العراق لا يزال بلد شعر لا رواية

محمد مهدي الجواهري  -  عبد الرزاق عبد الواحد
محمد مهدي الجواهري - عبد الرزاق عبد الواحد
TT

العراق لا يزال بلد شعر لا رواية

محمد مهدي الجواهري  -  عبد الرزاق عبد الواحد
محمد مهدي الجواهري - عبد الرزاق عبد الواحد

سأبدأ من حيث انتهت مقالة الشاعر فاضل السلطاني المنشورة يوم 28 - 1 - 2019 في جريدة «الشرق الأوسط»، المعنونة «زمن الشعر وليس الرواية... بريطانياً على الأقل»، حيث يقول: «ماذا عن أمة العرب التي تقول - أو كانت - إن الشعر ديوانها؟»، بعد أن خلص إلى أن بريطانيا ما زالت تمجد الشعر، وتشتري كتبه، وتتغنى بشعرائه، دون أن تأخذ الرواية مقعد الشعر، ما دفعني إلى تذكر الشعر العراقي من أول أيام بزوغه، في المنابر الخطابية، حاملاً إرث التشبه بالرائين، حتى انقسم إلى فريقين؛ الأول الفريق الحالم، الرومانسي، والعابر للحدود وهو يتوغل عميقاً إلى الدواخل، محاولاً سبر أغوار الحس الإنساني الشفاف، والثاني المتحمس والمباشر الذي يلاحق الشارع والسجون والأحداث السياسية الملتهبة. فكان لدينا الجواهري وهو يستبطن الدواخل ويلاحق الشارع، وهو استثناء لا يختلف عليه حتى كتاب النص النثري الحديث، وكان لنا الرصافي والزهاوي وهما يقدمان نظماً موزوناً يطفو على السطح في أغلب الأحيان، حتى أن درس الشعر العمودي لم تغلق أبوابه حتى اليوم، وما جعل الشعر العراقي يبرز إلى الواجهة دوماً منذ القرن الماضي هو غياب الأساليب الإعلامية الأخرى، فكان الشعر هو مسرح المشاهدة دون الحاجة إلى مستلزمات المسرح من ديكور وممثلين. هناك فقط شاعر وجمهور متطلع بعيون مترقبة لإلهاب الحماس، وأكف تشتهي التصفيق للتفاعل المباشر مع ما ينقله عنهم الشاعر بالنيابة، حتى أصبح حال لسانهم وموجه مسيرتهم. وهذه المكانة للشعر جعلته مطلباً ملحاً للأحزاب، بكل أطيافها من اليسار إلى اليمين، فأصبح لدينا شاعر يساري، وشاعر يميني، وحتى شاعر باسم حزبه، فهذا شاعر شيوعي، والآخر بعثي وقومي، وشهدت الساحة الشعرية وهي تعبر عتبة خمسينيات القرن الماضي مروراً بالستينيات وحتى نهاية القرن، تقلبات الشاعر من اليسار إلى اليمين، أو الارتحال إلى المنفى الأرحب حرية، المنفى الغربي.
الحال هذه وضعت الشعر وكأنه شاشة السينما والمسرح واللوحة والتلفزيون، والمتحدث باسم الجماهير، وهذا أهم عامل إثارة، وضع الشاعر في دائرة الأضواء، ما عرضه كثيراً للسجون والمضايقات، والحجر، ومتابعة كل ما يكتب بروح النبش خلف المعنى وتأويله، وياما فسر الشعر بغير ما سار به من اتجاه، وتعرض شاعره لكل أنواع التعسف.
والحال هذه تدفعني للاعتراف بصدق رؤيا السلطاني عن الشعر: «ما السر وراء هذه الحاجة للشعر... هو السر نفسه الذي يدفع البشر لقراءة الشعر منذ فجر البشرية، حين تضيع بوصلة الروح، وتسكن الوحشة في الأعماق منها، ويضيق العالم حتى يصبح بحجم الكف، وحين تتعثر الخطوات في أزقة لا تسكنها سوى الأشباح».
ترى هل لندن، مثل بغداد؟ أم أن الشعر واحد في كل الأصقاع؟ أم أن هناك أوجه تشابه كثيرة أغلبها كامنة في دواخل النفس البشرية بين الإنجليزي والعربي، حتى أن الشعر لم يمت عند كليهما؟ إنها أسئلة تحتاج إلى إجابات متنوعة ودراسات متفحصة. ما يهمنا في هذا المجال، أن الرواية العراقية ومنذ تشكل أصولها الفنية، لم تتعرض للمواجهة مع السلطة، كما تعرض الشعر للملاحقة، فكان الشاعر وشعره الأكثر غلبة في الظهور، حتى وإن لم ينتم الشاعر لجهة سياسية معينة، وهو أول من تجرفه العاصفة وتقذف به خلف القضبان، أو تتم مساومته ليكون مع جهة معينة، بضغوط مختلفة لكي ينحني للعاصفة، وحكايات عن السياب والرياح التي تعرضت لسفنه الشعرية، والانقسام بشأن الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد، وتقلباته من «خيمة على مشارف الأربعين»، وصولاً إلى القصائد الممجدة للحروب التي تلوي الشعر وتطوعه قسراً. ما زال العراق بلد شعر، لا رواية، والشاعر تحت بقعة الضوء، بينما الراوي يخفي في ثنايا السرد تمهله ورويته، على عكس الشاعر، الذي يفور إحساساً مباشراً، يقذف بلهب الإحساس، ولديه متلق متلهف للشعر لكي يصعد كفيه بالتصفيق، ولا يزال الشاعر يراقب عيون الحضور ليرى مدى تأثيره عليهم.



كاتدرائية نوتردام الفرنسية تتعافى من الحريق... وتكشف عن هيئتها الجديدة للعالم

جانب من كاتدرائية نوتردام دو باريس في باريس، بعد ترميمها، 29 نوفمبر 2024 (رويترز)
جانب من كاتدرائية نوتردام دو باريس في باريس، بعد ترميمها، 29 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

كاتدرائية نوتردام الفرنسية تتعافى من الحريق... وتكشف عن هيئتها الجديدة للعالم

جانب من كاتدرائية نوتردام دو باريس في باريس، بعد ترميمها، 29 نوفمبر 2024 (رويترز)
جانب من كاتدرائية نوتردام دو باريس في باريس، بعد ترميمها، 29 نوفمبر 2024 (رويترز)

بعد أكثر من 5 سنوات من أعمال ترميم واسعة، كشفت كاتدرائية نوتردام في العاصمة الفرنسية، باريس، عن هيئتها الجديدة للعالم، اليوم الجمعة، بعد تعرضها لحريق مدمر عام 2019.

تُظهر هذه الصورة مذبح الكنيسة الذي صممه الفنان والمصمم الفرنسي غيوم بارديه، في قلب كاتدرائية نوتردام دو باري في باريس، 29 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

جاء ذلك خلال الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى موقع البناء ليشاهد بنفسه التصميمات الداخلية التي تم ترميمها قبل إعادة افتتاح الكاتدرائية الشهيرة في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

ويتم بث زيارته التي تستمر ساعتين على الهواء مباشرة. وتظهر أعمال حجرية تم ترميمها وألوان نابضة بالحياة، وغيرها من ثمار جهود إعادة الإعمار الهائلة، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون محاطاً برئيس مؤسسة «إعادة بناء نوتردام دو باري» العامة وبرئيس أساقفة باريس يزور كاتدرائية نوتردام دو باري في باريس، 29 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

دخل ماكرون عبر الأبواب الأمامية العملاقة للكاتدرائية والمنحوتة بدقة، وحدّق في الأسقف بدهشة. وكان برفقته زوجته بريجيت ورئيس أساقفة باريس وآخرون.

وانضم ماكرون إلى مجموعة تضم 700 من الحرفيين والمهندسين المعماريين وكبار رجال الأعمال والمانحين، وأشاد بالحرفية والتفاني وراء جهود الترميم.

السيدة الأولى الفرنسية بريجيت ماكرون، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس مؤسسة «إعادة بناء نوتردام دو باري» العامة فيليب جوست، ووزيرة الثقافة والتراث الفرنسية رشيدة داتي، ورئيس أساقفة باريس لوران أولريش يزورون كاتدرائية نوتردام دو باري في باريس، 29 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

ومن المقرر أن يعود ماكرون في السابع من ديسمبر لإلقاء خطاب وحضور تدشين المذبح الجديد خلال قداس مهيب في اليوم التالي.

وتأتي زيارة ماكرون بمثابة بداية لسلسلة من الأحداث التي تبشر بإعادة افتتاح التحفة القوطية التي تعود إلى القرن الثاني عشر.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيت برفقة رئيس مؤسسة «إعادة بناء نوتردام دو باري» العامة فيليب جوست، يزورون كاتدرائية نوتردام دو باري في باريس، 29 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وترى إدارة ماكرون أن إعادة الإعمار تمثل رمزاً للوحدة الوطنية والقدرة الفرنسية.