بين الأفلام

أفلام قد لا تجد طريقها للعرض

من «الحياة السرية لوولتر ميتي»
من «الحياة السرية لوولتر ميتي»
TT

بين الأفلام

من «الحياة السرية لوولتر ميتي»
من «الحياة السرية لوولتر ميتي»

The Secret Life of Walter Mitty
«الحياة السرية لوولتر ميتي»(2*)
* مجلة «لايف» تمتعت بحياة رغدة لمعظم سنوات حياتها بين 1883 و1972 عندما توقفت عن الصدور أسبوعيا قبل أن تتحول إلى شهرية ثم تتوقف عن الصدور سنة 2007. فيلم بن ستيلر الجديد «الحياة السرية لوولتر ميتي» مستوحى من قصة قصيرة كتبها جيمس ثوبر ونشرها على صفحتين من صفحات مجلة «ذا نيويوركر» القيمة في الثلاثينات. ومنذ 20 سنة وهوليوود تحاول تقديمها للمرة الثانية (هناك فيلم عنها تحت العنوان ذاته أخرجه نورمان مكلاود سنة 1947). أخيرا بن ستيلر يحقق الفيلم الذي يحتوي على شخصية ذلك الموظف العامل في قسم الإنتاج في المجلة التي تحضر لتقديم آخر عدد لها. التواريخ تتضارب هنا، ففي السبعينات لم تكن هناك هواتف جولة، لكن الفيلم يعمل على أساس أن الأحداث تقع اليوم. لكن المشكلة الفعلية هي أن ستيلر ليس مخرجا جيدا. برهن على ذلك في «رعد استوائي» (2008)، ويؤكده هنا.. ضعفه هو السياق السردي وإدارة الممثلين.

Grudge Match
«ثور هائج»(2*)
* وراء روبرت دينيرو دور رائع في «ثور هائج» (1988) ووراء سيلفستر ستالون دور ناجح في «روكي» (1976).. لم لا نشوه الإنجازين السابقين بجمعهما معا؟ وهكذا كان: «مباراة ضغينة» قائم على حبكة حول ملاكمين لعب كلاهما ضد الآخر قبل 30 سنة والآن - وبعد أن ترهلت عضلاتهما - يجري جمعهما من جديد في مباراة حاسمة! هل استنفدت الفكرة أكثر من ربع ساعة لتكوين حكاية منها؟ مثل «روكي 2» (أخرجه ستالون نفسه سنة 1979)، يلعب التلفزيون هنا دورا في إعادة الحياة إلى جهازين عاطلين عن العمل.. في دفع المنافسة إلى حدتها الإعلامية، وما على الفيلم سوى الانتقال من موقف سخيف إلى موقف سخيف آخر.

Tokyo Story
«قصة طوكيو»(4*)
* ليست هناك سينما مثل سينما ياسوجيرو أوزو، وليس هناك فيلم مثل «قصة طوكيو» التي أخرجها سنة 1953 والذي ينطلق على أسطوانات هذا الأسبوع. حكاية زوجين متقدمين سنا يقرران أن الوقت قد حان لزيارة أولادهما في مدينة طوكيو. يفعلان ذلك ويفاجآن بالمواقف حيالهما. لا شيء لا يستطيع مخرج آخر تقديمه، لكن ما يوفره أوزو هنا خاص به: معايشة ملهمة لواقع هو خاص وعام في الوقت ذاته.. أبعاد إنسانية مؤثرة مع بعد تام لأي عنصر ميلودرامي. تنقيب اجتماعي - ثقافي ياباني خالص في حكاية قد تقع في أي مكان آخر على سطح الأرض.



«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).