قلق بين صحافيين موالين للنظام بعد «غياب» زملاء لهم

TT

قلق بين صحافيين موالين للنظام بعد «غياب» زملاء لهم

لا يزال الغموض يكتنف مصير وسام الطير، مدير شبكة «دمشق الآن»، أكبر منصة إعلامية موالية لدمشق على الإنترنت، رغم مرور نحو الشهرين على اعتقاله. ما أدى إلى قلق في أوساط الصحافيين العاملين.
«دمشق الآن» تأسست نهاية 2012، واعتمد عليها النظام لترويج حملته الدعائية خلال الحرب، وذاع صيتها وصيت الطير في الأوساط المحلية، على خلفية السبق في تقديم المعلومات عن المعارك في أنحاء البلاد، ووصل عدد متابعيها إلى أكثر من مليونين ونصف المليون عبر «فيسبوك».
الشبكة اشتهرت خصوصاً مع منحها العديد من الجوائز، وتكريم مديرها من قِبل أسماء زوجة الرئيس بشار الأسد.
لكن كان لافتاً العام الماضي، أن تغطية الشبكة تعدت تغطية «انتصارات» الجيش، إلى انتقاد بعض ممارساته، حيث كتب الطير منشوراً، عبر صفحته على «فيسبوك»، انتقد فيه نقل الجيش مجموعة من الشباب مقيدين بالسلاسل ليتم سحبهم إلى الخدمة الإلزامية، قبل أن يعود لامتداح «المؤسسة العسكرية».
بعد ذلك، لوحظ توقفت الشبكة عن العمل في مارس (آذار)، وأعلن الطير اعتزاله العمل الإعلامي، إثر توجيه صفحات موالية تهمة «الخيانة» إليه، ومنعه من تغطية زيارة الرئيس الأسد إلى الغوطة الشرقية، قبل أن تعود الشبكة للعمل وهو لإدارتها.
ومع تفجر أزمات خانقة في مناطق سيطرة النظام مؤخراً، شملت الكهرباء والغاز ووقود التدفئة والدواء وارتفاعاً غير مسبوق في الأسعار، طرحت الشبكة منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مشروع استبيان حول أداء الحكومة ومدى تقبّل أنصار النظام لسياساتها الاقتصادية.
بعد أيام قليلة، لوحظ توقف الشبكة عن العمل، وأكد نشطاء اعتقال الطير وعدد من العاملين فيها، قبل أن يتم الإفراج عن الجميع ما عدا «الطير» الذي التزم زملاؤه المفرج عنهم الصمت إزاء سبب توقيفهم ومصير ومكان اعتقال الطير، ولتعود الشبكة للعمل.
وسط تكتم النظام على أسباب اعتقال الطير ومصيره، علمت «الشرق الأوسط»، أن الاعتقال جاء «بعد استدعاء الطير من قبل أحد أجهزة الاستخبارات لعدة مرات بسبب انتقاداته للحكومة والطلب منه الكف عن ذلك لكنه كان يرفض، وآخر مرة كانت عقب طرحه مشروع الاستبيان واختفى بعدها».
مراسل قناة أخرى موالية لدمشق ويعمل في حلب، رضا الباشا، الذي يعيش حالياً خارج سوريا، بعد أن كان قد أوقفه النظام عن العمل بسبب انتقاده لعمليات «التعفيش» التي يقوم بها الجيش، كتب عبر حسابه في «فيسبوك»: «وسام غائب عن السمع، ولأسباب لا يعلمها إلا الخالق والراسخون في العلاقة مع الفرع الذي أوقفه»، وأضاف: «هل بقي صحافي في سوريا لم تدخلوه السجن؟ أي انتقاد للحكومة نهايته السجن والمعتقل».
بيد أن الصحافيين العاملين في مناطق سيطرة النظام التزموا الصمت وسيطرت عليهم حالة من الرعب، واقتصر تداولهم للقضية على الأحاديث الجانبية، ويقول أحدهم لـ«الشرق الأوسط» بعد اشتراطه عدم ذكر اسمه: «هي رسالة واضحة لجميع الصحافيين. الأمر لا يحتمل المجازفة»، ويضيف: «قبل الحرب كان (النظام) يفرض قبضة حديدية على كل شيء. الجيش. القضاء. الإعلام (...)، والآن يريد إعادة الكل إلى قبضته بعد رجحان الكفة لصالحه».
لكن الكاتب حسام جزماتي، كتب على حسابه في «فيسبوك» إنه علم من مصدر موثوق «أن الطير كان يبيع بعض المقاطع المصورة لصالح (دمشق الآن)، ضمن أذون العمل الممنوحة لها في مناطق النظام، لوكالة أخبار تمثل أحد التلفزيونات الغربية في بيروت»، الأمر الذي يعتبره النظام «خيانة» على اعتبار أن تلك التلفزيونات تتبع لدول يعتبر النظام الكثير منها «معادية» له.
ومع الغموض الذي يلف مصير الطير، أطلقت صفحات موالية وعائلته حملة واسعة على «فيسبوك» تناشد الأسد الكشف عن مصيره. وجاء في أحد منشورات والده محمد: «نناشد (...) الكشف عن مصير ولدنا (...) الذي اعتقلته وأخفته الأجهزة الأمينة، ومطلبنا معرفة أين هو؟ أو إخبارنا عن سبب اعتقاله، أو أن نراه على الأقل! فإن كان مذنباً فليحاكم وينل جزاؤه، وإلا فليطلق سراحه».
لكن والد الطير حذف المنشور السابق، وكتب منشوراً آخر، قال فيه: «هل حقاً كما أخبروني (لا تندهوا ما في حدا)؟ إن كان ذلك صحيحاً فباطن الأرض خير لي من ظاهرها»!



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.