الإذاعات النسوية على الإنترنت تنقل واقع المرأة العربية إلى أثير العالم الافتراضي

إحدى مذيعات إذاعة «راديو البنات» السودانية خلال عملها
إحدى مذيعات إذاعة «راديو البنات» السودانية خلال عملها
TT

الإذاعات النسوية على الإنترنت تنقل واقع المرأة العربية إلى أثير العالم الافتراضي

إحدى مذيعات إذاعة «راديو البنات» السودانية خلال عملها
إحدى مذيعات إذاعة «راديو البنات» السودانية خلال عملها

برزت الإذاعات النسائية العربية على الإنترنت كإحدى الوسائل الحديثة للتعبير عن قضايا المرأة وطموحاتها وأحلامها، وأدى تعدد المنصات والأهداف إلى تنوع المحتوى ما بين برامج خفيفة وأخرى جادة نقلت معارك الواقع النسوي إلى أثير الفضاء الإلكتروني الذي تحول إلى ساحة جديدة لمناقشة القضايا الجدلية، وسط سعي القائمين على الإذاعات النسائية إلى استقطاب مزيد من الرجال إلى قضيتهم، في معركة تصحيح المفاهيم الذكورية المغلوطة في المجتمعات العربية.
وشهدت السنوات الأخيرة انطلاق الكثير من الإذاعات النسائية العربية على شبكة الإنترنت، وتنوع المحتوى والرسالة الإعلامية ما بين تلبية احتياجات المرأة العربية والخدمات الإعلامية التي تسعى إليها في حياتها اليومية سواء برامج الأزياء والموضة والطبخ، أو النقاشات الجادة لواقع مشكلاتها، ومن أبرز الإذاعات التي انطلقت في الآونة الأخيرة، إذاعة «راديو بنات» في الأردن، و«بنات أوف لاين» في مصر، و«راديو البنات» في السودان.
وجمعت إذاعة «راديو البنات» السودانية بين برامج المنوعات الخفيفة والبرامج التي تناقش قضايا المرأة السودانية ومشكلاتها، حيث تعتمد على ما يسمى «الإعلام التفاعلي» الذي يوسع دائرة مشاركات المستمعين في معظم البرامج، واقتراح القضايا التي يرون أنه من الواجب طرحها للنقاش، ومن أبرز برامجها «أنت الحدث» وهو برنامج يقدم نماذج لنساء سودانيات استطعن تحدي الظروف المجتمعية وتحقيق النجاح، وبرنامج «نساء فوق الستين» الذي يناقش مشكلات النساء بعد سن الستين، ويقدم نماذج لنساء مستمرات في العطاء والعمل في هذه السن، وبرنامج «سودانية» المخصص لمشكلات الفتيات.
وتقول خالدة المنى، مؤسس ومدير راديو البنات لـ«الشرق الأوسط»: «نحاول تقديم خدمة إعلامية متنوعة تلبي احتياجات معظم النساء، سواء برامج الطبخ وغيرها من البرامج الخفيفة أو البرامج التي تناقش مشكلات النساء والفتيات، ولأننا نركز على المشكلات التي تتعلق بالمفاهيم والموروثات الخاطئة التي نسعى إلى تغييرها، مثل الختان والزواج المبكر، لذلك نتوجه إلى الرجال والنساء في خطابنا الإعلامي وجميع برامجنا، ونسعى إلى استقطاب الرجال لأنهم يساعدوننا في تصحيح هذه المفاهيم، ومن الأمور اللافتة أن نسبة الرجال الذين يتابعوننا على صفحة التواصل الاجتماعي تصل إلى 60 في المائة بينما تمثل النساء نسبة 40 في المائة».
وتضيف المنى: «الرجال شركاء في التغيير، فهم الأب الذي نحاول إقناعه بمخاطر ختان ابنته، وضرورة عدم التمييز بينها وبين أشقائها الذكور، سواء في حقها بالتعليم أو المسؤولية في جميع مناحي الحياة، والأخ الذي يجب أن يكون داعماً لشقيقته، وهو نفسه سيكون زوجاً وأباً بعد سنوات، ونسعد كثيراً بمشاركات الرجال في برامجنا خاصة عندما يقتنعون بخطأ الموروثات القديمة التي نحاول تغييرها».
في مصر، أثارت إذاعة «راديو المطلقات» اهتمام وسائل الإعلام المحلية والدولية بما تقدمه من برامج جدلية ساهمت في تحقيقها انتشارا واسعا في أوساط النساء والرجال على السواء.
وتقول محاسن صابر، مؤسس ومدير «راديو المطلقات» لـ«الشرق الأوسط»: «عندما بدأنا البث تعرضنا لهجوم شديد بسبب اعتقاد البعض أننا إذاعة خاصة بالمطلقات أو أننا نحرض النساء على الطلاق، وقد كان الهجوم أحد أسباب تحقيق انتشار واسع». مضيفة: «نحن نتوجه لكل الأسرة سواء الرجال والنساء، ونسعى إلى مناقشة جميع قضايا المرأة ومشكلاتها، وتغيير النظرة المجتمعية السلبية للنساء بشكل عام والمطلقات على وجه الخصوص، ولدينا برامج نحاول من خلالها مساعدة النساء على تجنب اللجوء للطلاق وحل المشكلات الزوجية بالحوار».
ويقدم راديو المطلقات كثيراً من البرامج التي تناقش مشكلات الأسرة، منها، برنامج «يا مفهومين بالغلط» الذي يناقش المشكلات والتحديات التي تواجه المطلقات في مناحي الحياة كافة، وتصحيح المفاهيم المجتمعية المغلوطة عنهن، وبرنامج «قبل ما تقول يا طلاق» الذي يسعى إلى مساعدة النساء على حل المشكلات الزوجية من دون اللجوء للطلاق.
وتقول صابر: «نتدخل لمحاولة حل المشكلات الزوجية بناء على طلب أحد الزوجين، وكثيراً ما يكون الزوج هو الذي يتصل بنا للتدخل، وقد نجحنا في مساعدة الكثير من الأزواج والزوجات على حل خلافاتهم لتجنب الطلاق، ونحرص في كل برامجنا على أن نكون موضوعيين ولا نغفل وجهة نظر الرجال في كل القضايا، وهو ما خلق مساحة ثقة كبيرة بيننا وبين متابعينا من الرجال الذين يشاركون بكثافة في التواصل مع برامجنا والتعبير عن وجهة نظرهم».



إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.