قد تكون فكرة تشكيل الفرق الموسيقية في مناطق مختلفة من العالم أمرا مألوفا وعاديا، غير أنه ليس كذلك في فلسطين المحتلة ومخيمات لاجئيها، فالحياة هناك عبارة عن كابوس يلاحق الناس. لكن على الرغم من الظروف القاسية التي يعيشها الناس في الضفة الغربية وقطاع غزّة، برزت نماذج مبدعة في المجالات الفنية والإنسانية كلها.
مجموعة فتيات من مخيم الدهيشة للاجئين في مدينة بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة، تتراوح أعمارهن بين 17 و19 عاماً، هي من تلك النماذج التي نجحت أفكارها في تجاوز أسوار المخيم، فقد شكلن أول فرقة "ناعمة" تؤدي فن الراب في فلسطين.
داليا رمضان ، صوفيا العيسة، نادين عودة، ديالا شاهين، هنّ الفتيات اللواتي تتكوّن منهن الفرقة التي اختارت فن الراب دون غيره لأنّه من أنواع الموسيقى العالمية المنتشرة بشكل كبير لدى الشعوب التي تتعرض للاضطهاد العنصري.
*مساحة للحرية
على فكرة واحدة اجتمعت الفتيات قبل أعوام، ليحاولن من خلال هذا الفن أداء أغنيات وطنية معبرة عن رفضهن للظلم الواقع عليهن وعلى سكان المخيمات، وإيصال رسائلهن إلى العالم وتبيان تفاصيل الحياة الصعبة التي يكابدها الفلسطينيون يوميا بسبب ظروف الاحتلال والإغلاق والحصار.
تقول ديالا شاهين، من أعضاء الفرقة، لـ "الشرق الأوسط": "الراب من الفنون التي تمنح الإنسان مساحة جريئة للتعبير عن ذاته وآرائه بطريقة عصرية وسلسة، لهذا السبب اخترناه". وتضيف: "كنّا أنا وعدد من الفتيات نذهب بشكل دوري إلى المراكز الثقافية والفنية في المخيم، في محاولة للبحث عن متنفس والابتعاد عن روتين الحياة".
وتوضح ديالا أنّها والفتيات أصبحن مع الوقت كثيرات الاطلاع والمشاهدة للأعمال الفنية والثقافية، وكان من بين تلك الأعمال أغاني راب أنتجها عدد من الفنانين الفلسطينيين للتعبير عن مشاكلهم وحالاتهم المختلفة. "في البداية خضنا تجربة كتابة الكلمات للأغاني بمساعدة مجموعة أشخاص أصحاب خبرة ومعرفة، وكانت كتاباتنا باللغتين العربية والإنجليزية، وجربنا أن نغني تلك الكلمات أمام الجمهور، ونلنا آنذاك تحفيزا وتشجيعا كبيرين".
وتشير شاهين إلى أنّهنّ انتقلن بعد ذلك إلى التفكير في أعمال أكثر جودة وحرفية، وساندهن في ذلك بشكل أساسي المدرب محمد عزمي من مؤسسة "شروق" ومؤسسة "موسيقيون بلا حدود"، والمدرب نديم العيسة الذي وفر لهن الظروف المناسبة لإنتاج أعمال في استوديوهات مجهزة بتقنيات عالية.
*عروض وحفلات
تمكنت الفتيات خلال السنوات الماضية من تقديم عدد كبير من العروض، منها عرضان عام 2015 في الولايات المتحدة، وتلاهما عرض في فرنسا وآخر في إيطاليا وعروض محلية. وأنتجت فرقة "شروق" عام 2017 ألبوما تحت عنوان"رحلة" عالج في مضمونه قضايا وطنية مختلفة.
يقول مدرب الفرقة نديم العيسة: "توافرت لدى الفتيات مجموعة مقومات نفسية ومادية ساهمت في وصولهن إلى هذه المرحلة، أهمها شعورهن الداخلي بالرغبة في الحديث والتعبير عن ذواتهن، إضافة إلى دعم معنوي من الأهل والأصدقاء، ودعم المؤسسات عبر توفير الإمكانات اللازمة".
يذكر أنّ الفتيات يركزن في كلّ أعمالهن على الواقع كونهن جزءا منه، فالاعتقالات الليلة التي ينفذها الجيش الإسرائيلي، وغاز القنابل، والرصاص، وأصوات أمهات الشهداء، هذه كلها معانٍ حاضرة في أغاني الفتيات.
وعن نظرة المجتمع تقول نادين عودة إنهن لمسن تقبّلاً ودعماً من مختلف الفئات، لأن الجميع يرى فيهنّ أملاً وصوتاً عالياً يحكي همومهم وأوجاعهم، وقصة اللاجئ الحالم بالعودة إلى دياره.
وترى عودة أنّ العائق الأكبر الذي يقف أمامهن هو العمر، فالمجتمع يتقبل جدا فكرة خوض الفتاة للمجالات الفنية في سن الطفولة وقبل المرحلة الجامعية، لكنّه بكلّ تأكيد سينقسم بين المؤيد والمعارض بعد أن يتجاوزن ذلك.
*من «مبادرة المراسل العربي»