{مجلس الأمن} التركي يناقش عملية منبج

أنقرة تسعى إلى «ترتيب أوضاع إدلب»

TT

{مجلس الأمن} التركي يناقش عملية منبج

واصلت أنقرة اتصالاتها مع واشنطن حول ملف الانسحاب الأميركي من سوريا وإقامة المنطقة الآمنة التي اقترحها الرئيس دونالد ترمب، أخيراً، على حدود تركيا. كما بحث مجلس الأمن القومي التركي في اجتماع برئاسة الرئيس رجب طيب إردوغان، أمس (الأربعاء)، مجمل التطورات في سوريا، خصوصاً الوضع في إدلب، والتحضيرات الجارية للعملية العسكرية المحتملة في منبج وشرق الفرات، إلى جانب الانسحاب الأميركي والمنطقة الآمنة.
وذكرت مصادر قريبة من الاجتماع أن المشاركين فيه أكدوا عزم تركيا على الاستمرار فيما تسميها «جهود مكافحة الإرهاب والعمل على تطهير شمال سوريا من التنظيمات الإرهابية ومنع إقامة ممر إرهابي على الحدود الجنوبية للبلاد وإنهاء وجود (وحدات حماية الشعب) الكردية في المنطقة». وأضافت أن المجلس أكد «الاستمرار في التنسيق والتشاور مع مختلف الأطراف المعنية بالملف السوري».
وعشية الاجتماع، أجرى المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين اتصالاً هاتفياً مع مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، ليلة الثلاثاء - الأربعاء، لبحث ملف الانسحاب الأميركي والمنطقة الآمنة. وقالت وكالة أنباء «الأناضول» التركية الرسمية إنهما اتفقا خلال الاتصال على «تعاون وثيق» بين البلدين لإقامة المنطقة الآمنة شمال سوريا.
وأضافت أن كالين وبولتون اتفقا كذلك على مواصلة التنسيق بين البلدين بشأن انسحاب القوات الأميركية من سوريا، وتفعيل خريطة الطريق الموقعة بينهما في منبج. وأعلن الرئيس التركي أن بلاده تعتزم إقامة منطقة آمنة على طول حدودها شمال سوريا، بعمق 20 ميلاً (32 كيلومترا) بحسب مقترح للرئيس الأميركي.
في غضون ذلك، واصلت تركيا إرسال تعزيزات عسكرية إلى حدودها مع سوريا من جهة محافظة إدلب، في إطار التدابير الأمنية التي تعمل عليها منذ أشهر. ووصلت أمس 20 ناقلة جند مدرعة تابعة للجيش التركي إلى هطاي، وانتشرت على الحدود مع سوريا من جهة محافظة إدلب.
وتأتي هذه التعزيزات بعد توسع «هيئة تحرير الشام»، التي تسيطر عليها «جبهة النصرة» سابقاً، على حساب «الجيش الحر» في إدلب، حيث تمكنت من السيطرة على كامل المناطق التي كانت تحت سيطرة «الجبهة الوطنية للتحرير»، وسط غموض في الموقف التركي. ولم تتمكن الفصائل العاملة في المحافظة من الاحتفاظ بمواقعها رغم التهديدات التي أطلقتها في بداية هجوم «تحرير الشام».
وكان الجيش التركي أجرى مناورات وتدريبات على الحدود مع سوريا، في 14 يناير (كانون الثاني) الحالي، من جهة ولاية هطاي، بعد وصول تعزيزات ضخمة له على مدار الشهرين الماضيين. وكانت تركيا توصلت إلى اتفاق مع روسيا، في 17 سبتمبر (أيلول) الماضي خلال اجتماع بين رئيسي البلدين في سوتشي، نص على إنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب والقضاء على الجماعات المتشددة بداخلها.
وفي السياق ذاته، كشفت تقارير تركية عن خريطة تسعى أنقرة إلى تنفيذها في محافظة إدلب بعد توسع سيطرة «هيئة تحرير الشام».
ونقلت صحيفة «يني شفق» التركية، عن مصادر وصفتها بـ«المطلعة» في المعارضة السورية، أن نحو 15 ألف عنصر من «هيئة تحرير الشام» سينضمون إلى «الجيش الوطني»، بعد إنشاء المنطقة الآمنة التي تسعى إليها تركيا. ولفتت المصادر إلى أن إدلب ستشهد تقسيماً سياسياً وعسكرياً، بحيث يكون التمثيل السياسي لفصيل «فيلق الشام» المدعوم من تركيا، والعسكري لـ«هيئة تحرير الشام». كما كشفت «يني شفق» عن اجتماع لقيادات من حركة «نور الدين الزنكي» مع قيادات تركية رفيعة المستوى، لتحديد خطة عمل لإعادة إحياء الحركة بعد أن أُجبرت على الانسحاب نحو عفرين.
ووفقاً للصحيفة؛ ناقشت تركيا شروط إعادة هيكلة الحركة، وحل الصف الأول، وإعطاء رواتب شهرية لعناصر الحركة المنضمين إلى «الجيش الوطني» وعددهم نحو ألفي عنصر. ونقلت الصحيفة عن معارض سوري تفاصيل الخطة التي أعدت بالاشتراك مع تركيا، حيث قال إن إعلان الحكومة المركزية لـ«غصن الزيتون» ومنطقة «درع الفرات» سينفذ، وإنه سيتم تطوير هيكل الحكومة المؤقتة السورية الحالية وجميع المجالس المحلية.
وأشار إلى أنه «على مساحة 20 ألف كيلومتر مربع مع إدلب لن ترفرف راية سوى راية (الجيش السوري الحرّ)، كما سيزيد عدد الجيش الوطني من 35 ألفاً إلى 80 ألفاً، عبر تشكيل هياكل منضبطة ومنظمة». وأضاف المصدر أن الحديث يدور حالياً حول إمكانية تبديل قادة الصف الأول في «حركة الزنكي»؛ وأبرزهم توفيق شهاب الدين، وتعيين قادة جدد بدلاً منهم. وكان شهاب الدين نشر سلسلة تغريدات، السبت الماضي، رد فيها على اتهامات قائد «تحرير الشام»، أبو محمد الجولاني، بالتواصل مع روسيا في ريف حلب، وقال إن «(حركة نور الدين الزنكي) كانت وستبقى جنداً أوفياء لثورة الشام ومبادئها، لا يضرها من خذلها»، في إشارة إلى بقاء جسم الفصيل كما هو خلافاً للحديث عن حله.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.