الخصومة بين الكرة والتعليم ظاهرة تتزايد مع تدفق الأموال

أبرز اللاعبين في العالم غير مؤهلين دراسياً في ظل الثروات الخيالية لنجوم اللعبة

صلاح (رويترز)
صلاح (رويترز)
TT

الخصومة بين الكرة والتعليم ظاهرة تتزايد مع تدفق الأموال

صلاح (رويترز)
صلاح (رويترز)

ثمة علاقة عكسية بين التألق في ملاعب كرة القدم العالمية من جهة وبين التفوق الدراسي من جهة ثانية، إذ تشير الحقائق إلى أن أبرز نجوم كرة القدم العالميين غير مؤهلين تعليمياً، ولم يحملوا شهادات جامعية أو عليا. وقد يشعر البعض بالحيرة تجاه بعض النجوم الذين يمتلكون ذكاءً خارقاً داخل وخارج الملعب مكنهم من الوصول لهذا القدر الكبير من النجاح والشعبية والنجومية، بينما مستواهم التعليمي ضعيف جداً.
في مصر، لطالما اشتهر «معهد التعاون» في حي جاردن سيتي بوسط القاهرة، بأنه وجهة لاعبي كرة القدم المصريين للحصول على شهادة من أجل الوجاهة فقط، وعلى رأس هذه الأسماء نجم النادي الأهلي ومنتخب مصر سابقاً، محمود الخطيب، وأحمد شوبير حارس مرمى منتخب مصر والأهلي سابقاً، بالإضافة إلى التوأم الأشهر في الكرة المصرية، حسام وإبراهيم حسن.
وفي الأجيال الأصغر سناً، اتجه عدد من اللاعبين إلى أكاديميات خاصة على رأسها «مودرن أكاديمي» التي تخرج فيها نجما الزمالك حازم إمام وأحمد حسام (ميدو). أما النجم المصري الأشهر حالياً والمحترف في نادي ليفربول الإنجليزي، محمد صلاح، فلم يحصل بعد على شهادة «معهد الدراسات المتطورة» بشارع الهرم في الجيزة، الذي التحق به. وتبقى شهادات الدبلومات الفنية المتوسطة المؤهل الأساسي لغالبية اللاعبين، وأبرزهم عصام الحضري، وعمرو زكي ومدحت عبد الهادي، بجانب عدد أقل توقف تعليمه عند الشهادة الإعدادية أشهرهم نجم الزمالك محمود عبد الرازق (شيكابالا)، وعدد آخر أقل لا يعرف القراءة والكتابة.
ظاهرة التألق الكروي والضعف التعليمي لا تقتصر على مصر فقط، بل تمتد إلى الساحة العالمية، التي شهدت صعود نجم، بل ومولد أساطير بمجال الكرة لم ينالوا أي قسط من التعليم، وعلى رأسهم الأسطورة البرازيلية بيليه، ومواطنه رونالدينيو الذي فضل الكرة على التعليم، وكرس حياته للساحرة المستديرة بعمر الـ8 سنوات، والنجم الإيفواري ديدييه دروغبا. والأسطورة البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي اعترف أنه تعرض للطرد من المدرسة صغيراً لإلقائه أحد المقاعد على معلمه، الحادث الذي برره رونالدو بأن المعلم أهانه.
وعن رونالدو تحديداً، ذكر الناقد الرياضي المصري عمر عبد الله موقفاً كاشفاً عن تعليم رونالدو، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «أثناء محاكمة رونالدو بسبب قضية تهرب ضريبي عام 2017. عندما كان في صفوف ريال مدريد، كان أول ما دافع به عن نفسه أمام هيئة المحكمة، أنه شخص لم يصل سوى للمستوى السادس من التعليم وتحول كامل اهتمامه بعد ذلك لكرة القدم وحسب، وبالتالي فإنه لم يدرك العواقب القانونية لما فعله». وتضم القائمة كذلك الأسطورة الأرجنتيني ليونيل ميسي، الذي غرق في بحر كرة القدم منذ نعومة أظافره، بالإضافة إلى النجم البرازيلي نيمار.
من جانبه، يطرح الناقد الرياضي ياسر أيوب تفسيراً لهذا الظاهرة يحمل صبغة اجتماعية واقتصادية قائلاً: «كرة القدم تاريخياً هي لعبة الفقراء الذين يقاومون مظالم الدنيا بمواهبهم الكروية، وكل نجوم الكرة الكبار جداً كانت طفولتهم قاسية تفيض بالحرمان والوجع. ومنحتهم الموهبة الكروية الثأر من كل ذلك دون حاجة لأي أسلحة أخرى تساعدهم وتمدهم بالقوة». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «مع وصول نجوم الكرة لأحلامهم لا يحتاجون إلا للتعليم الأساسي للقدرة على القراءة والمتابعة البسيطة لأمور الحياة، حيث بات ترتيب أمور الفعاليات واللعب من مهمة وكلاء اللاعبين، فهم الذين يتابعون ويتفاوضون ويبحثون ويخططون».
بينما يرى الناقد الرياضي عمر عبد الله، الأمر من منظور مختلف بعض الشيء يتعلق بطبيعة رياضة كرة القدم، وقال: «الأمر يتعلق بطبيعة اللعبة نفسها، لأن مبارياتها أسبوعية ومتتالية وتدريباتها يومية، عكس ألعاب أخرى مثل السباحة ورفع الأثقال وألعاب القوى، التي تتسم بتباعد بطولاتها بدرجة كبيرة». ولفت إلى أن «تركيز اللاعب منذ صغر سنه على التدريب في مجال كرة القدم يكون كبيراً للغاية، ويبعده حتماً عن الدراسة، وهذا الأمر ليس في مصر فحسب، وإنما في كل دول العالم».
وتابع عبد الله: «ثمة سبب أساسي آخر يكمن في اضطرار اللاعب للتنقل يومياً بمعدل كبير للمشاركة في التدريبات والمباريات التي تقام مرة أو مرتين أسبوعياً، وبالتالي يتعذر انتظام اللاعبين في الدراسة». واستشهد عبد الله بنجم «الريدز»، محمد صلاح الذي قال عنه: «من المعروف أنه كان يضطر للسفر يومياً للسفر من مدينة بسيون في قلب الدلتا للقاهرة للمشاركة مع نادي المقاولين العرب، الأمر الذي نتج عنه عدم نيل النجم المصري قسطاً كبيراً من التعليم وحتى يومنا هذا لم ينجز دراسته بأحد المعاهد الخاصة».
إلى ذلك، فإن الرفض الشديد من جانب الآباء والأمهات لممارسة أبنائهم لعبة الكرة خوفاً من تشتت تركيزهم بعيداً عن الدراسة، قد تراجع بالتأكيد في السنوات الأخيرة في ظل الأخبار المتكررة حول الأسعار والثروات الخيالية لنجوم كرة القدم. ووصف أيوب هذا التحول بقوله: «حين كانت كرة القدم للهواة، كان لا بد من التعليم وشهاداته حتى بالنسبة لهؤلاء الذين يجيدون اللعب. وحين كانت كرة القدم مجرد لعبة، كان لعبها لا يصلح لأن يكون وظيفة أو مكانة اجتماعية مناسبة».
وأضاف: «لاعب الكرة في زمننا الحالي لم يعد مجرد نجم تسبقه شهرته، وإنسان يملك الكثير من المال الذي لا يطمح إليه أصحاب الشهادات الجامعية، إنما بات أيضاً يملك مكانة اجتماعية مميزة لأنه بعدما توغلت كرة القدم اجتماعياً وثقافياً أصبح نجومها من طبقة مميزة يخطب ودها الجميع». ويتفق معه عبد الله الذي أكد أن: «العائد المالي الكبير من احتراف كرة القدم، يصرف اللاعب عن التركيز على التعليم والاهتمام به».
الواقع الكروي العالمي، يشير إلى ضعف المستوى التعليمي للغالبية العظمى من اللاعبين. والواضح أن هذا الضعف التعليمي يحمل تبعات خطيرة ربما لا تتجلى إلا بعد فوات الأوان، فعلى سبيل المثال، تشير إحصاءات بريطانية إلى أن اثنين من كل خمسة لاعبين يسقطون في هوة الإفلاس في غضون خمس سنوات من اعتزالهم كرة القدم، بسبب افتقارهم إلى مستوى مناسب من التعليم يمكنهم من الاعتماد عليه.
وفي الولايات المتحدة، يفشل 5 من بين كل 10 لاعبين في الحصول على درجة جامعية رغم ارتياد الكثيرين منهم الجامعة لمدة تتراوح بين 4 و5 سنوات. وقد بدأت هذه الظاهرة في جذب الجهات المسؤولة إليها وتعالت دعوات في كثير من الدول لضرورة تنبيه لاعبي كرة القدم إلى أن كرة القدم الاحترافية بطبيعتها مجالها قصير الأجل ومتقلب، وبالتالي فإنه يتعين عليهم الاستعداد لحياتهم فيما بعد توديع الملاعب.
إلا أن الأمر ليس بالسهولة التي قد يبدو عليها، ذلك أنه إذا خيرت لاعباً في الـ18 من عمره بين الالتحاق بالجامعة أو عقد احتراف بملايين الدولارات، فإن الخيار الأخير يبدو المسار الطبيعي بالنسبة لمعظم لاعبي الكرة، خاصة أن كرة القدم تتطلب من اللاعب تكريس كامل وقته وجهده لها، وبالتالي تزداد صعوبة السير بمجال التعليم على التوازي مع كرة القدم.
وأكد أيوب على هذه الفكرة بقوله: «بعدما دخل الاحتراف عالم كرة القدم، وبدأ المال يتدفق قليلاً في البداية، ثم ازداد يوماً بعد يوم، لم يعد التعليم ضرورياً بكل شهاداته. والنادي الذي أصبح يدفع الكثير اليوم للاعبيه، لم يعد يقبل أن يغيب أحد اللاعبين لأنه يريد المذاكرة أو الاستعداد للامتحان». وقد انتبهت دول عدة إلى هذه المشكلة وسعت لفرض حلول لها. فعلى سبيل المثال، يفرض اتحاد كرة القدم الأميركي ضرورة حصول اللاعب على شهادة إتمام التعليم الثانوي كي يتمكن من تسجيل اسمه لدى الاتحاد. وافتتح الأسطورة البرازيلية بيليه نهاية العام الماضي مدرسة لتعليم كرة القدم في ريو دي جانيرو، من المقرر ألا يقتصر اهتمامها على تنمية مهارات الأطفال بمجال الكرة، وإنما تعزيز مستواهم التعليمي أيضاً.
في مصر، نجحت بعض الأسماء القليلة في تحطيم الصورة النمطية عن لاعب كرة القدم باعتباره بالضرورة صبي ضعيف دراسيا، ومن أبرز هؤلاء مجموعة تخرجت في كلية الطب منها أحمد عبد الله نجم الزمالك خلال التسعينيات، وأيمن زين لاعب نادي المقاولون السابق الذي جرى تعيينه العام الماضي طبيباً للمنتخب الأوليمبي، وكذلك الصيدلي أحمد فوزي، الذي تولى حراسة مرمى نادي بتروجت المصري، بعد أن بدأ مسيرته داخل النادي الأهلي، لكنه اضطر «للتضحية بالأهلي»، حسب قوله في تصريحات صحافية عام 2016. من أجل استكمال حلم التفوق الدراسي والتخرج في كلية الصيدلة.
ويظل منتخب آيسلندا الذي أبهر العالم بتأهله لنهائي بطولة كأس الأمم الأوروبية عام 2016، الاستثناء الأكبر لظاهرة الخصومة بين الكرة والتعليم ربما تتمثل في منتخب آيسلندا الذي أبهر العالم بتأهله لنهائي بطولة كأس الأمم الأوروبية «يورو 2016»، لأنه يضم في صفوفه 5 لاعبين أطباء بشريين، بينما المدرب هيمير هالجريمسون كان يعمل هو الآخر طبيب أسنان.


مقالات ذات صلة

«لا ليغا»: فالنسيا يغادر مؤخرة الترتيب بنقاط بيتيس

رياضة عالمية لاعبو فالنسيا يحتفلون بأحد الأهداف الأربعة في مرمى بيتيس (إ.ب.أ)

«لا ليغا»: فالنسيا يغادر مؤخرة الترتيب بنقاط بيتيس

كلّل فريق فالنسيا عودته إلى المنافسة عقب الفيضانات المدمرة في شرق البلاد، بفوز كبير على ضيفه ريال بيتيس 4-2.

«الشرق الأوسط» (فالنسيا)
رياضة عالمية ليفركوزن اكتسح ضيفه هايدنهايم بخماسية (أ.ف.ب)

«البوندسليغا»: ليفركوزن ودورتموند يستعيدان ذاكرة الانتصارات

استعاد فريقا باير ليفركوزن، حامل اللقب، وبوروسيا دورتموند نغمة الانتصارات في دوري الدرجة الأولى الألماني لكرة القدم (البوندسليغا).

«الشرق الأوسط» (ليفركوزن)
رياضة عالمية الإنجليزي هاري كين مهاجم بايرن ميونيخ الألماني (د.ب.أ)

كين: سأواجه الانتقادات «في أرض الملعب»

ردّ الإنجليزي هاري كين، مهاجم بايرن ميونيخ الألماني، على الانتقادات الموجَّهة إليه، قائلاً إنه سيتحدَّث «في أرض الملعب».

«الشرق الأوسط» (ميونيخ)
رياضة عالمية انتر ميلان سحق فيرونا بخماسية (رويترز)

«الدوري الإيطالي»: إنتر إلى الصدارة بخماسية في فيرونا

حقق إنتر ميلان فوزاً ساحقاً 5 - صفر على مضيفه هيلاس فيرونا السبت ليعتلي صدارة دوري الدرجة الأولى الإيطالي.

«الشرق الأوسط» (فيرونا)
رياضة عالمية كيليان مبابي مهاجم ريال مدريد (يسار) يسعى إلى العودة للتهديف (د.ب.أ)

أنشيلوتي: مبابي سيعود للتسجيل عاجلاً أم آجلاً

لم يسجل كيليان مبابي، مهاجم ريال مدريد المنافس في دوري الدرجة الأولى الإسباني لكرة القدم، أي هدف منذ أكثر من شهر.

«الشرق الأوسط» (مدريد)

مدرب ميلان: مباراة فينيتسيا لا تقل أهمية عن مواجهة ليفربول أو إنتر

باولو فونيسكا مدرب أيه سي ميلان (رويترز)
باولو فونيسكا مدرب أيه سي ميلان (رويترز)
TT

مدرب ميلان: مباراة فينيتسيا لا تقل أهمية عن مواجهة ليفربول أو إنتر

باولو فونيسكا مدرب أيه سي ميلان (رويترز)
باولو فونيسكا مدرب أيه سي ميلان (رويترز)

قال باولو فونيسكا مدرب ميلان المنافس في دوري الدرجة الأولى الإيطالي لكرة القدم الجمعة، إن الفوز على فينيتسيا بعد ثلاث مباريات دون انتصار هذا الموسم، بنفس أهمية مواجهة ليفربول أو غريمه المحلي إنتر ميلان.

ويتعرض فونيسكا للضغط بعدما حقق ميلان نقطتين فقط في أول ثلاث مباريات، وقد تسوء الأمور؛ إذ يستضيف ليفربول يوم الثلاثاء المقبل في دوري الأبطال قبل مواجهة إنتر الأسبوع المقبل. ولكن الأولوية في الوقت الحالي ستكون لمواجهة فينيتسيا الصاعد حديثاً إلى دوري الأضواء والذي يحتل المركز قبل الأخير بنقطة واحدة غداً (السبت) حينما يسعى الفريق الذي يحتل المركز 14 لتحقيق انتصاره الأول.

وقال فونيسكا في مؤتمر صحافي: «كلها مباريات مهمة، بالأخص في هذا التوقيت. أنا واثق كالمعتاد. من المهم أن نفوز غداً، بعدها سنفكر في مواجهة ليفربول. يجب أن يفوز ميلان دائماً، ليس بمباراة الغد فقط. نظرت في طريقة لعب فينيتسيا، إنه خطير في الهجمات المرتدة».

وتابع: «عانينا أمام بارما (في الخسارة 2-1)، لكن المستوى تحسن كثيراً أمام لاتسيو (في التعادل 2-2). المشكلة كانت تكمن في التنظيم الدفاعي، وعملنا على ذلك. نعرف نقاط قوة فينيتسيا ونحن مستعدون».

وتلقى ميلان ستة أهداف في ثلاث مباريات، كأكثر فرق الدوري استقبالاً للأهداف هذا الموسم، وكان التوقف الدولي بمثابة فرصة ليعمل فونيسكا على تدارك المشكلات الدفاعية.

وقال: «لم يكن الكثير من اللاعبين متاحين لنا خلال التوقف، لكن تسنى لنا العمل مع العديد من المدافعين. عملنا على تصرف الخط الدفاعي وعلى التصرفات الفردية».

وتابع فونيسكا: «يجب علينا تحسين إحصاءاتنا فيما يتعلق باستقبال الأهداف، يجب على الفريق الذي لا يريد استقبال الأهداف الاستحواذ على الكرة بصورة أكبر. نعمل على ذلك، يجب على اللاعبين أن يدركوا أهمية الاحتفاظ بالكرة».