مخيمات النازحين في دارفور تدخل على خط الاحتجاجات السودانية

محتجون سودانيون في وسط العاصمة الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
محتجون سودانيون في وسط العاصمة الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
TT

مخيمات النازحين في دارفور تدخل على خط الاحتجاجات السودانية

محتجون سودانيون في وسط العاصمة الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
محتجون سودانيون في وسط العاصمة الخرطوم أمس (أ.ف.ب)

فرقت أجهزة الأمن السودانية مظاهرات حاشدة وسط العاصمة الخرطوم، وفي عدد من مناطق البلاد الأخرى، بما في ذلك مظاهرة في أحد مخيمات النازحين الدارفوريين بغربي البلاد لتدخل على خط الاحتجاجات لأول مرة. واحتجزت قوات الأمن، أعداداً كبيرة من الشباب والفتيات المتظاهرين، جاء ذلك استجابة لدعوة «قوى الحرية والتغيير» المعارضة للتظاهر تحت اسم «موكب ضحايا الحروب والانتهاكات».
وفي سط الخرطوم غدت «ساحة أبو جنزير» ثكنة عسكرية من صنوف الأجهزة الأمنية المدججة بالأسلحة، وتحولت إلى «معتقل أولي كبير»، يُجمّع فيه معتقلو الاحتجاجات، وذلك منذ درج «تجمع المهنيين السودانيين» على اعتبار نهاية الأسبوع يوماً للتظاهر العام في وسط مدن العاصمة السودانية الثلاث بالتناوب.
ولم يشفع البعد الروحي والتاريخي والدلالة الوطنية الوضيئة للساحة الشهيرة في وقف الانتهاكات، فـ«أبو جنزير» الذي يشرف ضريحه عليها، وأخذت اسمها منه، أحد رموز التدين والوطنية السودانية، ولم يحل كل هذا المحمول دون توظيف المكان كـ«معتقل انتقالي»، تأتي إليه سيارات نصف النقل بمن تحتجزهم القوات الأمنية من المتظاهرين، وتبقيهم لفترة قبل أن تنقلهم إلى معتقلاتها المتعددة، بعد أخذ حصتهم من «حفلة الضرب بخراطيم المياه».
ورغم أن الساحة الشهيرة، تحولت إلى «معتقل» فإن ذلك لم يثن المتظاهرين من الخروج في مظاهرة هادرة وسط الخرطوم في يوم «الخميس الثامن» منذ بدء الاحتجاجات في 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي للمطالبة بتنحي الرئيس عمر البشير وحكومته على الفور، لكن الأعداد التي احتجزت يوم أمس كانت أقل من المعتاد، فيما شوهد نصب عدد من «الخيام» في الساحة بعد أن كان المحتجزون يبقون في العراء بمواجهة شمس البلاد الحارقة.
وقال شهود عيان، إن المحتجين تحدّوا الكثافة الأمنية، واستعداداتها المبكرة، وفاجأوها في أكثر من موقع في وسط المدينة، ورددوا هتافات الانتفاضة السودانية «رُص العساكر رَص» و«تسقط... تسقط بس»، و«حرية سلام وعدالة... والثورة خيار الشعب»، قبل أن تنهال عليهم قنابل الغاز المسيل للدموع من كل الجهات.
وأوضح الشهود أن المتظاهرين كانوا يتفرقون بعد إلقاء غاز الدموع عليهم، ثم يمتصون صدمة الغاز، ليعودوا للتظاهر من جديد في مكان آخر، فيما تطاردهم القوات الأمنية، وتكثف إلقاء قنابل الغاز، وتلقي القبض على بعضهم لتقتادهم إلى «أبو جنزير».
وفي غضون ذلك أكد الشهود أن أجهزة الأمن اعتقلت عدداً كبيراً من الشباب والفتيات المتظاهرين بينهم صحافيون ومهنيون، قبل أن تطلق سراح بعضهم على عجلة، ولم تنقلهم إلى «معتقل أبو جنزير» على حسب المعتاد في الاحتجاجات السابقة. وبحسب مراقبين فإن ذلك يرجع للحملة الحقوقية الدولية على نظام الخرطوم، وربما لفشل التدابير الأمنية في مواجهة الاحتجاجات، أو لاكتظاظ المعتقلات، وتكاليفها.
وكانت «قوى التغيير والحرية» قد دعت إلى التظاهر فيما أطلق عليها «مواكب ضحايا الحروب والانتهاكات»، وذلك استمراراً لبرنامج احتجاجات ومظاهرات ظل يعلن عنه أسبوعياً، تتخلله مظاهرات في الأحياء واعتصامات ووقفات احتجاجية في المدن السودانية، طوال أيام الأسبوع لتختم بموكب مركزي «كل يوم خميس».
وبحسب موقع «تجمع المهنيين السودانيين» على الإنترنت فإن يوم أمس، وهو الخميس الثامن من المظاهرات العامة المنسقة، فرقت الأجهزة الأمنية مظاهرات حاشدة في مناطق متفرقة بـ«السوق العربي» وسط الخرطوم واحتجاجات هادرة، فيما خرجت مظاهرات أخرى في أحياء «الشجرة، الحامداب، بري، العباسية، شمبات، المزاد» بالعاصمة، وفي مدينة الأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان، و«ود مدني، حنتوب، أربجي، العقدة» بولاية الجزيرة وسط البلاد، إضافة إلى مظاهرة حاشدة في «معسكر زمزم» للنازحين بولاية شمال دارفور.
وتعهد تجمع المهنيين وفقاً للنشرة، بمواصلة التظاهر حتى إسقاط النظام، وقال: «ندعو الجميع لمواصلة التظاهر والضغط، من أجل إسقاط النظام»، واستجابة لدعوة التجمع المعارض لضحايا الحروب للمشاركة في الاحتجاجات نظم «نازحون» في معسكر «زمزم» في دارفور، وهو أحد المعسكرات التي يقيم فيها ضحايا الحرب، مسيرة داخل المعسكر. ونقلت وكالة «الصحافة الفرنسية» عن أحد سكان المعسكر أن المتظاهرين رددوا شعارات مناوئة للحكومة، وأن السكان يعتقدون أن المظاهرات التي تنتظم البلاد أتت «نيابة عن ضحايا حرب دارفور» المستمرة منذ العام 2003. والتي راح ضحيتها مئات الآلاف ونزوح الملايين. واندلع النزاع في دارفور في العام 2003 حين حملت حركات من المنطقة السلاح ضد الحكومة المركزية في الخرطوم التي اتهموها بتهميش الإقليم. وقتل نحو 400 ألف شخص حسب الأمم المتحدة، فيما اعترفت الحكومة بمقتل 10 آلاف، كما نزح الملايين رغم نشر قوة لحفظ السلام تابعة للاتحاد الأفريقي في دارفور.
ولا يزال الرئيس السوداني عمر البشير صامدا في وجه الاحتجاجات، وقد تعهد الأربعاء بدعم السلام في مناطق النزاع في بلاده.
ولم تفلح المظاهرات المستمرة طوال شهرين في إقناع الرئيس عمر البشير بالتنحي، بل واصل الإصرار على الصمود بمواجهتها، وبمواجهة الأزمات الطاحنة المحيطة بحكومته، وهي عاجزة عن تقديم الحلول لها. وقدم الرئيس البشير عددا من الوعود لإرضاء المحتجين، ومن بينها توجيهه انتقادات لاذعة للقانون الأيديولوجي لحكومته «قانون النظام العام»، وانتقادات للبنوك الإسلامية، وتعهد بجعل العام الجاري عاماً لوقف الحروب وإسكات البنادق.



الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
TT

الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)

تعليقاً على الخطبة الأخيرة لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والتي حاول فيها ترهيب اليمنيين من الانتفاضة ضد انقلاب جماعته على غرار ما حدث في سوريا، بشّر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني باقتراب ساعة الخلاص من طغيان الانقلابيين في بلاده، وقال إن تلك الخطبة تؤكد أن الرجل «يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، ولا يرى ما يحدث حوله».

وكان الحوثي حاول في أحدث خطبه، الخميس الماضي، أن يطمئن جماعته بأن الوضع في اليمن يختلف عن الوضع السوري، مراهناً على التسليح الإيراني، وعلى عدد المجندين الذين استقطبتهم جماعته خلال الأشهر الماضية تحت مزاعم محاربة أميركا وإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

وقال الإرياني في تصريح رسمي: «إن المدعو عبد الملك الحوثي خرج من كهفه بخطاب باهت، مرتبك ومتشنج، في محاولة بائسة لترهيب اليمنيين، وتصوير ميليشياته الإيرانية كقوة لا تُقهر».

وأضاف أن تلك الخطبة «تؤكد مرة أخرى أن زعيم الميليشيا الحوثية يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، لا يرى ما يحدث من حوله، ولا يدرك حجم الزلزال الذي ضرب المنطقة وأدى إلى سقوط المشروع التوسعي الإيراني، الذي سُخرت له على مدار أربعة عقود الإمكانات البشرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية والدينية، وارتداداته القادمة على اليمن بكل تأكيد».

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى أن الحوثي بدلاً من الاعتراف بأخطائه وخطاياه، والاعتذار والبحث عن مخرج له ولعصاباته، خرج ليهدد اليمنيين مجدداً بسفك دمائهم، مُكرراً مفردات التهديد والتخويف التي سبق أن استخدمها حسن نصر الله زعيم «حزب الله» ضد اللبنانيين والقوى السياسية اللبنانية.

وتساءل الإرياني بالقول: «ألم يردد حسن نصر الله، زعيم ميليشيا (حزب الله)، نفس الكلمات والوعيد؟ أين هو اليوم؟ وأين تلك (القوة العظيمة) التي وعد بها؟».

خطاب بائس

تحدث وزير الإعلام اليمني عن اقتراب ساعة الخلاص من الانقلاب، ووصف الخطاب الحوثي بـ«البائس»، وقال إنه يعكس واقعاً متجذراً في عقلية التطرف والعنف التي يُروج لها محور طهران، ويُظهر مدى تماهي الحوثي مع المشروع الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة، وأضاف: «إن ما يمر به الحوثي اليوم هو مجرد صدى لما مر به نصر الله وغيره من زعماء الميليشيات المدعومة من إيران».

مسلح حوثي خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

ونوّه الإرياني إلى أن البعض كان ينتظر من زعيم الميليشيا الحوثية، بعد سقوط المحور الفارسي والهزيمة المُذلة لإيران في سوريا، التي كانت تمثل العمود الفقري لمشروعها التوسعي في المنطقة، و«حزب الله» خط دفاعها الأول، أن يخرج بخطاب عقلاني يعتذر فيه لليمنيين عن الانقلاب الذي أشعل نار الحرب، وعن نهر الدماء والدمار والخراب الذي خلّفه، وعن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحقهم على مدى السنوات الماضية.

وتابع الوزير اليمني بالقول: «على عبد الملك الحوثي أن يعلم أن ساعة الخلاص قد اقتربت، فقد بات اليمنيون الذين عانوا الويلات منذ عقد من الزمان، وسُفكت دماؤهم ونهبت أموالهم، وهُتكت أعراضهم، وشهدوا بأم أعينهم أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات في المعتقلات السرية، أكثر إصراراً من أي وقت مضى على تحرير وطنهم من قبضة ميليشياته الفاشية، ولن يفوتوا هذه اللحظة التاريخية، وسيبذلون الغالي والنفيس لتحرير وطنهم والحفاظ على هويتهم الوطنية والعربية».

مفاجآت سارة

أكد الإرياني أن المستقبل يحمل النصر لليمنيين، وأن الأيام «حبلى بالمفاجآت السارة» - وفق تعبيره - وأن مصير الميليشيات الحوثية لن يكون مختلفاً عن باقي الميليشيات الإيرانية في المنطقة. وشدد الوزير على أن اليمن لن يكون إلا جزءاً من محيطه العربي، وسيظل يقاوم ويواجه الظلم والطغيان والتسلط حتى يستعيد حريته وسيادته، مهما كلف ذلك من تضحيات.

اليمنيون يأملون سقوطاً قريباً لانقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران (إ.ب.أ)

وأضاف الوزير بالقول: «الشعب اليمني، الذي دفع ولا يزال أثماناً باهظة في معركة البقاء، لن يتوانى عن دفع المزيد من التضحيات لإعادة وطنه حراً مستقلاً خالياً من النفوذ الإيراني التخريبي، وتحقيق النصر والتحرر والكرامة».

يشار إلى أن الأحداث المتسارعة في سوريا التي قادت إلى سقوط نظام بشار الأسد فتحت باب التطلّعات في اليمن نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء انقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بأقل التكاليف، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها طهران في لبنان، وصولاً إلى طي صفحة هيمنتها على دمشق.