وسط زخم المُنتجات المتنوعة في معرض «ديارنا» للصناعات اليدوية، المُقام حالياً في القاهرة، تلتقي قطعاً خزفية تُبرز على سطحها ملامح من تاريخ مصر، غير المألوف كثيراً تداوله بين أدوات المائدة.
على رأس تلك الرّسوم تجد «وجوه الفيوم»، التي تعتبر إحدى أيقونات الفن إبان الوجود الرّوماني في مصر، وكذلك تجد أحد أبرز حُكّام مصر القديمة «أخناتون». القطع من تصميم كل من الدكتور عبد الحميد عامر والدكتورة مي علي ندا، وهما زوجان قرّرا دمج تخصصاتهما الفنية في كل من الخزف والرسم، وخبرتهما في هذين المجالين، لابتكار مشروع فني جديد، فالزوج مُتخصص في دراسة الخزف، والزوجة تُدرّس الرّسم في قسم الإعلان بكلية الفنون التطبيقية. بدأ عملهما المشترك قبل عامين، بعد أن أسّسا مشروعهما المُعتمد على الرّسم على الخزف، وله أكثر من اتجاه فنّي، وإن كانت الوجوه التاريخية أبرزها.
تقول الدكتورة مي علي ندا لـ«الشرق الأوسط»، «بدأ زوجي بمشروع صناعة الخزف، واقترح عليَّ أن أشاركه التجربة بالرسم على الخزف، وكان الأمر في البداية صعباً جداً بالنّسبة لي، لا سيما فيما يتعلق باستخدام الألوان التي تُناسب الخزف، التي تختلف كُلّياً عن ألوان اللوحات الزيتية التي من السّهل التعامل معها».
مي علي ندا، هي أستاذة مساعدة في قسم الإعلان كلية الفنون التطبيقية، ورسّامة تستخدم ألوان الزيت والحرق على الخشب بالإضافة إلى الخزف. قدّمت أكثر من معرض تشكيلي ما بين فردي وجماعي، من بينها معرض «وجوه» الذي أقامته في المملكة العربية السعودية، ومعرض «12 - 12» في القاهرة، وغيرهما.
تقول مي إنّ علاقتها بالرسم بدأت منذ الطفولة، وإنّ فن البورتريه هو الأقرب لها، وهو ما يجعلها تجنح لرسمه على الخزف أيضاً، وتعليقاً على اختيارها للشّخصيات المستوحاة من التاريخ المصري للرّسم على الخزف تقول إنّ «ما من فنان أو مُحبّ للفن لا يكنّ محبة خاصة لكل من (وجوه الفيوم) وأخناتون تحديداً، فـ(وجوه الفيوم) هي من علامات الفن الذي يدمج الفن الفرعوني والإغريقي، أمّا أخناتون فقد أُعيد في عصره تشكيل الفن ومقاييسه التقليدية». ويُطلق على «وجوه الفيوم» كذلك تعبير «مومياوات الفيوم» نسبة إلى مجموعة من اللوحات الشّهيرة لشخصيات رُسمت على توابيت مومياوات في محافظة الفيوم إبّان العصر الرّوماني في مصر، وهي مُستوحاة من اعتقاد الخلود والبعث في مصر القديمة، الذي يتصور تعرف الروح على صاحبها من خلال رسوم تلك الوجوه على سطح التوابيت، وتُعرض «وجوه الفيوم» في أكثر من متحف حول العالم، من بينها المتحف المصري ومتحف «اللوفر» في باريس، والمتحف البريطاني في لندن.
وفيما إذا كانت تلك الاختيارات الفنّية التاريخية تلقى احتفاء من الجمهور، تُجيب مي ندا: «لا نهتمّ بالجماهيرية السّريعة، ولا بالانتشار الكبير، نعلم من اللحظة الأولى أنّ جمهورنا خاص ومُحب للفن أكثر من ثقافة الاستهلاك». الدكتور عبد الحميد عامر، المُتخصص في دراسة الخزف بعد دراستها في كلية الفنون التطبيقية، يعتبر أنّ مرحلة تحويل مشروعه من الخزف إلى فنون استخدامية مثل الأطباق والأكواب من المراحل التي استغرقت منه ومن زوجته فترة طويلة للإعداد، لضمان تميّز معروضاتهما، يقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إنّهما يعتبران أنّ ثيمة مشروعهما هي «الفن للحياة»، بمعنى تطويع الفن الرّاقي ضمن استخدامات الحياة بشكل عام بما في ذلك أواني الطّعام والشّراب. ويعتبر الدكتور عبد الحميد أنّه إلى جانب الخط التاريخي الذي يُميّز مشروعهما، فإنّهما يُبرزان كذلك مسار الطبيعة الرّيفية، ويقول إنّ زوجته تستوحي من المناظر الطبيعية، وأهالي قريته في محافظة الأقصر، كثيراً من الإلهام لها كرسامة.
ويعتبر أنّ مشاركتهما في المعارض الفنية التي تستهدف الحرف اليدوية والتراثية، تعتبر نافذة جيّدة للتّعريف بمنتجاتهما وتسليط الضوء عليها، والاقتراب من الجمهور الذي يبحث عن الفن اليدوي بشغف. وكانت وزيرة التضامن الاجتماعي في مصر غادة والي، قد أكّدت خلال افتتاح معرض «ديارنا» السّعي لإطلاق استراتيجية دعم الحرف اليدوية والتراثية والتقليدية، من خلال فرص تسويقيّة وتدريبية وتمويليّة لتحقيق معدّلات نمو هذه الحرف وانتشارها والحفاظ عليها من الاندثار، مؤكّدة أنّ وزارتها نجحت من خلال معرض «ديارنا» في تحقيق مبيعات اقتربت من 37 مليون جنيه خلال الـ4 سنوات الماضية.
قطع من الخزف للطعام والشراب تُصوّر حكايات من تاريخ الفن في مصر
منها «وجوه الفيوم» و«وجه أخناتون»
قطع من الخزف للطعام والشراب تُصوّر حكايات من تاريخ الفن في مصر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة