الجنوب الليبي... مواطنون فقراء في إقليم غني

نزاعات قبلية دفاعاً عن {مُكتسبات} ما بعد القذافي

الجنوب الليبي... مواطنون فقراء في إقليم غني
TT

الجنوب الليبي... مواطنون فقراء في إقليم غني

الجنوب الليبي... مواطنون فقراء في إقليم غني

لم يتحمل إقليم في ليبيا مثلما تحمل الجنوب المعروف تاريخياً بإقليم فزّان، الذي يمتلك ثروات نفطية وموارد بشرية وطبيعية غير عادية. فالإقليم يعاني منذ إسقاط نظام القذافي حالة من التجاهل والتهميش، والاستقطاب أيضاً بين الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي ما ساهم في تشرذمه، وزاد من نسبة فقره مواطنيه.
وخلال السنوات الثماني الماضية، عاشت قبائل الإقليم حروباً طاحنة على أسس عرقية، ساعد عليها امتلاكهم للسلاح المتوسط والثقيل بشكل واسع، إما دفاعاً عن توسيع نفوذ أو مكتسبات حصلوا عليها بعد سقوط النظام القديم، أو إيفاء لثأر قديم تحييه مجرد خلافات عابرة. وهكذا بات مألوفاً اندلاع اشتباكات بين قبائل التبو وأولاد سليمان، أو التبو والزوية، أو الطوارق والتبو، من دون توقف. القتال هناك يندلع لأقل الأسباب، لكنه يحصد أرواح العشرات في أزمنة قياسية. وحقاً، لم يكد يمضي عام واحد على الانتفاضة الليبية 2011، حتى اندلعت مواجهات عرقية دامية بين أولاد سليمان والتبو – الذين يمتدّون في تشاد والنيجر وشمال غربي السودان – في نهاية مارس (آذار). وكان ذلك أثر حادث قُتل فيه أفراد عدة من الجانبين، وعُرف وقتها بـ«قاعة الشعب»، مقر اجتماعات المجلس العسكري بمدينة سبها.

وتعدّ قبيلتا أولاد سليمان والتبو من أكبر الجماعات في الجنوب. الأولى ظلت لسنوات متحالفة مع القوة الثالثة والتابعة لوزارة الدفاع بحكومة الوفاق الوطني والمكلفة بتأمين الجنوب، بينما الثانية موالية للجيش الوطني في شرق البلاد. معقل أولاد سليمان في مدينة سبها، التي تتقاسم فيها النفوذ مع قبائل أبرزها القذاذفة والمقارحة، بينما يكثر التبو - الذين يوصفون بأنهم من أصول غير عربية - ويمتدون في الكفرة وربيانة على الحدود مع تشاد بجنوب شرقي ليبيا، وفي أوباري والقطرون وأم الأرانب ومرزُق في الجنوب الغربي للبلاد.
ويوصف التبو في ليبيا، بأنهم أكثر قرباً من حكومة طبرق (شرق البلاد)، في حين يعتبر خصومهم العرب والطوارق في فزّان والكفرة أكثر قرباً من حكومة طرابلس. كذلك يتهم الطوارق الفرنسيين بأنهم يفضلون التبو عليهم، وبأنهم يتساهلون أكثر مع حركة التهريب عند الأخيرة منه لدى الطوارق.
ولا توجد في ليبيا بيانات إحصاء وافية عن الأعداد الإجمالية للتبو، لكنها تقدّر بـ350 ألفاً، وفق تقدير سابق لمركز كارنيغي عام 2012. وهم ينتشرون حالياً في جنوب شرقي ليبيا، بالإضافة إلى انتشارهم في شمال تشاد والنيجر، والواقع أن هذه القبيلة تسيطر بشكل فاعل على جزء كبير من المناطق الحدودية في الجنوب، التي تمتد من واحة الكفرة في أقصى الشرق إلى القطرون والويغ جنوبي سبها. وعليه ظل سكان تلك المنطقة، المتاخمة لحدود دول أفريقية يشكون الإقصاء والتهميش، والغياب التام للدولة، مع حرص غالبية قبائلها على الاحتفاظ بـ«سلاح ردع» لحماية مكتسبات ما بعد القذافي، و«مواجهة الآخر» إذا استدعت الظروف ذلك.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
TT

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)

تُعَدُّ الشراكة بين السعودية والصين فرصة كبيرة لتعزيز التعاون في مجالات حيوية عدة. إذ يوفر التعاون في الطاقة النظيفة والابتكار التكنولوجي فرصاً لدعم أهداف السعودية في تحقيق «رؤية 2030» وزيادة استخدام الطاقة المستدامة، كما أن الاستثمار في مشاريع كبرى مثل «نيوم» يفتح آفاقاً واسعة للتنمية المستدامة ويعزز من النمو المشترك.

في مجالات التكنولوجيا والابتكار، يعزّز التعاون في قطاعي الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية من قدرة السعودية على تحقيق أهدافها التكنولوجية، ويقوّي الروابط الاقتصادية بين البلدين، ومن جهة أخرى، يعزز التبادل الثقافي والتعليم من العلاقات الإنسانية ويزيد من التعاون بين الشعبين.

مع هذا، تواجه الشراكة تحدياتٍ قد تؤثر على العلاقات الثنائية، وتشمل هذه التحديات التوترات الجيوسياسية الدولية التي تتطلب مزيداً من الحكمة والروية من أجل درء تعارض المصالح، والتقلبات الاقتصادية العالمية التي قد تؤثر على حجم التبادل التجاري والاستثمارات. ولا شك أن الاختلافات الثقافية والسياسية تستوجب تعزيز الحوار والتفاهم، كما يتطلب تحقيق التنمية المستدامة التنسيق بين المشاريع المشتركة وضمان توافقها مع معايير البيئة.

مستقبلاً، يتوقع أن يزداد التعاون في الطاقة النظيفة - وتقف مشاريع مثل «نيوم» حافزاً كبيراً لتعزيز الاستثمارات الصينية في المملكة -، كذلك عبر تكثيف الفعاليات الثقافية والتبادلات التعليمية، يؤمل تمتين الروابط بين الشعبين، ويمكن أن يشمل التعاون المستقبلي المجالات الأمنية مثل مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني لتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي. وحقاً، من شأن دعم السعودية مبادرة «الحزام والطريق»، الإسهام في تعزيز البنية التحتية والنقل بين الصين والشرق الأوسط، مع الأخذ في الحسبان تكيّف الشراكة مع التحديات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية باعتماد استراتيجيات مرنة.

إن العلاقات السعودية الصينية اليوم نموذج للشراكة الاستراتيجية المتكاملة التي تستند إلى المصالح المشتركة والرؤية المستقبلية، ومع مواصلة تطوير هذه الشراكة يتوقع أن تشهد العلاقات بين البلدين مزيداً من النمو في مختلف المجالات؛ ما يخدم مكانتيهما على الساحة الدولية. وأخيراً، إن الشراكة بين السعودية والصين لا تقتصر على تعزيز العلاقات الثنائية فحسب، بل تمتد لتسهم في استقرار الاقتصاد العالمي وتنميته بشكل عام. إذ تجسّد هذه الشراكة نموذجاً ناجحاً للتعاون الدولي القائم على تحقيق مصالح مشتركة؛ مما يساهم في تعزيز السلم والاستقرار العالميين. وهنا تبرز خصوصاً الرؤية الاستراتيجية عند البلدين والتزامهما بالابتكار والتعاون ليفتحا أبواباً جديدة للتنمية والتفاهم والتعاون بين مختلف الشعوب والثقافات.