ساري بحاجة إلى المغامرة حتى لا يعاني أمام مانشستر سيتي

في بعض الأحيان تحدث أشياء في كرة القدم دون ترتيب وبشكل غير متوقع، ومن الممكن أن نرى فريقاً متراجعاً للغاية من الناحية الخططية والتكتيكية يحقق الفوز على فريق آخر أفضل منه وأكثر التزاماً. وبينما يستعد مانشستر سيتي لمواجهة تشيلسي اليوم في إطار مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز، فإن ذلك يدفعنا للعودة بالذاكرة قليلاً إلى مساء ذلك السبت من شهر ديسمبر (كانون الأول) عندما أصبح تشيلسي بقيادة مديره الفني الإيطالي ماوريسيو ساري أول فريق يفوز على مانشستر سيتي في الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم. لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما الذي فعله تشيلسي في تلك المباراة لكي يفوز على حامل اللقب؟.
تتلخص الإجابة في أن تشيلسي لم يقم بالكثير في حقيقة الأمر، على حد قول ساري نفسه الذي كان صريحاً بعد تلك المباراة، وأشار إلى أنه كان يخطط للضغط على مانشستر سيتي بطول الملعب، بنفس الطريقة التي واجه بها مانشستر سيتي مرتين مع نادي نابولي الإيطالي في إطار مباريات دوري أبطال أوروبا في موسم 2017-2018 وخسر في المرتين. ورغم أن مانشستر سيتي، بقيادة مديره الفني الإسباني جوسيب غوارديولا، قد فاز على نابولي في مبارتي الذهاب والعودة، فإه ظهر في المبارتين وهو يعاني ويلعب دون أريحية بسبب الضغط المتواصل عليه. وهذه هي الطريقة التي يتبعها المديرون الفنيون الذين يحبون المغامرة، مثل المدير الفني الألماني لنادي ليفربول، يورغن كلوب، الذي يفضل الضغط على لاعبي مانشستر سيتي في نصف ملعبهم حتى يتوقف المدافعون عن التقدم للأمام ويكتفون بمحاولة إيقاف مهاجمي الفريق المنافسي والحد من خطورتهم. ومن المؤكد أن هذه الخطة تنطوي على بعض المخاطر مثل الهجمات المرتدة السريعة، لكنها في الوقت نفسه تعمل على استغلال أكبر نقطة ضعف في مانشستر سيتي وهي خط دفاعه.
لكن تشيلسي لم يفعل ذلك في المباراة الأولى. صحيح أنه ضغط على مانشستر سيتي بشكل جيد، لكن فرناندنيو كان يلعب بشكل متقدم عن المعتاد، وهو الأمر الذي تسبب في إيقاف خطورة جورجينيو، كما كان مانشستر سيتي يستعيد الكرة بسرعة كبيرة، وهو الأمر الذي كان يُمكنه من شن هجمات سريعة بخمسة لاعبين أمام أربعة. وكان الثلاثة لاعبين الذين يلعبون في الأمام - رحيم سترلينغ الذي لعب كمهاجم وهمي، ومن حوله رياض محرز وليروي سانيه - يتحركون بسرعة وبشكل دائم من أجل خلق الفرص، لكن غياب المهاجم القناص القادر على استغلال أنصاف الفرص لم يُمكن مانشستر سيتي من التقدم في تلك المباراة، نظراً لأن المهاجم الأرجنتيني سيرجيو أغويرو كان مصاباً. وتراجع تشيلسي قليلاً إلى الخلف من أجل غلق المساحات في خط الدفاع، وبالتالي وجد مانشستر سيتي صعوبة في خلق الفرص خلف المدافعين. وترك محرز مركزه في ناحية اليسار وتحرك أكثر إلى عمق الملعب، ربما من أجل مراقبة جورجينيو حتى لا يضطر فرناندينيو لترك مكانه كثيرا في خط الوسط، نظرا لأنه هو اللاعب الذي يحمي خط الدفاع من الهجمات من عمق الملعب. وبالتالي، حرم هذا الأمر مدافع تشيلسي ديفيد لويز من تمرير الكرات القصيرة والسهلة إلى صانع الألعاب، وهو الأمر الذي اضطره في نهاية المطاف للعب كرات طويلة.
وهناك بالطبع انتقادات لديفيد لويز فيما يتعلق بأدواره الدفاعية، خاصة عندما يلعب الفريق بأربعة لاعبين في خط الدفاع، لكن لا يمكن أن ننكر أنه رائع في تمرير الكرات الطويلة، ورأيناه في المباراة الأولى وهو يلعب كرة طويلة بشكل رائع إلى بيدرو قبل نهاية الشوط الأول، بالشكل الذي أظهر نقطة الضعف الكبيرة في خط دفاع مانشستر سيتي. وكما أشار المدير الفني الهولندي لويس فان غال، فإن أكبر نقطة ضعف في الفرق التي يتولى غوارديولا تدريبها هو تقدم الظهيرين للأمام بشكل مستمر. وكان هذا هو السبب في إحراز تشيلسي لهدفه الأول في مرمى مانشستر سيتي، حيث مرر بيدرو الكرة إلى ويليان الذي كان يقف خلف كايل ووكر، كما وجد نغولو كانتي المساحة بين خطي دفاع وهجوم مانشستر سيتي واستغل الفرصة.
واختلف الشكل كثيراً في شوط المباراة الثاني، حيث بدا مانشستر سيتي مرتبكاً وعشوائياً بشكل غريب، وكانت هذه هي أول إشارة على المشكلة التي يعاني منها الفريق عندما يتعرض للضغط، وهو الأمر الذي تكرر بعد ذلك أمام كريستال بالاس وليستر سيتي ونيوكاسل يونايتد. وظهر تشيلسي أكثر إصراراً على استخدام التمريرات الطويلة خلف فابيان ديلف، حيث أرسل كانتي تمريرات طويلة لبيدرو أكثر من مرة ناحية اليمين. وبالتالي، فإن الأمر الذي يجب أن نستخلصه من المباراة الأولى هو أن تشيلسي ليس مضطراً للضغط على مانشستر سيتي لكي يحقق الفوز. لكن يجب الإشارة إلى أن ساري يتمسك دائماً بطريقة لعبه ولا يغيرها مهما حدث ومهما كانت الظروف، لكنه يعرف جيداً أنه لا يمكنه أن يخاطر بالسماح لمانشستر سيتي باللعب بحرية تامة بالشكل الذي رأيناه في أول 20 دقيقة من المباراة الأولى على ملعب «ستامفورد بريدج»، عندما تفوق فرناندينيو تماماً على جورجينيو. ويتذكر ساري أيضاً ما حدث عندما خسر فريقه نابولي بهدفين مقابل هدف وحيد على ملعب الاتحاد عام 2017.
ومن المؤكد أن مباراة الفريقين اليوم سوف تختلف تماماً عن المباراة الأولى التي أقيمت في «ستامفورد بريدج»، لأن الفريقين كان يلعبان آنذاك بمهاجم وهمي، لكن هذه المرة سوف يعتمد مانشستر سيتي على أغويرو الذي يقدم مستويات رائعة في الفترة الأخيرة، كما سيعتمد تشيلسي على المهاجم الأرجنتيني غونزالو هيغوايين الذي ضمه من ميلان الإيطالي. لكن لا تزال مشكلة ظهيري الجنب في نادي مانشستر سيتي قائمة، حتى وإن كان غوارديولا قد أبدى بعض المرونة وبدأ يعيد النظر بعض الشيء في تقدم الظهيرين إلى الأمام بشكل مستمر.
وقد يتقدم إيمريك لابورت إلى الأمام، كما فعل في الهدف الذي أحرزه مانشستر سيتي في أول دقيقة في مرمى آرسنال يوم السبت الماضي، لكنه مدافع بالفطرة ويقدم أداءً أفضل في الناحية الدفاعية من بنيامين ميندي، الذي يغيب للإصابة على أي حال، أو فابيان ديلف. ويمكن للابورت أن يلعب كمدافع ناحية اليسار ليصبح مدافعاً ثالثاً عندما يمتلك مانشستر سيتي الكرة، وهو الأمر الذي يسمح لووكر بالتقدم للأمام ناحية اليمين. وبالنظر إلى براعة ديفيد لويز في تمرير الكرات الطويلة على طرفي الملعب، فيبدو من المنطقي أن نتوقع أن يلعب لابورت في مركز الظهير الأيسر لكي يمنع تشيلسي من استغلال نقطة الضعف التي منحته الفوز في المباراة الأولى.
وفي النهاية، هناك بعض الدروس التي يجب استخلاصها من المواجهة الأولى، لكن يجب التأكيد على أنه من الخطأ أن نعتقد أن تشيلسي قد حقق الفوز بسبب الخطة الرئيسية التي يعتمد عليها ساري، لأن الحقيقة هي أن تشيلسي كان محظوظاً في بداية اللقاء ثم تمكن من استغلال الظروف والفرص التي سنحت له، فهل يتكرر نفس الأمر في المواجهة الثانية أم أن مانشستر سيتي تعلم الدرس وسوف يعالج الأخطاء التي عانى منها في المباراة الأولى؟