ليس سراً أن باريس لم تكن يوماً راغبة في استعادة المتطرفين من مواطنيها أو من الذين كانوا مقيمين على الأراضي الفرنسية وتوجهوا إلى سوريا والعراق للقتال إلى جانب «داعش»، ذلك بسبب التخوف من «العدوى» التي يمكن أن يتسبب بها هؤلاء أكانوا رجالاً أو نساءً، إنْ داخل السجون أو خارجها أو بسبب ما يمثلونه من تهديد أمني إرهابي مع ما اكتسبوه من خبرات قتالية وتفجيرية.
والخوف نفسه يعتري السلطات الأمنية الفرنسية من المتطرفين الذين سيخرجون من السجون الفرنسية بالعشرات في الأشهر القادمة بعد أن انقضت أحكامهم.
ولذا، فإن السلطات كانت تفاوض فقط على استعادة الأطفال الموجودين مع أمهاتهم في مراكز اعتقال شمال شرقي سوريا. وعندما دعا «مجلس سوريا الديمقراطية» البلدان التي لديها مواطنون معتقلون لاستردادهم، أفرد الأكراد لفرنسا معاملة «خاصة»، إذ لم يقدموا لها الطلب نفسه نظراً إلى حساسية هذا الملف فرنسياً، ورغبةً في عدم إحراج سلطاتها التي كانت تريد أن يحاكَم متطرفوها حيث هم. وبعكس العراق، كان الشق السوري يطرح على فرنسا إشكالية قانونية، إذ إن المنطقة الكردية ليس لها وجود قانوني يمكّنها من محاكمة المتطرفين، كما أن باريس لا ترغب أن يُسلَّم مواطنوها للسلطات السورية.
لكن ما لم ترده باريس بتاتاً هو الآن على وشك الوقوع. فسلطات الأمر الواقع في الشمال السوري تتهيأ للتغيرات التي ستحصل في الأسابيع والأشهر القادمة وعنوانها انسحاب القوات الأميركية، وبات مصير المعتقلين مع أسرهم على نارٍ حامية، ولم يعد بوسع باريس التسويف في التعامل معها.
في هذا السياق، يتعين وضع تصريحات وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستانير، والناطقة باسم الخارجية آنييس فون دير مول، أمس، وما يفهم من كليهما من أن خيارات باريس قد ضاقت تماماً ولم يعد أمامها من مفر سوى قبول تسلم متطرفيها لتلافي تفرقهم وتشتتهم، بما يمثله أمر كهذا من مخاطر أمنية وإرهابية. وأمس، تناول وزير الداخلية، في حديث صحافي إلى القناة الإخبارية «بي إف إم تي في» هذا الملف، ومما قاله إن «الأميركيين ينسحبون من سوريا وهناك أشخاص معتقلون وما زالوا رهن الاعتقال لأن الأميركيين موجودون هناك وسيتم إخلاء سبيل هؤلاء الذين سيرغبون بالعودة إلى فرنسا». وحسب كاستانير، فإن هؤلاء الأشخاص «هم فرنسيون قبل أن يكونوا متطرفين، والذين سيعودون، في حال قرروا العودة، سيوضعون في السجون»، وسوف «يوضعون فوراً تحت تصرف القضاء».
وهو ما أكدته وزارة الخارجية، وأضافت أنه «بسبب تطور الوضع العسكري في شمال شرق سوريا والقرارات الأميركية ومن أجل ضمان أمن الفرنسيين، سندرس الخيارات المتاحة كافة من أجل تجنب فرار هؤلاء الأشخاص الخطرين وتشتتهم». وحسب الناطقة باسم الخارجية: «في حال قررت القوات التي تحتجز المقاتلين الفرنسيين ترحيلهم إلى فرنسا، فسيُسلّمون إلى القضاء على الفور. فهؤلاء الأشخاص اختاروا طوعًا الانضمام إلى منظمة إرهابية تقاتل في المشرق، وكانت قد ارتكبت اعتداءات في فرنسا وما زالت تهدد أمننا» في إشارة إلى تنظيم داعش.
بيد أن الخارجية الفرنسية امتنعت عن تأكيد العدد الذي يتم تداوله إعلامياً. وحسب القناة الإخبارية الفرنسية المشار إليها، فإن عدد المتطرفين رجالاً ونساءً يصل إلى 130 شخصاً.
ووفق مصادر فرنسية على صلة بهذا الملف، فإن أحد التهديدات مصدره احتمال قيام تركيا بعملية عسكرية في المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد. وفي هذه الحال سيكون من الصعب التأكد من بقاء المتطرفين المعتقلين رهن الرقابة المشددة، وبالتالي ثمة احتمال جدي في أن ينجحوا في الفرار أو التشتت. وفي أي حال، فإن الطرف الكردي، في مساعيه لثني الولايات المتحدة عن قرارها، نبّه منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي إلى هذا الاحتمال، مشيراً إلى أن قواته ستكون منشغلة بمواجهة الهجوم التركي لا حراسة المتطرفين. وإذا كانت الخارجية الفرنسية تتحدث عن «دراسة جميع الخيارات» المتاحة أمامها، فإن هذه الخيارات ليست كثيرة. والسؤال المطروح سيكون عن كيفية استعادة هؤلاء المتطرفين والطريقة لذلك. من هنا، قول مصدر فرنسي لوكالة الصحافة الفرنسية إنه «لا قرار اتُّخذ حتى الآن».
باريس تلمِّح لـ«استقبال» المتطرفين من سوريا
باريس تلمِّح لـ«استقبال» المتطرفين من سوريا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة