». لكن الرئيس المصري قال أيضاً في سبتمبر (أيلول) 2015، إن الدستور المصري «كُتب بنيات حسنة، والدول لا تُحكم بحسن النيات فقط».
ولقد رصد المتابعون دعوات تعديل الدستور بشكل عملي أولاً في ساحة القضاء، وتحديداً في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إذ نظرت محكمة «الأمور المستعجلة»، دعوى تطالب بإلزام مجلس النواب بالانعقاد لإجراء تعديل على الدستور يسمح بإطلاق «مدد إعادة انتخاب الرئيس»، وإلغاء قيد «عدم جواز الانتخاب لأكثر من مرتين». ورأى مقيمو الدعوى أن «القيد الدستوري المفروض على مدد انتخاب الرئيس مُجحف بالشعب المصري العظيم، نظراً لحجم المخاطر والتحديات والأضرار الاقتصادية والأمنية التي مرت بها البلاد وما زالت تمر بها حتى الآن، إلى جانب أن هذه المادة فيها حجر على إرادة الشعب الذي هو مصدر السلطات».
وكذلك دخل ياسر رزق، الصحافي المصري النافذ، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة «أخبار اليوم» (المملوكة للدولة)، الشهر الماضي، على مسار الدعوة لتعديل الدستور، بسلسلة مقالات دعا عبرها للبدء «الآن، وخلال الدورة البرلمانية الحالية» في إجراء تعديل على مواد الدستور. وأكد أنه «ليس لدينا ترف إضاعة مزيد من الوقت، قبل الشروع في عملية الإصلاح السياسي هذا العام». واقترح رزق على «كتلة الأغلبية دعوة أعضائها إلى اجتماع للنظر في تشكيل مجموعة عمل تضم النواب وأساتذة في القانون الدستوري لصياغة التعديلات المقترح إدخالها أو الإضافات المطلوبة على الدستور».
وقوبلت تلك المساعي، ثم التحركات والمقترحات الرسمية فيما بعد برفض بعض السياسيين، ومنهم حسام بدراوي الأمين العام الأسبق للحزب الوطني (الحاكم سابقاً والمنحلّ بأمر قضائي)، الذي قال إن «الرئيس (السيسي) يحترم تداول السلطة ولا ينوي مد فترة حكمه (...)»، كما عبّر عن اعتقاده في مقال رأي نشرته صحيفة «المصري اليوم» يوم 23 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بأنه لا يجوز «المساس بالدستور الحالي الآن، ونلزم بتعديل الدستور السلطة المنتخبة في 2022، ويكون محتوى التعديل المقترح جزءاً من التزاماته التي ننتخبه على أساسها، فيصبح ملتزماً بها مَن يتم انتخابه، بشرط عدم إجراء أي تعديل دستوري يعطي حقوقاً يستفيد منها مَن يحكم في مدة حكمه، أو في زيادة سلطات أو تغيير في مدة حكم... ولا بد أن أقول لكم إن الرئيس السيسي أعلن أكثر من مرة أنه لن يسمح بتعديل دستوري يمسّ مدة رئاسة البلاد».
ولكن، في مواجهة ذلك، يرى أكثر من 155 نائباً في البرلمان المصري، وقّعوا على طلب مقترحات التعديلات أن ما أقدموا عليه يأتي «استجابة للأسباب الواقعية والقانونية التي تدفع في اتجاه مراجعة بعض أحكام الدستور».
وطالب هؤلاء بتعديل الفقرة الأولى من المادة 140 لزيادة مدة تولي منصب رئاسة الجمهورية لتصبح ست سنوات بدلاً من أربع سنوات «التي أظهر الواقع العملي قصرها الشديد وغير الملائم للواقع المصري المستقرّ، مع استحداث مادة انتقالية بسريان هذا الحكم على الرئيس الحالي وتعديل ما يلزم بذلك». ويستهدف كذلك اقتراح تعديل الفقرة الأولى من المادة 160 «استحداث منصب نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية، لمعاونته في أداء مهامه، وتنظيم الحالة الخاصة بمن يحل محل الرئيس في غيابه».

- طريقة مناقشة التعديلات وضوابطها
على أي حال فإن الأمر لم يقتصر على الجدل بشأن التنبيه لـ«الواقع الخاص»، في مقابل التحذير من «استفادة سلطة بعينها من تعديلات أُجرِيَت في عهدها»، بل امتدّ إلى خلاف بشأن طريقة وضوابط مناقشة التعديلات الدستورية، التي كانت محلاً للآراء المتباينة أيضاً، وفي حين تحدث السياسي المصري البارز عمرو موسى عن «نتائج غير محمودة» يمكن أن يُفضي إليها «الغموض الذي يلف التعديلات»، تعهّد رئيس البرلمان علي عبد العال بأن يجري «مناقشات هادئة وعملية تتضمن تمثيلاً لمختلف الآراء أثناء نظر التعديل».
موسى تطرّق إلى فترة رئاسته للجنة الخمسين (تولّت صياغة الدستور الساري)، موضحاً الآلية التي صاغت بها مشروع الدستور الذي نال موافقة المصريين، وقال إن اللجنة عملت بناء على «نص مبدئي أعدته (لجنة العشرة) المُشكّلة من فقهاء دستوريين وقانونيين، ثم دعت إلى جلسات استماع دامت شهراً كاملاً، وأطلقت حواراً مجتمعياً فريداً أتيح منبره لجميع فئات المجتمع بشفافية كاملة، وفي جلسات مفتوحة مذاعة».
وفيما بدا رداً، وإن بشكل غير مباشر، على ما أثاره موسى، قال رئيس البرلمان، في الجلسة العامة للبرلمان، الأربعاء الماضي، إن «قرار زيادة المدة الرئاسية إلى ست سنوات بدلاً من أربع سنوات، كان محل انقسام خلال إعداد (لجنة العشرة) و(لجنة الخمسين) لدستور 2014». واستدرك عبد العال مضيفاً: «لم نأتِ على تعديل الفترتين الرئاسيتين إطلاقاً. التعديلات تخص مدة الفترة الرئاسية (...). كان هناك انقسام ما بين 4 و6 سنوات خلال عمل لجنتي (العشرة) و(الخمسين)، ولم نقصد بهذه التعديلات شخصاً معيناً. يجب أن يكون ذلك مفهوماً».
وبموازاة دعوة موسى إلى «حوار وطني فسيح بشأن التعديلات تُتاح له مختلف المنابر، وعلى رأسها منبر البرلمان، وأن يُتاح للرأي والرأي المعارض المجال لتفعيل هذا الحوار، إثراءً للحركة السياسية في البلاد، وتأميناً لمصداقية حركة التعديل»، نوه المتحدث باسم مجلس النواب صلاح حسب الله، بأن «الشعب المصري هو السيد في قراره بالموافقة من عدمها على التعديلات الدستورية، والنواب يستخدمون فقط حقّهم في مناقشة مشروع التعديلات، فيما سيدعو المجلس إلى حوار مجتمعي واسع يشمل الجميع، لأن الدستور لكل الفئات».
ورغم أن معظم التعليقات التي فحصت مسألة تعديل الدستور المصري ركّزت على الجانب المتعلق بالرئاسة ومدتها، فإن جانباً مهماً منها يرتبط بالسلطة القضائية، وطريقة اختيار مسؤوليها.

- الشقّ المتعلّق بالقضاء
ويطرح مقدمو مسوّدة التعديلات، تغيير المادة 139 من الدستور التي تنظم طريقة اختيار رئيس المحكمة الدستورية، التي تشير في صورتها الحالية إلى أن «اختيار رئيس المحكمة ونوابه وأعضاء هيئة المفوضين يكون بناءً على قرار الجمعية العمومية لها، ويصدر الرئيس قراراً بتعيينهم»، لكن المقترح يسعى إلى «منح رئيس الدولة سلطة اختيار رئيس (الدستورية) من بين أقدم 5 نواب، كما يعين نائب رئيس المحكمة».
وفي الشأن القضائي نفسه يأتي مقترح إضافة فقرة للمادة 189 من الدستور التي تحدد طريقة اختيار النائب العام، وتُلزم في صورتها الحالية أن «يتولى النيابة العامة نائب عام يختاره مجلس القضاء الأعلى (...) ويصدر بتعيينه قرار من رئيس الجمهورية». غير أن المقترح يشير إلى أن «يتولى النيابة العامة نائب عام يصدر بتعيينه قرار من رئيس الجمهورية من بين ثلاثة يرشحهم مجلس القضاء الأعلى».
تعديل آخر يرتبط بالسلطة القضائية، جاء في مقترح تعديل المادة 190 من الدستور، التي تنص على أن «مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية (...) ومراجعة وصياغة مشاريع القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية». وجاء التعديل ليضيف عبارة «التي تُحال إليه»، الأمر الذي من شأنه السماح لمجلس الدولة بمراجعة مشروعات القوانين التي ينظرها البرلمان، في حال قرر الأخير إحالتها، وإنهاء الإلزام الذي تنص عليه المادة الحالية بإحالة كل القوانين لمراجعتها وصياغتها.
القوات المسلحة كان لها حضور بطبيعة الحال في مقترح التعديلات، إذ يدعو ائتلاف الأغلبية إلى تعديل الفقرة الأولى من المادة 200 والإضافة لمهامها المتمثلة في «حماية البلاد، والحفاظ على الأمن»، مهامّ جديدة، جاء في التعديل أن من بينها «صون الدستور والديمقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد».

- إنشاء مجلس شيوخ
وتستحدث التعديلات إنشاء «غرفة ثانية في البرلمان تحت اسم (مجلس الشيوخ)»، على أن «يُشكّل من عدد من الأعضاء لا يقل عن 250 عضواً، وتكون مدة المجلس خمس سنوات، ويُنتخب ثلثاً أعضاء المجلس بالاقتراع العام السري المباشر، ويُعين رئيس الجمهورية الثلث الباقي».
وعلى جانب آخر، جاءت التعديلات المقترحة على المادة 102 التي تنص على أن «يُشكّل مجلس النواب من عدد لا يقل عن أربعمائة وخمسين عضواً (...)»، وتضيف: «على أن يُخصص ما لا يقل عن ربع عدد المقاعد للمرأة».
وبحسب الإجراءات والقواعد القانونية لتعديل الدستور والفترات الزمنية الإلزامية لإتمام مناقشة مقترحات النواب بشأنه، فإنه من المرجَّح بشكل كبير إجراء الاستفتاء عليها بعد موافقة البرلمان في مطلع مايو (أيار) المقبل، لتجنُّب دعوة المواطنين للاستفتاء في شهر رمضان، الذي توافق بدايته، على الأغلب، سادس أيام الشهر الميلادي.
ولم تسجّل نتائج فرز الاستفتاءات في مصر حالات رفض لها، على الرغم من تعبير المعارضين عن وجود لافت في بعض الحالات، مثلما جرى في استفتاء عام 2011 في أعقاب «ثورة 25 يناير (كانون الثاني)»، الذي رفضه 22.7 في المائة من المصوِّتين (4.1 مليون شخص)، بينما وافق عليه 77.2 في المائة (14.1 مليون مواطن).
وفي الاستفتاء التالي على الدستور، الذي أُجرِي في عهد الرئيس الأسبق المنتمي لتنظيم «الإخوان»، محمد مرسي، وتحديداً في عام 2012، أظهرت نتائجه موافقة 63.8 في المائة (10 ملايين مصوِّت)، ورفض 36.1 في المائة (6.06 مليون شخص)، ونحو 1.7 من الأصوات الباطلة غير الصحيحة (300 ألف صوت) تقريباً.
أما الاستفتاء على الدستور الحالي، في صورته الراهنة والمطروح تعديل بعض مواده، فقد نال موافقة 98.1 في المائة من المستفتين (19.9 ملايين مواطن)، بينما رفضه 1.8 في المائة (381 ألف مُصوِّت)، بينما سجّلت الأصوات الباطلة 1.2 في المائة بواقع 246 ألف صوت.

- محطات تاريخية في مسيرة الدساتير المصرية

1879
ظهرت النسخة الأولى للدستور في مصر، وتواكب إقراره مع أزمة عزل الخديو إسماعيل، وخرج من دون عرضه على حاكم البلاد بموجب قرار من السلطان العثماني، الذي كانت مصر تخضع لولايته آنذاك.

1882
ساهمت الحركة التي قادها الزعيم المصري أحمد عرابي، وعُرِفت فيما بعد بـ«الثورة العرابية»، في صياغة صورة جديدة من الدستور.

1923
جاء «دستور 1923» استجابة لتحركات «ثورة 1919»، وعكس تنازع القوى والإرادات بين رغبات الملك فؤاد حاكم مصر بالاحتفاظ بنفوذه، بما في ذلك منحه سلطة حل البرلمان، ومحاولات سلطة حزب الأغلبية (الوفد) الحصول على صلاحيات نيابية وتشريعية وتشكيل الحكومة.

1930
دفع تنازع الصلاحيات والنفوذ بين حكومة الأغلبية والملك فؤاد، إلى إقدام الأخير على صياغة دستور جديد قلّص خلاله من صلاحيات مجلس النواب، ورفع نسبة الأعضاء المعيّنين فيه إلى ما فوق الأغلبية، إلا أن القوى السياسة رفضته وظلَّت على موقفها، وقاطعت الانتخابات التي أعقبته إلى أن أجبرت الملك فؤاد عام 1935 على استئناف العمل بدستور 1923.

1956
جاء «دستور 1956» في أعقاب «ثورة 23 يوليو (تموز) 1952»، وكان هو الدستور الأول للبلاد في صورتها الجمهورية.

1958
عُرف الدستور الذي سُنّ ذلك العام بـ«دستور الوحدة»، وذلك لأنه جاء بعد إعلان قيام «الوحدة العربية» بشكل «الجمهورية العربية المتحدة» بين مصر وسوريا في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.

1964
أُطلِق على الدستور الصادر في ذلك العام اسم «الدستور المؤقت»، وذلك مراعاةً للأوضاع بعد انهيار تجربة الوحدة بين مصر وسوريا.

1971
يُعدّ «دستور 1971» من أكثر تجارب الدساتير استمراراً في مصر، إذ ظل سارياً لنحو 40 عاماً، وإن أُجرِيَت عليه تعديلات مختلفة، وكانت المرة الأولى عندما طرح الرئيس أنور السادات، في مايو 1980، على المواطنين الاستفتاء على التعديل الدستوري، الذي جرى بموجبه إلغاء القيد على حظر ترشيحه لأكثر من فترتين رئاسيتين. ولقد حظي التعديل بموافقة بلغت 98 في المائة، غير أن اغتيال السادات في أكتوبر 1981 حال دون خوضه استفتاءً آخر. وبالتالي، استفاد الرئيس حسني مبارك، الذي خلف السادات في منصب الرئاسة من التعديل، ما مكّنه من دخول استفتاءات متعددة للبقاء في السلطة.

2005
أُجرِيَت تعديلات على «دستور 1971» لتنظيم اختيار رئيس الجمهورية بانتخابات مباشرة، وشمل ذلك تعديلات للمادة 76 التي أجريت على أثرها أول انتخابات رئاسية في مصر.

2007
أجري استفتاء ثانٍ على تعديلات شملت حذف الإشارات إلى النظام الاشتراكي للدولة، وغيرها من التعديلات المتعلّقة بانتخاب الرئيس.

2011
في أعقاب «ثورة 25 يناير» 2011، أُجرِيَت بعض التعديلات الدستورية، ونالت موافقة المواطنين. ثم صدر إعلان دستوري، وجرى تعطيل العمل بدستور 1971.

2012
مع تولي محمد مرسي الرئاسة، أصدر إعلاناً دستورياً في نوفمبر وخلّف عاصفة كبرى، إذ إنه منح نفسه صلاحيات غير مسبوقة، وحصّن قراراته ضد أحكام القضاء، لكن سرعان ما نظّم الاستفتاء على دستور جديد في ديسمبر من العام ذاته.

2014
بعد إزاحة حكم تنظيم «الإخوان» في أعقاب «ثورة 30 يونيو»، أُجرِيَت تعديلات على الدستور. وقدمت لجنة التعديل (الخمسين) 42 مادة مستحدثة، حتى بات الأمر أشبه بدستور جديد، عُرف بـ«دستور 2014»، ونال موافقة نحو 20 مليون مصري.


مقالات ذات صلة

موسكو تعوّل على «إعادة ترتيب» أوروبا

حصاد الأسبوع بوتين جاهز للقاء ترمب (آ ف ب)

موسكو تعوّل على «إعادة ترتيب» أوروبا

> غياب الانتقادات المباشرة في روسيا لأي خطوة يقوم بها الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب لا يعكس فقط رغبة الكرملين في التريث لحين إطلاق الحوار المباشر ووضع.

حصاد الأسبوع هربرت كيكل

هربرت كيكل... زعيم اليمين النمساوي المتطرف ينتظر فرصته لإحداث تغييرات سياسية جذرية

لا يحمل تاريخ نشأة هيربرت كيكل المكلّف تشكيل الحكومة العتيدة في النمسا، ارتباطاً باليمين المتطرف أو النازية، كأسلافه الذين قادوا حزب الحرية قبله. ولكن مع هذا قد يكون الزعيم الأكثر تطرفاً الذي ترأس الحزب خلال العقود الأخيرة. ذلك أن كيكل غالباً ما يكرر تعابير استخدمها النازيون، ومنذ تكليفه تشكيل الحكومة مطلع العام، بدأ يلقب نفسه بـ«مستشار الشعب»، وهو اللقب الذي كان يستخدمه هتلر لوصف نفسه. وبالتالي، في حال نجح كيكل بتشكيل الحكومة، سيكون المستشار الأول للنمسا الذي ينتمي إلى حزب متطرف أسسه عام 1955 أعضاء في «قوات الأمن الخاصة النازية» المعروفة اختصاراً بالـ«إس إس». الحزب اليوم معادٍ للاتحاد الأوروبي ومقرّب من روسيا، ومع أنه شارك في حكومات ائتلافية نمساوية في السابق، إلا أنه لم يقُد أياً منها بعد. وراهناً، رغم تكليف كيكل - بعدما تصدّر حزبه انتخابات سبتمبر (أيلول) الماضي بحصده نسبة 29 في المائة من الأصوات، ما زال من غير الواضح ما إذا كان سينجح فعلاً بالمهمة الموكلة إليه «اضطراراً». فالرئيس النمساوي ألكسندر فان دير بيلن فضّل بدايةً تكليف زعيم حزب الشعب (محافظ)، الذي حل ثانياً بنسبة 26 في المائة من الأصوات، تشكيل الحكومة، مع أن في هذا مخالفة للأعراف. وبرّر الرئيس قراره يومذاك بأن كل الأحزاب الأخرى ترفض التحالف مع حزب الحرية من دون تحييد كيكل. وبالفعل، اشترط حزب الشعب تنازل كيكل عن قيادة الحكومة شرطاً للتفاوض معه، وهو ما رفضه الأخير. بيد أن زعيم حزب الشعب كارل نيهامر أخفق بتشكيل حكومة ثلاثية الأطراف مع حزبين آخرين، فاستقال من زعامة حزبه، وبالتالي، عادت الكرة إلى ملعب كيكل.

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع شتراخه (رويترز)

حزب الحرية النمساوي المتطرف... لمحة تاريخية وسياسية

أُسس حزب الحرية النمساوي عام 1956، وكان زعيمه الأول، أنتون راينتالرو، ضابطاً سابقاً في قوات الأمن الخاصة النازية. لكن، رغم ذلك، تجنّب الحزب في بداياته الترويج.

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع قناة بنما (آ ب)

ترمب يسجّل «انتصارات» سريعة في القارة الأميركية... ويستغلها ضد خصومه في الداخل

منذ وصول دونالد ترمب للمرة الأولى إلى البيت الأبيض، تبيّن أن استحالة التنبؤ بقراراته وخطواته هي من أمضى الأسلحة في ترسانته الدبلوماسية، وأن فاعلية التهديدات التي يطلقها في كل الجهات وعلى جميع الجبهات تكمن في كونها قابلة للتنفيذ فوراً. لكن، بينما بقيت تهديدات ترمب بفرض رسوم جمركية على الصين وأوروبا إبان ولايته الأولى مجرّد تصريحات لم تبلغ أبداً مرحلة التنفيذ، اختلف الأمر هذه المرة. فمنذ بداية هذه الولاية الثانية وصلت دبلوماسية الابتزاز التي انتهجها الرئيس الأميركي العائد إلى أبعد الحدود الممكنة، واستطاع خلال أقل من أسبوعين أن يحصل على تنازلات من المكسيك وكندا وكولومبيا وبنما وفنزويلا، غير آبه بالاضطرابات والخضّات التي أحدثتها في الأسواق المالية والاقتصادية هذه الحرب التجارية التي أطلقها، والتي وصفتها صحيفة «وول ستريت جورنال» بأنها الأكثر حُمقاً في التاريخ.

شوقي الريّس (مدريد)
حصاد الأسبوع جبل راشمور (آ ف ب)

كولومبيا وفنزويلا والإكوادور نماذج لتعامل واشنطن الجديد مع أنظمة أميركا الجنوبية

>على صعيد دول النصف الجنوبي من القارة الأميركية، يرى مراقبون أن الجولة الأولى من «حرب» دونالد ترمب المفتوحة على كل الجبهات، التي يرى كثيرون أن ترمب كسبها بالضرب


خطط ترمب التوسعية «استفزاز» يهدد «الناتو»... ويمنح بوتين أوراقاً إضافية

كيف ستتعامل موسكو مع موضوع ضم ترمب لجزيرة غرينلاند (ناسا)
كيف ستتعامل موسكو مع موضوع ضم ترمب لجزيرة غرينلاند (ناسا)
TT

خطط ترمب التوسعية «استفزاز» يهدد «الناتو»... ويمنح بوتين أوراقاً إضافية

كيف ستتعامل موسكو مع موضوع ضم ترمب لجزيرة غرينلاند (ناسا)
كيف ستتعامل موسكو مع موضوع ضم ترمب لجزيرة غرينلاند (ناسا)

تراقب موسكو خطوات الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب بمزيج من الترقّب لردّات الفعل في مناطق مختلفة من العالم، وحساب معدلات الربح والخسارة، لا سيما في إطار انعكاسات تصرفات الرئيس الأميركي على تماسك المواقف الأوروبية ووحدة حلف شمال الأطلسي «ناتو» وسياساتها تجاه روسيا... ولكن بالدرجة الأولى، بطبيعة الحال، على التوقعات المتعلقة بآليات تسوية الصراع حول أوكرانيا.

تحريك قنوات الاتصال

مع تكرار الإعلان في موسكو عن استعداد مباشر للجلوس إلى طاولة مفاوضات شاملة مع فريق ترمب، تبحث كل الملفات المتراكمة بين الطرفين، وتتوّج تفاهمات على القضايا الرئيسية، فضّل الكرملين تجنب التعليق مباشرة على كثير من التحركات الصارخة للرئيس الأميركي، في مسعى لتقدير آفاق تطورها أولاً، وأيضاً معرفة مستوى وآليات ردات الفعل عليها.

لكن في الشأن الأوكراني بدا أن الأسابيع الأخيرة شهدت تحريك قنوات الاتصال بشكل قوي ومتسارع بين موسكو وواشنطن. وبعد مرور ساعات فقط على إعلان ترمب أن الاتصالات مع الكرملين «تجري بنشاط»، ووصفها بأنها «مفاوضات بناءة»، أكّد الناطق باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف استئناف عمل قنوات حوار على مستويات عدة، لتشكل هذه الخطوة الأولى العملية التي يجري تنفيذها على أرض الواقع، وكانت متوقعة منذ فوز ترمب في الانتخابات.

بيسكوف قال إن «الاتصالات بين روسيا والولايات المتحدة عبر الوزارات المختلفة قد تكثفت». ومن دون أن يعطي تقييمه لسير المفاوضات، قال الناطق إن الحوارات تجري على مستويات عدة. ومع التأكيد على أن الحوار الجاري مع واشنطن لا ينعكس حتى الآن على استعداد موسكو لفتح قنوات للتفاوض مباشرة مع أوكرانيا، فأكد أن «ديناميكيات العملية (العسكرية) الخاصة تظهر أن الاهتمام بالحوار السلمي يجب أن يأتي من جانب كييف».

الاشتراطات الروسية

هنا بدا أن أول الاشتراطات الروسية لإحراز تقدُّم يفضي إلى إحياء العملية السلمية حول أوكرانيا ينطلق من حسم الوضع حول «شرعية» الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لإدارة المفاوضات. ومعلوم هنا أن موسكو تصرّ على أن زيلينسكي «لم يعد رئيساً شرعياً، وأنه وقّع في وقت سابق مرسوماً بحظر التفاوض مع موسكو. وهو ما يعني أنه يجب حل هذا الموضوع بظهور إدارة أوكرانية جديدة تتمتع بالشرعية، وتلغي المرسوم السابق قبل إطلاق عملية التفاوض. يكتسب هذا الجدل أهمية إضافية على ضوء تلميحات بعض أركان الإدارة الأميركية بضرورة إجراء انتخابات جديدة في أوكرانيا قبل نهاية العام الحالي، ومثل تلك التصريحات صدرت عن قيادة حلف «ناتو» أيضاً.

ويبدو على هذه الخلفية أن الاتصالات الأولى بين الإدارة الأميركية وموسكو لا تتناول قضايا مثل ترتيب قمة قريباً، وأجندتها المحتملة، بل تتطرق أيضاً إلى بعض الجوانب التفصيلية المتعلقة بمساعي إعادة إطلاق مسار سلمي ينهي الحرب في أوكرانيا.

مستقبل أوكرانيا على الطاولة

العنصر الثاني المتعلق بأوكرانيا، الذي يبدو أنه يشكل مادة للنقاش في المرحلة التي تسبق لقاء ترمب الأول منذ عودته إلى البيت الأبيض مع الرئيس فلاديمير بوتين، يتبلور - كما يبدو - من خلال السعي إلى تحديد سقف مصالح واشنطن في الصراع المستمر منذ نحو 3 سنوات.

اللافت هنا أن التصريحات الأولى الصادرة عن البيت الأبيض لم تتكلّم عن الأراضي الأوكرانية «المحتلة»، ومعلوم أن موسكو تسيطر راهناً على نحو خُمس أراضي أوكرانيا. ويشترط الكرملين لأي تسوية أن يحصل على إقرار أوكراني وغربي بقرارات ضم مقاطعات أوكرانيا إلى روسيا. واستمرار الصمت الأميركي حيال هذا الملف يوجّه رسالة مريحة لموسكو حالياً.

غير أن إشارات ترمب الأولى اتجهت نحو ملف مختلف تماماً؛ ذلك أنه تطرّق إلى امتلاك أوكرانيا ثروات مهمة من المعادن النادرة، ورأى أن بوسع واشنطن مواصلة حماية أوكرانيا إذا حصلت على حقوق استثمار هذه الثروات الضخمة.

في هذا الملف ركّزت التعليقات الروسية على فكرة تحوّل الإدارة الأميركية من الكلام عن قضايا تتعلق بالأمن الاستراتيجي للولايات المتحدة ولأوروبا، وعن فكرة «العدوان الروسي» لتغدو منحصرة أكثر في «المصالح التجارية المباشرة» للانخراط في هذا الصراع. وكانت ماريا زاخاروفا، الناطقة باسم «الخارجية الروسية»، قد أعربت عن أنها «غير مندهشة» من طلب مجلس الأمن القومي الأميركي الحصول على المعادن من أوكرانيا تعويضاً عن الدعم المالي الذي قدمته واشنطن لكييف.

زاخاروفا رأت أن هذا المسار «طبيعي»، وأنه «يجب أن يتحقق المرء من سعر الوجبة قبل أن يأكلها». بينما رأى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن مثل هذا الاقتراح سيعني أن كييف مستعدة لتسليم جميع الموارد الطبيعية الأوكرانية إلى «ملكية أسيادها الغربيين». أما بيسكوف فرأى أن خطط ترمب بشأن المعادن الأرضية النادرة تمثل عرضاً تجارياً «لشراء المساعدة»... وأن «أفضل شيء بالنسبة لواشنطن سيكون عدم مساعدة كييف على الإطلاق، ومن ثم المساهمة في إنهاء النزاع». والملاحَظ في التعليقات الروسية أنها لا تنتقد ترمب، بل وجهت سهامها إلى زيلينسكي «المستعد لبيع ثروات بلاده للغرب».

بنما وكندا ... بعيدتان جداً

في المستوى نفسه من تعمّد تحاشي توجيه انتقادات إلى الإدارة الأميركية في خطواتها المتسارعة التي شكلت استفزازاً لعدد من الأطراف في العالم، تجاهل الكرملين عمداً إعلانات ترمب الصارخة تجاه كندا وقناة بنما.

بل حتى وسائل الإعلام الحكومية الروسية تعاملت مع الموضوع من زاويته الخبرية من دون إبداء رأي في تأثيراته المحتملة. ونشرت بكثافة الخرائط التي وضعها ترمب على منصات التواصل الاجتماعي، وتظهر فيها كندا ملونة بألوان العلم الأميركي وتحتها عبارة الرئيس: «أوه كندا». ولقد قال خبراء روس إن كندا وبنما «بعيدتان جداً»، ومن المهم لموسكو أن تراقب فقط ما يجري.

أما موضوع قناة بنما فيبدو بالنسبة إلى موسكو «خلافاً تجارياً» تكلم عنه ترمب من خلال استنكاره «التعريفات الجمركية المُبالغ فيها» التي تفرضها بنما على عبور القناة. وللعلم، هذا أمر يخص الولايات المتحدة التي توفر أكثر من 72 في المائة من عائدات الممرّات عبر القناة.

وتقريباً التعاطي نفسه ملحوظ إزاء التهديدات تجاه المكسيك، وبملف العلاقة مع كندا. واللافت أن وسائل الإعلام الروسية شاركت الملياردير إيلون ماسك تهكّمه على رئيس وزراء كندا جاستن ترودو، الذي أعلن استقالته، الشهر الماضي ثم غرّد معارضاً خطط ترمب. ولكن من دون صدور أي تعليق رسمي، بدا أن موسكو تراقب بارتياح المشكلات الداخلية في الغرب. ولا تخفي أوساط روسية «شماتةً» بالسلطات في كندا التي كانت بين أوائل الداعمين لأوكرانيا في الحرب.

غرينلاند... التهديد الروسي

الأمر مختلف قليلاً مع التلويح الأميركي بضم غرينلاند... فهنا يظهر مباشرة نوع من التهديد المستقبلي على الأمن الروسي.

وعموماً، فإن ما وُصف بأنه التهديد المحتمل من جانب روسيا والصين هو على وجه التحديد ما أشار إليه ترمب أكثر من مرة عندما ناقش فكرته للاستيلاء على غرينلاند، وفي إطار تكراره الحديث عن رغبته في جعل أميركا «عظيمة مرة أخرى».

ذلك أنه منذ عام 2019، قال ترمب بضرورة ضم غرينلاند إلى الولايات المتحدة، لكن الدنمارك التي تمتلك الأراضي حالياً عارضت بيع الجزيرة. وفي ديسمبر (كانون الأول) 2024، أثار ترمب المسألة مرة أخرى، وقال: «نحن بحاجة إلى غرينلاند لأغراض الأمن القومي. لقد قيل لي ذلك قبل فترة طويلة من ترشّحي». وهنا يعتقد الرئيس الأميركي الجمهوري أن غرينلاند كجزء من الولايات المتحدة يمكن أن تساعد في تجنب «التهديد الذي تشكله روسيا على العالم أجمع». وبحسب قوله فإن «روسيا والصين تزيدان من وجودهما في منطقة القطب الشمالي»، وهو يخشى من ذلك. وأضاف أن ابنه دونالد ترمب «الابن» سيزور غرينلاند شخصياً.

هنا أيضا لم تعلّق موسكو رسمياً على الحدث مع أنه يتعلق مباشرة بما وُصف بـ«التهديد الروسي»، إلا أن تعليقات برلمانيين روس أظهرت وجود نوع من القلق لدى أوساط روسية. وقال أندريه كارتابولوف، رئيس لجنة الدفاع بمجلس الدوما (النواب) إن «ضم غرينلاند للولايات المتحدة يشكل تهديداً عسكرياً لروسيا، لأن لدى الجزيرة إمكانية أن تصبح قاعدة استراتيجية لواشنطن في حالة نشوب صراع عابر للقارات».

ورأى البرلماني الروسي أيضاً أن السيطرة على الجزيرة التي تحتل مساحة كبيرة جداً في منطقة القطب الشمالي، «ليست الخيار الأفضل بالنسبة إلى روسيا... وبما أنه لا يوجد شيء مستحيل في العالم، وفي أي صدام قاري افتراضي مستقبلي، فإن هذا يشكل نقطة انطلاق جيدة لأميركا».

مع هذا، اللافت أن تعليقات المحللين ذهبت ليس باتجاه فحص الانعكاسات على روسيا وأمنها في حال فرض ترمب فعلاً السيطرة الأميركية على الجزيرة القطبية، بل باتجاه تأثيرات تحركات ترمب على مصير «ناتو» ككتلة متماسكة.

ورأى محللون أن استيلاء ترمب على المنطقة إذا كُتب له النجاح، سيكون «بمثابة نهاية للحلف» ليس فقط لكون الدنمارك، التي تعارض خطط ترمب بشدة عضواً فيه، بل أيضاً لأن أعضاء التكتل الآخرين سيدركون على الفور أنهم «جميعاً تحت التهديد». وهنا استعاد البعض مقولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عندما دعا أوروبا إلى «الاستيقاظ وتعزيز أمنها بشكل أكثر نشاطاً».

اتفاق على عالم متعدد

في المقابل، بدا أن بعض الأفكار التي تطرحها الإدارة الأميركية الجديدة تحظى بقبول عند الكرملين. ولقد امتدح الناطق الرئاسي بيسكوف تصريحات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بشأن التعددية القطبية، قائلاً إن تلك العبارة «تتوافق مع رؤية موسكو، وروسيا ترحب بذلك بالطبع». كما وصف حديث روبيو بشأن الاعتراف بالتعددية القطبية في العالم بأنه «مثير للاهتمام». وأيضاً في هذا السياق نفسه، لم تُخْف موسكو ارتياحها لقرار إدارة ترمب تقليص نشاط «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية»، التي تتهمها موسكو بدعم «الثورات الملونة» وبمحاولة التأثير أكثر من مرة على الحياة السياسية والاجتماعية داخل روسياً. وللعلم، هذه الوكالة حالياً من المنظمات الأجنبية المحظورة في روسيا.

ورأى مسؤولون روس أن خطوات ترمب لتفكيك الوكالة تحظى بترحيب في مناطق عدة في العالم، كون الوكالة، بحسب الناطقة باسم «الخارجية» ماريا زاخاروفا «تروّج للثورات، وتتحدى القيم المجتمعية، وتعمل على نشر الشذوذ الجنسي، والدفاع عن حقوق المثليين».

وهذا الموضوع يفسر أيضاَ «الارتياح» الروسي للتخلص من وكالة أنفقت ملايين الدولارات في روسيا التي تنتهج خطاً محافظاً اجتماعياً لنشر أفكار وُصفت بأنها «معادية للمجتمع الروسي». ركّزت التعليقات الروسية على تحوّل الإدارة الأميركية من الكلام عن قضايا الأمن إلى «المصالح التجارية»