«داعش» يتقدم إلى مناطق حدودية مع تركيا شمال حلب

قيادي معارض لـ : سيطرته على نقاط العبور تجبر أنقرة على إغلاقها

دمار في حي قاضي عسكر في حلب بعد قصف طائرات النظام السوري للحي أمس (رويترز)
دمار في حي قاضي عسكر في حلب بعد قصف طائرات النظام السوري للحي أمس (رويترز)
TT

«داعش» يتقدم إلى مناطق حدودية مع تركيا شمال حلب

دمار في حي قاضي عسكر في حلب بعد قصف طائرات النظام السوري للحي أمس (رويترز)
دمار في حي قاضي عسكر في حلب بعد قصف طائرات النظام السوري للحي أمس (رويترز)

سيطر «داعش» أمس، على ست قرى استراتيجية في شمال حلب، مكنته من فرض طوق على مقاتلي الجبهة الإسلامية وجبهة النصرة ومقاتلين معتدلين في بلدتي مارع وأعزاز الحدوديتين مع تركيا، وسط استبعاد الجيش الحر نية «داعش» السيطرة على معبر باب الهوى التجاري، خوفا من إغلاق المعبر من الجهة التركية وإقفال منفذ السكان إلى خارج سوريا، ومعبر دخول المواد الإغاثية والمنظمات الدولية.
وشن مقاتلو التنظيم أمس هجوما مباغتا على قرى المسعودية والعزيزية ودويبق والغوز وبلدتي تركمان بارح وأخترين في شمال سرقي ريف حلب القريبة من الحدود التركية، أفضت إلى سيطرته عليها. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن نحو 40 مقاتلا قتلوا أمس في المواجهات، توزعوا على 31 من مقاتلي الكتائب الإسلامية والكتائب المقاتلة، وثمانية من «داعش» على الأقل قتلوا في المعارك. وأوضح المرصد أن المعارك مستمرة للسيطرة على قرية جديدة هي أرشاف، لافتا إلى أن المعارك التي تستمر منذ أشهر تكثفت ليل الثلاثاء الأربعاء بعد «هجوم كبير» للدولة الإسلامية على هذه القرى.
وبدأ الهجوم على هذه القرى، تدريجيا، في شهر يونيو (حزيران) الماضي، بموازاة تقدم مقاتلي التنظيم في دير الزور، بهدف السيطرة على مناطق ريف حلب الشمالي، على الرغم من أن التنظيم يوجد شرق المدينة، ولم يفتح معركة واسعة مع قوات النظام فيها. وتقول مصادر الجيش السوري الحر في حلب لـ«الشرق الأوسط» إن «(داعش) يتبع سياسة القضم البطيء، واختيار الأضعف» في إشارة إلى الهجوم على مناطق سيطرة الجيش السوري الحر وكتائب إسلامية في شمال المحافظة. ولا تستبعد المصادر أن تكون سياسة التقدم وسيلة لفرض طوق على قوات النظام الموجودة في مدينة حلب الآن، بهدف شن هجوم من الشرق والشمال في نفس الوقت، حين تصبح قوات «داعش» على مقربة المدينة.
ولا ينظر معارضون إلى تقدم «داعش» على هذا المحور، في شمال حلب، بوصفه هدفا للسيطرة على معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا. وقال رئيس المجلس الأعلى لقيادة الثورة في سوريا ياسر النجار لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم لا ينوي السيطرة على المعبر كي لا يؤدي ذلك إلى إغلاقه من الجانب التركي، وبالتالي يخسر السكان الانتقال إلى تركيا وتقويض الحركة التجارية وعبور المواد الإغاثية والإنسانية». واستند إلى تجربة معبر تل أبيض في الرقة التي يسيطر «داعش» عليها، من غير أن يفرض سيطرته على المعبر. وقال: «تسيطر كتيبة عسكرية غير موالية لـ(داعش) على معبر تل أبيض، تتألف من تجمع أبناء المدينة، من غير أن يتقدم مقاتلو التنظيم للسيطرة عليه، خوفا من إقفاله»، مشيرا إلى أن التنظيم «ترك الكتيبة مسيطرا على المعبر الذي يستخدم لإدخال مواد إغاثية وإنسانية، لكنه يفرض شروطه على الكتيبة بمنع إدخال أعضاء الائتلاف الوطني السوري إلى الداخل السوري عبره».
ويتلاقى ذلك مع خطة «داعش» لعدم السيطرة على المعابر الحدودية مع تركيا، في وقت تزدهر فيها مناطقه تجاريا وصناعيا، كما في الرقة التي تستقطب تجار حلب وصناعييها، كما يقول ناشطون. فقد انسحب مقاتلو «داعش» من معبر باب الهوى في أواخر العام الماضي، بعد معارك مع لواء عاصفة الشمال في أعزاز والسيطرة على المدينة، قبل أن يخرجوا منها بموجب اتفاق مع لواء التوحيد الذي انضم لاحقا إلى الجبهة الإسلامية، قضى ببسط سيطرة اللواء على المعبر.
وقال النجار: «لا أتصور أن (داعش) يرغب بالسيطرة على معبر باب السلامة انطلاقا من أنه يتجنب حصار مناطقه، لكنني لا أستبعد أن تشهد أعزاز معركة كبيرة من جبهة النصرة التي تسيطر على المنطقة، وذلك لأهداف ثأرية»، مشيرا إلى أن السيطرة على مارع التي تعد قاعدة للجبهة الإسلامية ولواء التوحيد، «ليست سهلة»، كون ثقل اللواء موجود في المنطقة بهدف حمايتها، كذلك «أعزاز التي تسيطر عليها جبهة النصرة».
ولفت النجار إلى أن القرى التي سيطرت عليها «(داعش) أمس، يوجد فيها مقاتلون معتدلون يتبعون الجيش السوري الحر»، موضحا أن كل قرية «كان يوجد فيها نحو 40 إلى 50 مقاتلا تسلحوا بأسلحة فردية بهدف الدفاع عن قراهم، بعدما نقلوا عائلاتهم منها».
وأتت سيطرة «داعش» على هذه القرى عقب اشتباكات عنيفة مع الكتائب المقاتلة والكتائب الإسلامية المتبقية هناك، بعد انسحاب جبهة النصرة (تنظيم القاعدة في بلاد الشام) وعدة كتائب إسلامية من المنطقة في أواخر شهر يوليو (تموز) الماضي. وأشار المرصد إلى أن بلدة أخترين تعد «منطقة استراتيجية» لـ«داعش» كونها تفتح الطريق أمامه نحو بلدة مارع، أهم معاقل الجبهة الإسلامية، ونحو مدينة أعزاز، مرجحا أن «تكونا الهدف القادم للتنظيم».
وقال النجار، إن خطة «داعش» الذي كان يوجد مقاتلوه على مقربة من مارع منذ شهر تقريبا، تقضي بإنشاء قوس حول مارع وأعزاز يبدأ من تركمان بارح ويمتد إلى أخترين والغوز وسد الشهباء، بهدف إحاطة مارع من كل الجوانب وإبقائها مفتوحة على المنطقة الحدودية وأعزاز فقط، أي يمتد من الشمال إلى الشرق. وقال إن «هذا الهجوم نتوقعه منذ أسبوع، كون التنظيم يسير بخططه العسكرية تدريجيا».
ووسع التنظيم في الأسابيع الماضية نفوذه في سوريا، وبات يسيطر بشكل شبه كامل على الرقة ومحافظة دير الزور (شرق) الحدوية مع العراق والغنية بالنفط.
ويخوض التنظيم معارك عنيفة منذ يناير (كانون الثاني) ضد تشكيلات من مقاتلي المعارضة الذين يواجهون القوات النظامية في النزاع. ومنذ ظهوره في سوريا في ربيع عام 2013، لم يخف تنظيم «داعش»، سعيه إلى التمدد وبسط سيطرته المطلقة على المناطق التي يوجد فيها.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.