معارك ضارية لطرد «داعش» من آخر معاقله شرق سوريا

TT

معارك ضارية لطرد «داعش» من آخر معاقله شرق سوريا

تخوض «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من واشنطن، اشتباكات ضارية في شرق سوريا في إطار «المعركة الحاسمة» التي تشنها لطرد «الجهاديين» من آخر معاقل «الخلافة» التي أعلنها تنظيم داعش.
ومُني التنظيم، الذي أعلن في عام 2014 إقامة ما سماها «الخلافة الإسلامية» على مساحات واسعة سيطر عليها في سوريا والعراق المجاور تقدر بمساحة بريطانيا، بخسائر ميدانية كبرى خلال العامين الأخيرين، وبات وجوده حالياً مقتصراً على مناطق صحراوية حدودية بين البلدين.
وكانت «قوات سوريا الديمقراطية»، وهي تحالف فصائل كردية وعربية، قد أعلنت السبت، بدء «المعركة الحاسمة» لإنهاء وجود جهاديي التنظيم الذين باتوا يتحصنون في آخر معاقلهم في شرق البلاد، بعد توقف استمر أكثر من أسبوع للسماح للمدنيين بالفرار.
وقال مصطفى بالي، المتحدث باسم «قوات سوريا الديمقراطية»، بعد ظهر أمس الأحد، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن مقاتليه «خاضوا طريقهم إلى الأمام ضد مقاتلي التنظيم، وسيطروا على 41 موقعا لهم». وأضاف أن «تركيزنا ينصب الآن على الاشتباك المباشر بالسلاح الخفيف». وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن «قوات سوريا الديمقراطية» تقدمت عبر أراض زراعية، مدعومة بقصف جوي من قوات التحالف ونيران المدفعية.
وكان الناطق العسكري باسم «حملة دير الزور» قد أفاد للوكالة، أول من أمس، بـ«اشتباكات عنيفة» تواكب تقدم المقاتلين.
وتمكنت هذه القوات إثر هجوم بدأته في سبتمبر (أيلول) 2018، من التقدم داخل الجيب الأخير للتنظيم، وباتت تحاصره ضمن 4 كيلومترات مربعة قرب الحدود العراقية. ولا يزال هناك نحو 600 مقاتل؛ غالبيتهم من الأجانب، محاصرين فيها، بحسب بالي. وأضاف أنه لا يعتقد أن زعيم التنظيم المتطرف أبو بكر البغدادي موجود في الجيب المحاصر. وقال بالي: «لا نعتقد أنه موجود في سوريا»، دون أن يضيف تفاصيل بشأن مكان الرجل الذي أعلن «الخلافة» في عام 2014.
وفي العراق، على الطرف الآخر من الحدود، أعلن فرنسيون في التحالف السبت، أنهم متربصون لكل محاولة فرار للجهاديين.
وتصطف عشرات القذائف من عيار «155ملم» الجاهزة لتلقيم 3 مدافع خضراء وسوداء من طراز «هاوتزر» مداها 40 كيلومترا. وقال نائب قائد التحالف كريستوفر كيكا الجمعة الماضي إن القوات العراقية أغلقت حدود بلادها.
وقتل في المعارك بين الجانبين منذ سبتمبر الماضي أكثر من 1270 من مسلحي التنظيم، و670 مقاتلا من «قوات سوريا الديمقراطية»، ونحو 400 مدني، بحسب «المرصد».
وتوقع بالي السبت الماضي أن تحسم معركة طرد الجهاديين من آخر معاقلهم خلال الأيام المقبلة.
ولطالما لجأ التنظيم، الذي تبنى هجمات دامية عدة بواسطة خلايا نائمة من المناطق التي خرج منها، إلى زرع الألغام والمفخخات خلفه لمنع المدنيين من الخروج ولإيقاع خسائر في صفوف خصومه.
ودفعت العمليات العسكرية، وفق «المرصد»، أكثر من 37 ألف شخص إلى الخروج من آخر مناطق سيطرة التنظيم منذ مطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي؛ غالبيتهم نساء وأطفال من عائلات عناصر التنظيم، وبينهم نحو 3400 عنصر من التنظيم، بحسب «المرصد».
وتحتجز الإدارة الكردية مئات المواطنين الأجانب وعائلاتهم الذين تتهمهم بالانتماء إلى التنظيم المتطرف.
وتدعو هذه الإدارة منذ أشهر الدول المعنية إلى استعادة مواطنيها من الأسرى الذين تحتجزهم.
وتعرب عائلات المقاتلين الأجانب ومدافعون عن حقوق الإنسان عن قلق كبير إزاء إمكانية أن تجري محاكمة هؤلاء في العراق. وحذرت «هيومان رايتس ووتش» من أنهم بمجرد وصولهم إلى العراق فإن «هناك خطرا بأن يتعرضوا للتعذيب وأن يخضعوا لمحاكمات غير عادلة».
ونظمت روسيا الأحد عملية ترحيل جديدة من بغداد لأطفال جهاديات روسيات محكومات في العراق بتهمة الانتماء إلى تنظيم داعش، بحسب ما قال مصدر دبلوماسي روسي لوكالة الصحافة الفرنسية. وقال المصدر في وزارة الخارجية الروسية إن «27 طفلا روسيا أعيدوا من بغداد إلى موسكو».
ويحاول حلفاء الولايات المتحدة منذ أسابيع التوصّل لاتفاق بشأن مصير المقاتلين الأجانب المعتقلين لدى «قوات سوريا الديمقراطية» التي حذّرت من أنها لن تتمكن من حراسة الأسرى عند رحيل القوات الأميركية من سوريا.
وتؤكد واشنطن ضرورة حماية «وحدات حماية الشعب» الكردية، لمشاركتها الفعالة في قتال تنظيم داعش، في حين تعدّها أنقرة مجموعة «إرهابية» على صلة وثيقة بـ«حزب العمال الكردستاني» الذي يقود تمرداً ضدها على أراضيها منذ أكثر من 30 عاماً.
وتصاعد نفوذ الأكراد في سوريا بعد اندلاع النزاع، وتمكنوا من تأسيس قوات عسكرية وأمنية، فضلاً عن إنشاء مؤسسات عامة ومدارس يتم فيها تدريس اللغة الكردية في المناطق التي يسيطرون عليها في شمال وشمال شرقي البلاد.
وتعد «وحدات حماية الشعب» الكردية ضمن «قوات سوريا الديمقراطية» ثاني قوة مسيطرة على الأرض بعد قوات النظام، وتسيطر على نحو 30 في المائة من مساحة البلاد؛ ضمنها حقول غاز ونفط مهمة.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.