احتدام الجدل في العراق حول الاتفاقيات مع الأردن

فتح منفذ طريبيل ينعش آمال المحافظات الغربية بالأمن والاستثمار

TT

احتدام الجدل في العراق حول الاتفاقيات مع الأردن

بعد يوم واحد من إعلان رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي ونظيره الأردني عمر الرزاز، فتح منفذ طريبيل الحدودي بين البلدين، تدفقت أمس عشرات الشاحنات الأردنية التي كانت تنتظر مثل هذه الساعة منذ سنوات. وفيما يحتدم الجدل السياسي والاقتصادي داخل الأوساط المختلفة في العراق بشأن جدوى الاتفاقية، إلا أن عبد المهدي لم يلتفت إلى هذا الجدل معتمداً، مثلما يرى المراقبون، على خبرته الاقتصادية الأكاديمية المتراكمة عبر عقود من الزمن باتجاه إخراج العراق من الاقتصاد الريعي باتجاه اقتصاد السوق.
وأكد عضو البرلمان العراقي عن محافظة الأنبار عبد الله الخربيط، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أهمية الاتفاقية التي وقعتها الحكومة العراقية مع الأردن، وبدء تدفق الشاحنات على الطريق الدولية الرابطة بين البلدين، قائلاً إن «هذه الاتفاقية تؤمن المزيد من فرص العمل لأهالي الأنبار، وتقضي على أي أمل بعودة الإرهاب، حيث كان الأمر يحتاج إلى اتخاذ قرارات جريئة من هذا النوع». وأضاف الخربيط أن «الأردن بدوره سوف يرفع التعاون الأمني مع العراق إلى أقصى حد، وسوف يسخر جهده الاستخباري لحماية الحدود الشرقية». وأوضح أن «العراق يستطيع أن يجعل الأردن وسوريا قريباً تابعين له اقتصادياً، ويفرض الأمن، ويوفر الأرواح والأموال، كما أن العراق سيكون مضطراً للالتزام بحصار إيران الذي يبدأ من الشهر المقبل، وإلا واجه عقوبات قاسية لا قبل له بها».
من جهته، أكد كريم هلال الكربولي، مقرر مجلس محافظة الأنبار، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «فتح منفذ طريبيل وبدء تدفق الشاحنات إنما هو بمثابة عهد جديد لأبناء محافظة الأنبار التي هي ثلث مساحة العراق وكذلك لباقي مناطق العراق كافة»، مبيناً أن «هذا الإجراء من شأنه أن يوفر آلاف فرص العمل لشباب المحافظة، وينشط السوق التجارية، وينعش أصحاب المحلات التجارية على طول الشارع الذي يمتد إلى أكثر من 500 كم». وأضاف أن «فتح هذه الطريق انتظرناه طويلاً، لكن كانت هناك إرادات تعطل العمل به، وبالتالي فإننا بذلك سنطوي صفحة الإرهاب، لأن البطالة في واقع الأمر هي الوجه الآخر للإرهاب».
في السياق ذاته، أكد حيدر الملا عضو البرلمان السابق والقيادي في «تحالف الإصلاح»، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الاتفاقية مع الأردن ستجعل العراق يربح كلفة الأمن في الأنبار، والبالغة سنوياً نحو 3 مليارات دولار، بالإضافة إلى مميزات الاستثمار، حيث تعطل الاستثمار في هذه المناطق الغنية بالثروات والموارد بسبب الإرهاب»، مبيناً أن «هناك مئات الأرواح تزهق نتيجة العمليات الإرهابية، وهو أمر آن الأوان أن ينتهي، فضلاً عن ضياع آلاف فرص العمل».
وبشأن الانتقادات التي توجه للاتفاقية لجهة إعفاء بعض البضائع الأردنية من الضرائب، يقول الملا إن «كلفة إعفاء الضرائب لا تتعدى الـ20 مليون دولار، وهي لعدد محدود من السلع والبضائع، بينما الأرباح مليارات الدولارات».
وكان وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني طارق الحموري، أعلن عن توقيع الجانبين العراقي والأردني أكثر من 7 اتفاقيات في مجالات التجارة والاقتصاد والخدمات والنقل والكهرباء والصحة. وقال الحموري في مؤتمر صحافي، إن «الجانبين اتفقا على تفعيل قرار مجلس الوزراء العراقي بإعفاء 393 سلعة أردنية من الجمارك وتخصيص أراض على الحدود للشركة الأردنية - العراقية، والبدء بإجراءات إنشاء المنطقة الصناعية الأردنية العراقية المشتركة». وبين أن «البضائع الأردنية المعفاة من الجمارك لا تنافس المنتجات العراقية».
وبخصوص الأنبوب النفطي بين البلدين، قال الوزير الأردني إنه «سيتم إجراء الدراسات الفنية اللازمة لوضع البدائل المناسبة لمرور أنبوب النفط، الذي سيمتد من البصرة إلى العقبة».
من جهته، رحب زعيم «ائتلاف الوطنية» إياد علاوي، بالاتفاقية الموقعة بين العراق والأردن. وقال علاوي في بيان إن «الاتفاقية الموقعة بين العراق والأردن جيدة، وهي خطوة إلى الأمام لتعميق العلاقة بين البلدين الشقيقين»، مبيناً أنها «جاءت متأخرة». وعد علاوي أن «العبرة تكمن في تنفيذ واستكمال الآليات اللازمة لإنجاح الاتفاقية التي تمت بين البلدين».
في مقابل ذلك، وصف النائب عن «تحالف البناء»، منصور البعيجي، قرار الحكومة العراقية بإعفاء بضائع الأردن الداخلة إلى العراق من الرسوم الجمركية ومد أنبوب نفط بالأمر الخطير وغير المقبول. وقال البعيجي في بيان إن «الحكومة العراقية اتخذت قرارات لا يمكن لمجلس النواب أن يسمح بها، كما أن مد أنبوب نفطي إلى الأردن وتصدير النفط بأسعار مخفضة وإعفاء بعضها أمر مستغرب».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.