الأزمة المعيشية تتفاقم في دمشق... والحكومة «عاجزة» عن إيجاد حل

خبراء استبعدوا أن تؤدي الاتفاقات مع طهران إلى تحسين الوضع

سوريون في أحد شوارع دمشق (أ.ف.ب)
سوريون في أحد شوارع دمشق (أ.ف.ب)
TT

الأزمة المعيشية تتفاقم في دمشق... والحكومة «عاجزة» عن إيجاد حل

سوريون في أحد شوارع دمشق (أ.ف.ب)
سوريون في أحد شوارع دمشق (أ.ف.ب)

ترسخت لدى كثيرين في دمشق قناعة بأن حياتهم المعيشية لن تتحسن، بل ستزداد صعوبة أكثر مما كانت عليه في فترات اشتداد الحرب خلال السنوات السابقة، بسبب «عجز الحكومة السورية عن تجاوز أزمة توفير مواد الطاقة، وغلاء المعيشة».
وتشهد عموم مناطق سيطرة النظام منذ اشتداد موجة البرد، منذ أكثر من شهرين، أزمات خانقة في توفر الغاز المنزلي، ونقص كبير في وقود التدفئة وإعادة انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، إضافة إلى تراجع قياسي في قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي، ما أدى إلى تحليق جديد في الأسعار ضيق سبل العيش، وجعل الحياة بالغة الصعوبة.
ورغم تأكيد الحكومة في بداية الأزمات أنها «عابرة وسيتم تجاوزها خلال أيام»، فإن الوضع بقي على حاله لا بل ازداد تفاقماً. كما لم يؤد إعلان الحكومة مؤخراً «حالة الاستنفار القصوى في مواجهة آثار العقوبات الاقتصادية الجديدة على سوريا»، إلى التخفيف من الأزمة الإنسانية وتراجع توفر الحاجات الرئيسية.
«قصي» موظف لدى بنك خاص يسخر من تأكيد الحكومة، بأن الأزمات الخانقة التي شملت كل مقومات الحياة الأساسية من غاز وكهرباء ووقود تدفئة «عابرة»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «منذ بدء أزمة الغاز (المنزلي) قالوا إنها ستنتهي خلال أيام معدودة، والآن مر أكثر من شهرين والوضع ازداد صعوبة، وبات تأمين أسطوانة غاز أشبه بالحلم».
ويضيف: «مرة يقولون إن البواخر في المرفأ تفرغ حمولتها... وبعدها يقولون إن البواخر جرى استهدافها في البحر. ومرة (....) وكله كذب بكذب، الأجدر بهم أن يعلنوا صراحة للناس أنه لا إمكانية لديهم لتأمين مقومات الحياة، لا أن يجعلوا الناس يعيشون على الأمل الذي يبدو أنه لن يتحقق ولا في سنوات كثيرة مقبلة».
ولوحظ أن أزمة توفر مواد الطاقة تزايدت منذ بدء الحديث عن مشروع القانون الخاص بالعقوبات الأميركية على النظام السوري، وتفاقمت مع إقرار الكونغرس الأميركي لمشروعها، ومحاولات النظام الالتفاف عليها عبر توقيع «اتفاق التعاون الاستراتيجي الطويل الأمد» مع إيران الذي يشمل التعاون في مجالات كثيرة أبرزها المجال الاقتصادي.
وحسب خبراء اقتصاديين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، فإن كل محاولات النظام للالتفاف على تلك العقوبات عبر إيران «لن تجدي نفعاً». ويقول أحدهم: «بالأصل إيران ومنذ ما قبل توقيع اتفاق البرنامج تعاني من العقوبات، وبعد خروج الولايات المتحدة العام الماضي من ذلك الاتفاق زادت واشنطن العقوبات، وازداد الحصار الاقتصادي عليها، وباتت بالكاد توفر الحاجات الأساسية لمواطنيها، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف لميت أن يساعد ميتاً!».
ويلفت أحدهم إلى توقف الدعم الاقتصادي والمالي الإيراني للحكومة السورية منذ أكثر من عام، بعد تفاقم الوضع الاقتصادي في إيران بسبب العقوبات، وأن طهران لم تفعل الخط الائتماني الثالث البالغ مليار دولار والمقدم من إيران للحكومة السورية، الموقع بين الجانبين في يوليو (تموز) 2017، بعدما كانت الأولى قدمت للثانية في يناير (كانون الثاني) من عام 2013 الخط الائتماني الأول بمقدار مليار دولار لدعم العجز المالي الكبير الذي عانت منه بعد هبوط إيراداتها بمقدار النصف عمَا كانت عليه قبل الحرب، بينما فعّل الجانبان في أغسطس (آب) 2013 الخط الائتماني الثاني للحكومة السورية، البالغ 3.6 مليار دولار، ليتم إنفاقه بشكل أساسي على استيراد المشتقات النفطية من إيران حصراً.
وفي ظل أزمة توفر مواد الطاقة الخانقة، يتساءل أعضاء في مجلس الشعب (البرلمان) في صفحاتهم على «فيسبوك» عن «الأصدقاء»، في إشارة إلى كل من إيران وروسيا حليفي النظام.
وترافقت أزمة توفر مواد الطاقة مع تراجع قياسي في قيمة الليرة وموجة ارتفاع جديدة في الأسعار، فاقمت كثيراً من سبل العيش للغالبية العظمى من الناس، حيث تدهور منذ الشهر تقريباً سعر صرف الليرة السورية إلى نحو 530 مقابل الدولار في السوق السوداء، بعد حافظ على سعر نحو 440 ليرة لمدة عام تقريباً، أي أن نسبة التدهور الجديدة وصلت إلى نحو 25 في المائة.
وأدت هذه الحالة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والخضراوات بشكل جنوني، ونقص في كميات الخضار والفاكهة المعروضة في الأسواق، ولوحظ أن ارتفاع الأسعار لم يجارِ مستوى تدهور الليرة أمام الدولار، بل تجاوزه إلى عدة أضعاف، حيث قفز سعر كيلو الفروج من 750 ليرة إلى أكثر من 1200 ليرة، أي بنسبة أكثر من 50 في المائة عما كان عليه قبل التدهور الأخير في سعر الصرف.
«أبو محمود» في العقد السادس من عمره يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن الضائعة المعيشية التي يمر به الناس «لم تمر عليهم ولا حتى في أشد سنوات الحرب» عندما كانت المعارضة تسيطر على مساحات البلاد، و«لم تمر عليهم حتى في زمن الحصار الاقتصادي على البلاد في ثمانينيات القرن الماضي»، ويقول: «الوضع كتير صعب... الله يكون بعون الناس».
واعتبر عدد من أصحاب المتاجر أن تركيز مسؤولي الحكومة في تصريحاتهم منذ بدء أزمة توفر مواد الطاقة على أن المرحلة المقبلة ستكون «أكثر صعوبة» من المرحلة الماضية يفهم منها أنها «رسائل للناس بأن الوضع المعيشي لن يتحسن وسيزداد سوءاً بسبب العقوبات، وقد يستمر لسنوات»، علماً بأن أرقام البنك الدولي تؤكد أن 87 من السوريين يعيشون تحت خط الفقر.



الحوثيون والرد الإسرائيلي المرتقب... حذر وترتيبات وتمسك بالتصعيد

لهب ودخان في ميناء الحديدة الخاضع للحوثيين عقب غارات إسرائيلية (رويترز)
لهب ودخان في ميناء الحديدة الخاضع للحوثيين عقب غارات إسرائيلية (رويترز)
TT

الحوثيون والرد الإسرائيلي المرتقب... حذر وترتيبات وتمسك بالتصعيد

لهب ودخان في ميناء الحديدة الخاضع للحوثيين عقب غارات إسرائيلية (رويترز)
لهب ودخان في ميناء الحديدة الخاضع للحوثيين عقب غارات إسرائيلية (رويترز)

تتمسك الجماعة الحوثية بالتصعيد ضد إسرائيل على الرغم من الضربات العنيفة التي وجهتها الأخيرة لـ«حزب الله» اللبناني، إلا أن الكثير من المؤشرات يوحي بأن الجماعة لجأت إلى المزيد من الحذر خوفاً من مواجهة المصير نفسه، مع استمرار طموحها للحصول على مكاسب من جولة الصراع الحالية في المنطقة.

وشهد الأسبوعان الماضيان؛ أي بعد مقتل أمين عام «حزب الله» اللبناني حسن نصر الله، استمرار الجماعة في إطلاق صواريخها ومسيراتها باتجاه إسرائيل، لكن على فترات متقطعة، بالتزامن مع هجماتها ضد السفن التجارية في البحر الأحمر والمحيط الهندي، في حين اكتفت إسرائيل بعملية هجومية وحيدة ضد الحوثيين.

حريق قرب تل أبيب تسبب به صاروخ تبنى الحوثيون إطلاقه منتصف سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)

وتعود آخر عملية حوثية ضد إسرائيل إلى السابع من الشهر الحالي، حين أعلنت الجماعة عن «تنفيذ عمليتين عسكريتين؛ الأولى استهدفت منطقة يافا بصاروخين باليستيين، والأخرى استهدفت منطقتي يافا وأم الرشراش بعدة طائرات مسيرة نوع (يافا) و(صماد4)»، وهو الهجوم الذي اعترفت إسرائيل بحدوثه بالتزامن مع هجمات أخرى من غزة ولبنان.

وبينما يذهب الكثير من المراقبين الغربيين، ومنهم مايك نايتس، وهو باحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إلى أن الجماعة الحوثية تبدو وكأن لا شيء قد أوقفها، يزعم الكثير من المتابعين والمراقبين لصراع المنطقة أن إيران تخلت عن أذرعها في المنطقة ضمن صفقة لتحقيق مكاسب في الملف النووي والعقوبات الاقتصادية.

وينفي الباحث الاقتصادي اليمني يوسف شمسان المقطري أن تكون هناك صفقة غربية مع إيران تلزمها بالتخلي عن أذرعها في المنطقة، ويرجح أن يكون ما يحدث لـ«حزب الله» اللبناني من ضربات عنيفة ناتجاً عن سوء تقدير إيران للموقف منذ البداية، وأن ما يجري حالياً هو مقدمة لانهيار منظومتها في المنطقة مجاناً.

وستخسر إيران بعد ذلك حتى التفاوض على ملفاتها الاقتصادية والأمنية والسياسية والنووية، بما فيها رفع العقوبات، وفقاً لما قاله المقطري لـ«الشرق الأوسط»، وبسبب خسائرها في محور المواجهة المباشرة مع إسرائيل في فلسطين ولبنان، فإنها ستبحث عن الربح في الملف اليمني الذي سيبقى عالقاً بين مطامع أميركا وتهديدات إيران، لتكون شروط التهدئة صفقة مع إسرائيل، وأخرى مع المجتمع الدولي.

عناصر من الشرطة الإسرائيلية في موقع انفجار طائرة مسيرة حوثية في يوليو الماضي (إ.ب.أ)

ويُبدي العديد من اليمنيين خشيتهم من أن تستغل الجماعة الحوثية مواجهتها مع تل أبيب لتحقيق المزيد من النفوذ، وفرض المزيد من الجبايات على السكان الذي يعيشون إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العصر الحديث، إضافة إلى انتهازها الفرصة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين، خصوصاً من الأطفال، وفق ما دأبت عليه.

تعويض في اليمن

يرى المقطري، وهو باحث يمني متخصص في اقتصاد الحرب، أن هذه الصفقة ستسمح ببقاء الجماعة الحوثية عامل ابتزاز لدول الجوار في هذا الملف، ليدفع اليمنيون ثمن انهيار الوجود الإيراني في لبنان وسوريا، وبحث إيران عن تعويض خسائرها، والذي لن يكون متاحاً مع الانهيار الدراماتيكي المتسارع لـ«حزب الله»، والذي أفقدها قوة التفاوض في الوقت الحالي في ظل نشوة الانتصارات الإسرائيلية المتلاحقة.

ويعدّ الكثير من المتابعين الأراضي اليمنية الواقعة تحت سيطرة الجماعة الحوثية ساحة أثيرة لإيران لإعادة ترتيب وموضعة صفوف أذرعها في المنطقة، في حال استمرت مساعي إسرائيل نحو تصفية «حزب الله» وإنهاء نفوذه في لبنان.

لهب ودخان في ميناء الحديدة الخاضع للحوثيين عقب غارات إسرائيلية (رويترز)

وينبه الأكاديمي اليمني محمد الحميري، الباحث في العلاقات الدولية، إلى أن الفترات الزمنية المتباعدة بين الهجمات التي تنفذها الجماعة الحوثية ضد إسرائيل، لا تعني أنها تخلت عن المعركة؛ إذ إنها أعلنت عن مراحل متعددة ومتصاعدة من الهجمات، وتهديدها بالمزيد من المفاجآت والتصعيد.

وبحسب إجابات الحميري عن تساؤلات «الشرق الأوسط»، فإن مواجهة الجماعة الحوثية مع إسرائيل لا تقتصر على استغلال الموقف لصالحها دعائياً وإعلامياً، بل يتجاوز ذلك إلى إثبات وجودها وتعزيز نفوذها، خصوصاً أن الجماعة تثبت مع الوقت امتلاكها الكثير من القدرات التي لم تتمكن التحالفات الدولية من القضاء عليها، ما سيعزز من رغبتها في تحقيق المزيد من المكاسب.

وكان زعيم الجماعة الحوثية أعلن أن الهجوم الصاروخي الذي نفذته جماعته، منتصف الشهر الماضي، بصاروخ على تل أبيب، يأتي في إطار المرحلة الخامسة من التصعيد، متوعداً بالمزيد.

وأعلنت إسرائيل حينها عن إسقاط الصاروخ في منطقة بعيدة عن الأحياء السكنية، لكنها اعترفت بتسببه في حرائق واسعة، وتوعدت حينها على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو الجماعة بدفع «ثمن باهظ»، مذكّراً إياها بالضربات على ميناء الحديدة في 20 يوليو (تموز) الماضي.

أولويات إسرائيل

توعدت إسرائيل الجماعة الحوثية أكثر من مرة، آخرها كان بعد مقتل نصر الله والهجوم الحوثي بصاروخ باليستي استهدف عاصمتها تل أبيب، وحينها أعلن الجيش الإسرائيلي أن وقت الجماعة سيأتي، واستهدف عقب ذلك التهديد بأقل من يوم منشآت عدة تحت سيطرة الجماعة، غالبيتها ذات طابع اقتصادي مدني، مثل محطات الوقود والكهرباء.

ويتوقع المحلل السياسي اليمني فارس البيل لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية تسعى، من خلال هجماتها على إسرائيل، إلى إثبات استمرارها في معركتها المزعومة معها، بعد أن شعرت بضغوط من أنصارها نتيجة تراجع هجماتها ضد إسرائيل بعد استهداف الطيران الإسرائيلي ميناء الحديدة في يوليو الماضي، إلى جانب محاولة رد الدَّيْن لـ«حزب الله» الذي قدم لها الكثير من المساعدات والخبرات.

وينفي البيل أن تكون الجماعة الحوثية بصدد الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، لكنها في موازاة ذلك تسعى لحفظ ماء وجه محور المقاومة أمام الضربات الإسرائيلية المتواصلة.

أنصار الحوثيين في حشد بصنعاء يندد بمقتل حسن نصر الله زعيم «حزب الله» اللبناني (أ.ف.ب)

وينوه الباحث اليمني صلاح علي صلاح، إلى أن هناك فرقاً بين إعلان الجماعة عن هجماتها، واعترافات إسرائيل بهذه الهجمات؛ فالأولى تتحدث عن امتلاكها صواريخ فرط صوتية، بينما تنفي الثانية وجود هذه الصواريخ مع الجماعة الحوثية، وهو ما يوحي بدخول المواجهة مرحلة الحرب التكنولوجية.

ويرجح صلاح في إفادته لـ«الشرق الأوسط» أن يتأخر الرد الإسرائيلي على الجماعة الحوثية إلى مرحلة ما من المواجهة مع أذرع إيران في المنطقة، بحسب أولويات إسرائيل التي لن تدع هجمات الجماعة عليها تمر دون انتقام.

فبحسب صلاح، لدى إسرائيل مهام منظورة في فلسطين وغزة ولبنان، قبل الانتقال إلى تصفية الجماعات الموالية لإيران والتابعة لها في سوريا، ثم الانتقال بعد ذلك للتعامل مع مثيلاتها في العراق، قبل أن تتجه فعلياً نحو اليمن، وذلك بحسب القرب الجغرافي، ما لم يحدث ما يستدعي تغيراً في هذا النهج.

واستبعد أن تكون العمليات الحوثية مجرد استعراض فقط، بل إن الجماعة تسعى فعلاً لمساندة «حزب الله» الذي قدم لها الكثير من الخدمات على المستوى اللوجيستي والخبرات التدريبية، إلى جانب الخدمات السياسية والإعلامية، فضلاً عن إدراكها أن إضعاف «حزب الله» سيؤثر عليها بالتبعية، وأن إسرائيل ستتفرغ للانتقام منها لاحقاً.