3 تحولات كبرى تشهد تسارعاً لتغيير حياة البشر

الشركات تقود التغيير في العالم أمام تراجع دور الحكومات

TT

3 تحولات كبرى تشهد تسارعاً لتغيير حياة البشر

يدور في أروقة القمة العالمية للحكومات تساؤلات عدة حول مدى قدرة أنظمة وأشكال الإدارة الحكومية الحالية حول العالم في قيادة المستقبل، حيث إن التسارع في الجوانب الحياتية أصبح يتسابق مع الثانية، في الوقت الذي تشهد فيه الحكومات حول العالم بطئا في مواكبة تلك التسارعات مما يُحْدِث شرخا كبيرا بينها وبين المجتمعات.
وفي هذا الجانب يدعو المختصون المشاركون في القمة العالمية للحكومات إلى إيجاد حلول للنهوض بالإدارات الحكومية لمواكبة ما يحدث من تغيرات متسارعة حول العالم، في الوقت الذي يشارك القطاع الخاص بشكل كبير في هذا التسارع.
محمد القرقاوي وزير شؤون مجلس الوزراء والمستقبل رئيس القمة العالمية للحكومات قال إن «من يملك المعلومة يملك المستقبل، وإن من يملك المعلومة يستطيع أن يقدم خدمة أفضل، ويطور الحياة بشكل أكبر».
وتطرق القرقاوي إلى ثلاثة تحولات كبرى ستتسارع خلال الفترة القادمة وستكون تأثيراتها شاملة، شارحاً تأثيرات التحولات العظمى على كافة القطاعات، حيث ستغير حياة البشرية بشكل أكبر خلال الفترات المقبلة.
وحدد الوزير الإماراتي التغير الأول في تراجع دور الحكومات، حيث قال: «الحكومات ستشهد تراجعاً في دورها وربما انسحاب الحكومات بشكل كامل عن قيادة التغيير في المجتمعات الإنسانية».
وذكر أن «الحكومات ظلت بشكلها الحالي عبر مئات السنين هي الأداة الرئيسية لتطوير المجتمعات، وقيادة عجلة النمو، وتحسين حياة البشر»، مضيفاً أن الحكومات «كانت تتمتع بهياكل تنظيمية معينة وأدوار ثابتة وخدمات متعارف عليها، محاولة خلق البيئة الأمثل لتطوير المجتمعات وتحقيق النمو والرفاه والحياة الكريمة للإنسان». وأكد أن «المعادلة بدأت اليوم في التغير بشكل متسارع، ولا بد من طرح عدة أسئلة بهذا الخصوص».
واعتبر القرقاوي أن السؤال الأول الذي يتطلب الإجابة عنه هو من يقود التغيير اليوم؟ خصوصا أن الحكومات لا تقود التغييرات في المجتمعات الإنسانية اليوم، ولا تؤثر بها، بل فقط تحاول الاستجابة لها، وأحيانا بشكل متأخر.
ولفت القرقاوي إلى أن كافة القطاعات الكبرى تتحكم بها الشركات لا الحكومات، ضاربا الأمثلة في قطاعات مثل التقنية التي يصل حجم إنفاق البحث والتطوير في شركات مثل أمازون في عام واحد فقط 22 مليار دولار، وفي «غوغل» 16 مليار دولار، وفي هواوي 15 مليار دولار. كما تحدث عن قطاع الطب والصحة، وشبكات وأدوات النقل وحتى قطاع الفضاء.
أما السؤال الثاني الذي أشار إليه القرقاوي في كلمته فهو: «من يملك المعلومة اليوم؟»، حيث قارن القرقاوي بين عمل الحكومات في هذا الإطار والتي كانت تحتفظ بالبيانات في مبان تعتبرها ثروات وطنية، مقارنة بعمل الشركات الكبرى اليوم التي تحتفظ بسجلات واسعة حول المستخدمين.
واعتبر القرقاوي أن «الحكومات بشكلها القديم لا تستطيع التأثير في صنع المستقبل، لا بد أن تتحول الحكومات من إدارة الخدمات إلى قيادة التغيير، ولا بد أن تتحول الحكومات من الهياكل الجامدة إلى المنصات المفتوحة».
وقال القرقاوي إن «الحكومات أمام خيارين؛ إما أن تعيد صياغة نفسها بما يتناسب مع عصرها، وإما أن تخاطر بتراجع دورها وقوتها وخروجها من دائرة الفعل ودائرة التغيير الإيجابي وأن تكون خارج السباق وخارج السياق».
وبين أن التغير الثاني يتمثل في السلعة الأهم في المستقبل وهي الخيال، وأن الخيال هو الموهبة الأهم والسلعة الأعظم، وعليه سيكون التنافس، ومن خلاله سيتم خلق القيمة، ومن يملك الخيال سيملك اقتصاد المستقبل.
ونوه القرقاوي بأن 45 في المائة من الوظائف ستختفي خلال السنوات القادمة، وأغلب هذه الوظائف هي الوظائف التي تعتمد على المنطق أو الروتين أو القوة البدنية، لافتاً إلى أن الوظائف الوحيدة التي ستحقق نمواً خلال العقود القادمة هي التي تعتمد على الخيال والإبداع وذلك حسب آخر الدراسات.
وأوضح أن «حجم القطاع الاقتصادي المتعلق بالخيال والإبداع بلغ في 2015 أكثر من 2.2 تريليون دولار»، مضيفا أن: «وظائف المستقبل ستعتمد على مواهب الخيال والإبداع».
وأكد القرقاوي أن «المائة عام القادمة تحتاج تعليماً يحفز الخيال، وينمي الإبداع، ويغرس روح البحث والابتكار، لا إلى تعليم يعتمد على التلقين».
وشدد القرقاوي أن «الأفكار ستكون هي السلعة الأهم»، موضحاً أننا «ننتقل اليوم من عصر المعلومات إلى عصر الخيال، ومن اقتصاد المعرفة إلى اقتصاد الإبداع».
وأضاف القرقاوي أن «الأفكار لن تحمل جنسية معينة، ولن تحدها حدود، ستهاجر أفضل الأفكار، وأصحابها يعيشون في بلادهم»، مشيراً إلى أن «اليوم، يمكن بناء الاقتصاد بأفكار شباب يعيشون في بلد آخر».
وأعطى القرقاوي مثالاً من الولايات المتحدة، حيث قال إن حجم سوق المواهب في الولايات المتحدة يبلغ 57 مليون صاحب موهبة يعرضون مواهبهم في الفضاء الرقمي، حيث أضافوا للاقتصاد الأميركي 1.4 تريليون في العام 2017 لوحده. ومن المتوقع أن تتجاوز القوة العاملة في سوق المواهب المفتوحة هناك أكثر من 50 في المائة من القوة العاملة في العام 2027.
ولفت إلى أن التغير الثالث الترابط على مستوى جديد، حيث أكد القرقاوي أن أحد أهم الأسباب الرئيسية للرفاه الذي تعيشه الشعوب هو الترابط عبر شبكة واحدة والتواصل الدائم، وانتقال الخدمات والأفكار والمعرفة بين الناس.
وتابع: «الترابط في المستقبل القريب سيكون بين 30 مليار جهاز مع الإنترنت، حيث تستطيع هذه الأجهزة التحدث مع بعضها وتبادل المعلومات، والعمل معا أيضاً لإنجاز مهام محددة»، موضحاً أن إنترنت الأشياء ستغير حياتنا بشكل أكبر وأفضل، وستكون تقنية الجيل الخامس هي نقطة التحول في إنترنت الأشياء.
وذكر القرقاوي أن «تقنية الجيل الخامس ستوفر خلال 15 عاما فقط فرصاً اقتصادية بقيمة 12 تريليون دولار، وهي أكبر من السوق الاستهلاكية للصين واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا مجتمعة في العام 2016».
ولفت إلى أن التحولات كثيرة، والمتغيرات لا تتوقف، والحقيقة الثابتة الوحيدة أن سرعة التغيير أكبر بكثير مما يتوقع قبل سنوات بسيطة، مضيفاً: «الحكومات التي تريد البقاء في إطار المنافسة لا بد أن تفهم وتستوعب وتواكب كل هذه المتغيرات، وهذه هي رسالة القمة العالمية للحكومات».
فيما شدد البروفسور كلاوس شواب المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس» على أهمية تطوير مدن العالم لتصبح منصات تركز على ريادة الأعمال والابتكار وتصميم المستقبل لتعزيز إمكانياتها التنافسية، واستعرض أبرز معالم مفهوم «العولمة 4.0»، وملامح الدور الذي يجب أن تلعبه الحكومات لإعداد العالم لتبنيها،. وقال كلاوس شواب: «نريد معرفة المزيد عن مستقبل العالم من حيث خصوصية البيانات وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتغيرات البيئية، ولهذا علينا العمل بشكل جماعي للانتقال إلى عصر جديد من العولمة يتناسب مع العالم الحديث متعدد الأقطاب، وفي ظل الثورة الصناعية الرابعة يجب علينا التخطيط للمستقبل وعولمة أخلاقيات الأنظمة والقضاء على الفساد».
وأكد شواب أن المنظومة العالمية في صورتها الراهنة تواجه الخطر بالخروج عن السيطرة، محدداً 3 مسببات رئيسية لهذا التحدي، وهي: سرعة التغييرات الجيوسياسية على مستوى العالم، والتحول من عالم أحادي القطبية إلى عالم متعدد الأقطاب، والموجة الجديدة من الشعبوية، والناس الذين لا يريدون أن يتم إهمالهم باعتبارهم أهم عوامل الضغط على النظام العالمي. ووصف اختلال التوازن الذي تسببه التكنولوجيا المتطورة، والتحدي المتمثل في حماية البيانات، وانهيار النظم الاجتماعية والبيئية باعتبارها تهديدات للنسخة الرابعة من العولمة.
وقال: «الابتكار مفتاح التنافسية، وللحكومات دور أساسي في تطويره عبر إشراك الجميع والتخطيط للمستقبل والتكيف مع المتغيرات وتعميم النتائج الناجحة».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».