مصادر دبلوماسية أوروبية تنتقد اندفاع عواصم عربية للتطبيع مع دمشق

TT

مصادر دبلوماسية أوروبية تنتقد اندفاع عواصم عربية للتطبيع مع دمشق

ينظر الأوروبيون بكثير من الحذر إلى توجه عدد من البلدان العربية لتطبيع العلاقات مع النظام السوري، وإعادة إدخال دمشق إلى الجامعة العربية، وإعادة ربط العلاقات الدبلوماسية معها، بحسب مصادر دبلوماسية.
ولا يستبعد الأوروبيون أنه يتعين «في لحظة ما» إعادة العلاقات مع دمشق، وهو ما يرونه «اعترافاً بالأمر الواقع» الميداني والسياسي؛ لكنهم يعتبرون أن «الظروف والشروط الضرورية» لنقلة من هذا النوع «لم تتوفر بعد».
وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إنها «تتفهم» طرح بعض العواصم العربية والدواعي التي تتوقف عندها من أجل تبرير رغبتها في إعادة الأمور إلى نصابها السابق مع النظام. وبرأي هذا الفريق، فإن الحجة الرئيسية هي أنه «يتعين على العرب إعادة العلاقات مع الأسد حتى لا يكون الطرف الإيراني محاوره الوحيد»، وأنهم «يراهنون على أن تقاربهم مع نظام الأسد سيعني بطبيعة الحال ابتعاده عن إيران واكتسابه شيئاً فشيئاً استقلالية في القرار»، إضافة إلى «تضارب المصالح» الروسية - الإيرانية في سوريا، وبالتالي فإن موقع إيران سيكون ضعيفاً، الأمر الذي «سيهيئ الظروف لعودة التأثير العربي».
لكن المصادر الدبلوماسية تعتبر أن «الخطأ» الأول الذي يرتكبه الدافعون للتطبيع أنهم «لا يقدرون طبيعة العلاقات التي تربط النظام السوري بإيران حق قدرها، إذ إنها علاقات عضوية» وإنها «تتناول كافة المجالات والقطاعات العسكرية والمدنية» وإنه تعني، خصوصاً بالنسبة للنظام «بوليصة تأمين على الحياة». وتضيف أنه «إذا عمد العرب، إلى جانب إعادة العلاقات الدبلوماسية، إلى ضخ أموال في الاقتصاد السوري، فإن ما سيحصل هو أن النظام سيحصل على هذه الأموال؛ لكنه سيبقى في حضن إيران». و«الخطأ الآخر» هو «رهانهم» على دور روسي في إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا. وحقيقة الأمر أن هذا الخطأ ليس عربياً فقط؛ بل إن الغربيين بمن فيهم الأميركيون راهنوا «وما زالوا يراهنون» على الدور الروسي. والمشكلة كما تراها المصادر الدبلوماسية المشار إليها، أن الروس «إما غير راغبين وإما غير قادرين» على إخراج إيران من سوريا، لافتة النظر إلى الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية والثقافية التي توقع دوريا بين الطرفين. أما الرهان الآخر وهو على الدور الأميركي للغرض نفسه، فإنه يبقى «محفوفاً بالمخاطر بالنظر لتقلبات الرئيس الأميركي ومزاجيته».
إزاء هذه المعطيات، فإن الأوروبيين ينصحون بربط التطبيع مع توفر بعض الشروط. ومنطلقهم أن الأسد بدعم روسي - إيراني قد «ربح بعض المعارك، وربما الحرب؛ لكنه لم يربح معركة السلم». ويربطون التطبيع بـ«انطلاقة المسار السياسي الحقيقي» الذي لم يعد يعني رحيل الأسد عن السلطة. فهذا الطموح غاب وحل مكانه التمسك بأهداف متواضعة، مثل تشكيل اللجنة الدستورية وانطلاق أعمالها، والتمسك بإجراء انتخابات على أساس الدستور الجديد، بما يفترض أن يحتوي عليه من تغييرات في توزيع السلطات، إضافة إلى توافر الضمانات الدولية لمشاركة كافة السوريين في الانتخابات الموعودة. ويرى الغربيون أن هذا الشرط يمكن أن يكون فاعلاً إذا تم أخذه بعين الاعتبار في موضوع المشاركة في إعادة إعمار سوريا التي ستتراوح كلفتها، وفق التقديرات المتوافرة، ما بين 500 إلى 900 مليار دولار. والحال أن لا النظام ولا روسيا ولا إيران قادرين على دفق الأموال في هذه العملية، ما يمكن الغربيين والعرب القادرين على التأثير، وعندها يكون للتطبيع معنى مفيد. من هنا يقول الغربيون للعرب: «أنتم تملكون أوراقاً مؤثرة، وعليكم بالحزم في التعامل مع النظام بدل اعتماد التراخي».
لكن هذه القراءة الأوروبية تبقى غير مكتملة من غير الأخذ بعين الاعتبار موضوعين آخرين متلازمين: الأول، مصير النازحين واللاجئين السوريين في دول الجوار وخارجها، والثاني مصير الأكراد، إضافة إلى مسائل أخرى، مثل إعادة فتح اللجوء إلى السلاح الكيماوي، والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت، والتي «لا يجوز طمرها في التراب». تعي المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» الصعوبات التي يواجهها طرحها لكافة المسائل المثارة، ويقينها أن الانسحاب العسكري الأميركي المقرر من سوريا يفقد الموقف الغربي أحد أهم أوراق الضغط التي «كان» يملكها. كذلك لا يفوتها أن القوى التي تقرر في سوريا هي تلك التي تتمتع بقوات موجودة ميدانياً، وهي ليست حال الأوروبيين. ورغم ذلك كله، ما زالت ترى أن العمل الدبلوماسي والضغوط السياسية يمكن أن يكون لها دور في التأثير على المسار السوري، إن لم يكن في الصميم، فعلى الأقل في الهوامش.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».