محطات تحلية المياه... تتسبب في زيادة ملوحة البحار

«مزارع ملح» لحل المشكلة

المزرعة النموذجية تحقق زيادة في حجم الأسماك (المركز الدولي للزراعات الملحية)
المزرعة النموذجية تحقق زيادة في حجم الأسماك (المركز الدولي للزراعات الملحية)
TT

محطات تحلية المياه... تتسبب في زيادة ملوحة البحار

المزرعة النموذجية تحقق زيادة في حجم الأسماك (المركز الدولي للزراعات الملحية)
المزرعة النموذجية تحقق زيادة في حجم الأسماك (المركز الدولي للزراعات الملحية)

عادة ما نسمع عن خطورة تلوث البحار بالمخلفات أو منتجات نفطية أو تسرب مياه الصرف الصحي، لكن هناك ملوث جديد بدأت الجهات الدولية المعنية بقضايا البيئة تلتفت إليه أخيرا، وهو «الملوحة الزائدة».
ملوحة زائدة
تنتج الملوحة الزائدة بسبب إلقاء المياه الناتجة عن عملية التحلية مره أخرى في البحار، وهي مياه شديدة الملوحة، وهو ما يهدد مستقبلا القدرة على تحلية المياه. ويفرض هذا التحدي على الدول التي تعتمد على تحلية المياه التفكير في حلول تجنيب البحار هذا الملوث الخطير، لا سيما بعد أن أشارت دراسة أجراها فريق بحثي من معهد المياه والبيئة والصحة في جامعة الأمم المتحدة، وجامعة فاخينينجن الهولندية، ومعهد غوانغجو للعلوم والتكنولوجيا بكوريا الجنوبية، إلى خطورة العدد المتزايد لمحطات تحلية المياه في جميع أنحاء العالم «نحو 16 ألف محطة» على مستقبل تحلية المياه.
وكشفت الدراسة التي نشرتها دورية علوم البيئة الكلية «Science of The Total Environment «في 15 يناير (كانون الثاني) الماضي، أن محطات التحلية تنتج 95 مليون متر مكعب في اليوم الواحد، وأن كل لتر من إنتاج المياه العذبة الناتج من محطات التحلية، يقابله في المتوسط 1.5 لتر من المحلول الملحي، والذي يقدر حجمه اليومي بنحو 142 مليون متر مكعب، بزيادة بنسبة 50٪ عن التقييمات السابقة.
وسبق أن حذر تقرير للبنك الدولي صدر عام 2017 من تنامي المشكلة، لا سيما في منطقة الخليج. قائلا: «العالم يستخدم ما يفوق 8.7 مليون متر مكعب من المياه المحلاة لأغراض الري يوميا، ويُنتج عن ذلك في المقابل ما يربو على 3.5 مليون متر مربع من المياه شديدة الملوحة، تهدد مستقبل هذا المصدر الهام في حال تم إلقاؤها في البحار مرة أخرى».
وكشف التقرير عن أنه بحلول عام 2050 يتوقع ارتفاع مستويات ملوحة المياه في منطقة الخليج والبحر المتوسط والبحر الأحمر بشكل ملحوظ بمقدار 2.24 و0.81 و1.16 غالون-لتر. وأشار إلى أن المياه شديدة الملوحة الناتجة عن محطات التحلية في منطقة الخليج قد تسبب ارتفاع ملوحة مياه البحر بنسبة 20 في المائة خلال نفس الفترة.
ولا تملك الدول التي تعتمد على التحلية خيارا بديلا، بل إنها قد تحتاج لضخ المزيد من الاستثمارات، وهو الأمر الذي دفع المركز الدولي للزراعات الملحية بالإمارات للبحث عن حلول.

مزارع ملحية
وتقول ديونيسيا أنجليكي ليرا الخبير بالمركز لـ«الشرق الأوسط»: «أحد الحلول المهمة في هذا المجال التي تم تنفيذها بنجاح هو مزرعة نموذجية تمزج بين تربية الأسماك والزراعات الملحية».
وتضيف «في المزرعة النموذجية للمركز بإمارة أم القوين بالإمارات، نستخدم المياه المحلاة لري الخضراوات، وتدخل المياه العادمة الناتجة عن التحلية في تربية أسماك البلطي والشبوط، في حين تستخدم مخلفات تربية الأحياء المائية لري النباتات الملحية مثل الساليكورنيا».
وأظهرت الأبحاث التي أجريت على إنتاج هذه المزرعة، أن إنتاج الأسماك ارتفع لـ30 كلغم في المتر المكعب، وزاد معدل وزن اصبعيات البلطي لـ600 غرام خلال فترة 5 أشهر، كما ارتفع إنتاج البذور بنبات الساليكورنيا بمعدل 3.25 طن-هكتار.
ويبدو هذا الحل ملائما بصورة أكبر للأراضي الملحية بطبيعتها، لكن استخدامه مع الأراض غير الملحية يزيد من ملوحتها وهذا غير مطلوب، كما يؤكد الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية والري بجامعة القاهرة.
يقول نور الدين إن «الحل الأنسب هو استعادة الملح والمعادن الموجودة في هذه المياه». ويضيف: «المغنيسيوم والكالسيوم والبوتاسيوم وكلوريد الصوديوم والكلور، كلها معادن يمكن استعادتها، وهي لها استخدامات في الصناعة والزراعة».



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً