الولايات المتحدة تواجه خطر «هجرة» كثير من شركاتها

يستعد صناع السياسة الأميركية لمواجهة موجة من الشركات التي سوف تتخلى عن جنسيتها الأميركية خلال الشهور القليلة المقبلة، مما يحرم الحكومة الاتحادية من مليارات الدولارات من عائدات الضرائب، ويؤجج الغضب الشعبي قبل انتخابات الكونغرس المزمع إجراؤها في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وبحسب تقرير لـ«واشنطن بوست» من إعداد لوري مونتغومري، فإنه حتى الآن، اندمجت هذا العام نحو 12 شركة أميركية مع شركات أجنبية، بما في ذلك شركات تحمل علامات تجارية معروفة، مثل «ميدترونيك» للأجهزة الطبية وشركة «شيكيتا» للموز، وحولت مقار أعمالها خارج الولايات المتحدة، لتجنب دفع الضرائب، على حد وصف المحللين.
وهناك العشرات من الصفقات الأخرى قيد العمل، طبقا لمسؤولين في الإدارة الأميركية والكونغرس، وهناك شركات أخرى تدرس الأمر بهدوء. وفي الشهر الماضي، تقابل لاري ميرلو الرئيس التنفيذي لشركة «سي في إس كيرمارك» مع السيناتور تشارلز إيه شومر (ديمقراطي - نيويورك) وحثه على التحرك لوقف موجه الاغتراب الجارية. وبخلاف ذلك، قال شومر إن ميرلو وجه له تحذيرا: «إن شركة (سي في إس) قد تضطر لفعل ذات الأمر، أيضا»، لخفض فاتورة الضرائب الإجمالية التي تقدر بنحو 40 في المائة هذا العام.
وقال شومر في مقابلة أجريت معه: «هناك عدد كبير من الشركات على الطريق نفسه. نسمع بأن هناك العديد من الإعلانات الضخمة في شهر أغسطس (آب)».
تلك المناورة، المعروفة باسم «التحول الضريبي»، كانت موجودة منذ عقود، ولكن الوتيرة تسارعت في الأعوام الأخيرة، حينما توسعت الشركات الأميركية في الخارج، حيث تعمل البلدان الأخرى على معدلات ضريبية منخفضة.
وفي الوقت ذاته، أصيب المديرون التنفيذيون بالشركات بإحباط متزايد تجاه واشنطن، حيث أحبطت حالة الجمود السياسي الجهود المبذولة لتخفيض نسبة 35 في المائة، من معدل الضرائب الاتحادية على الشركات، وهو الأعلى من أي دولة متقدمة أخرى.
وقال جون انجلر رئيس مائدة الأعمال المستديرة، وهي رابطة من المديرين التنفيذيين لدى كبار الشركات بالبلاد: «إن ما نراه عبارة عن السبب الحقيقي وراء الحاجة إلى تثبيت هيكل الضرائب التجارية. لقد صرنا مثل الضفدع الذي سقط في الماء المغلي كما تقول الأمثال، وقد قررت بعض الضفادع القفز خارج الماء».
خلال الشهر الماضي، تساءل الرئيس أوباما بصوت عالٍ حول وطنية الشركات الهاربة، واصفا إياها بـ«الفارين من الشركات»، الذين يهجرون وطنهم «حتى يتخلصوا من دفع نصيبهم العادل من الضرائب.. إن موقفي هو، أنا لا أهتم إذا كان تصرفهم قانونيا من عدمه».
في يوم الثلاثاء، حث النواب الديمقراطيون إليزابيث وارين (ماساتشوسيتس)، وريتشارد جيه دوربين (إلينوي)، وجاك ريد (رود آيلاند) الرئيس أوباما على «استخدام صلاحياته لتقليل أو إزالة الإعفاءات الضريبية المتصلة بالتحول الضريبي».
أكد مسؤولو وزارة الخزانة أنهم يبحثون في الخيارات المتاحة لاتخاذ «الإجراءات الإدارية» التي قد تمنع التحولات أو تقلل بصور جدية من المزايا الضريبية المتعلقة بها. ولكن أي تحرك تتخذه وزارة الخزانة لن يعني إلا «الإصلاح الجزئي»، على حد وصف المسؤولين، مضيفين أن «التشريع هو السبيل الوحيدة للتعامل الكامل مع التحولات».
وقال جاك ليو وزير الخزانة الأميركي إن الإصلاح الضريبي للشركات طويل الأجل سوف يعد أفضل استجابة، لكن الكونغرس ينبغي أن ينظر في اتخاذ تدابير أكثر استهدافا في هذه الأثناء.
ويُتهم النواب الجمهوريون في الكونغرس كذلك بتلك القضية، غير أنهم مترددون في تبني تشريع لمعاقبة الشركات الهاربة من نظام الضرائب الذي اتفق كلا الحزبين على عده من النظم السيئة بصورة شديدة.
قال السيناتور أورين جي هاتش (يوتاه)، وهو نائب جمهوري كبير في اللجنة المالية بمجلس الشيوخ: «لدى الشركات التزامات حيال المساهمين، وليس في مصلحتهم الائتمانية دفع 35 في المائة من معدلات الضرائب».
يشكو الجمهوريون من أن أوباما فعل القليل لإنجاز أهدافه إزاء تخفيض معدل ضرائب الشركات إلى نسبة 28 في المائة، حيث ذكر النائب بول ريان (ويسكونسن) أن الرئيس (المقبل) للجنة المالية في مجلس الشيوخ النائب ماكس بوكوس (ديمقراطي - مونتانا) انضم إلى النائب ديف كامب رئيس لجنة الأساليب والوسائل في مجلس الشيوخ لبناء قاعدة داعمة لإعادة كتابة قانون الضرائب، فما كان من أوباما إلا إرسال بوكوس إلى الصين سفيرا جديدا للولايات المتحدة هناك.
بعد ذلك، قال النائب ريان، واصفا الإصلاح الضريبي، خلال دعوة على الإفطار استضافتها مجلة «كريستيان ساينس مونيتور»: «سمعنا أصوات الصرصرة صادرة من الإدارة، لم تكن لدينا مشاركة بناءة في معالجة هذه القضية بواقعية».
وباعتبار هذا التاريخ، قال الجمهوريون، إن حملة أوباما الحالية ضد التحول الضريبي تنم عن ذريعة لموسم الحملات لإثارة الغضب الشعبي ووضع الحزب الجمهوري في صورة المدافع عن المتهربين من دفع الضرائب على الشركات، وهو يماثل حشد الجمهور ضد قضية الاعتداء على الأطفال، على نحو ما وصفه أحد أعضاء الحزب الجمهوري.
التحولات الضريبية سيئة.. ولكن خطاب الرئيس حول تلك القضية هو خطاب رهيب، كما صرح بذلك النائب باتريك جيه تيبري (جمهوري - أوهايو)، وهو عضو بارز في لجنة الأساليب والوسائل المكلفة بكتابة قانون الضرائب.. «إننا نخسر الإيرادات، ونخسر مقار أعمال الشركات ونخسر الوظائف. يتحتم علينا إجراء إصلاح ضريبي شامل».
في الأسبوع الماضي، غادر الكونغرس المدينة في العطلة الصيفية من دون اتخاذ إجراءات. ولكن النواب الديمقراطيين يضعون الخطط لتسليط الضوء على التحولات الضريبية عن طريق دفع التشريعات في شهر سبتمبر (أيلول) لحظر تلك الممارسات أو الحد من ربحيتها بصورة قاطعة.
أما السيناتور كريستوفر أ. كونز (ديمقراطي - ديلاوير)، وهو عضو اللجنة المالية الذي شهد بعض الشركات في ولايته ينظرون في أمر التحول الضريبي، قال إنه يتفهم رغبة الحزب الجمهوري في «انتظار الإصلاح الضريبي للشركات. ولكن الضرر الحقيقي يكمن فيما يسببه التحول الضريبي لإيراداتنا، ولمجتمعاتنا ولابتكارات خطوط الأنابيب التي تطالبنا بالتصرف على أساس مشترك بين الحزبين أو المخاطرة بفقدان آلاف الوظائف».
قالت ميندي هيرزفيلد، المحررة المساهمة في تحرير صحيفة «أخبار الضرائب الدولية»: «لم يقدّر أحد حتى الآن حجم الوظائف المفقودة المحتمل». تتضمن التحولات الضريبية عادة إعادة الانتقال على الأوراق فحسب، مع بقاء مقر الشركة والمديرين التنفيذيين في الولايات المتحدة.
ولكن التكاليف المحتمل أن تتكبدها الخزانة الأميركية هائلة. أحد التدابير من قبل لجنة الضرائب المشتركة في الكونغرس، يقترح أن تتحمل الدولة خسارة 20 مليار دولار من إيرادات الضرائب عبر العقد المقبل. وقال المدير السابق للجنة المذكورة، إدوارد كلاينبارد، إنه يعتقد أن الخسارة المحتملة أكبر من ذلك الرقم بكثير.
وأضاف كلاينبارد، وهو أستاذ القانون في جامعة جنوب كاليفورنيا: «أعتقد أنهم لم يقدروا العواصف الرهيبة التي توشك أن تسببها تلك التحولات الضريبية».
إحدى الصفقات التي كانت محل المتابعة المكثفة تحرك لإعادة نقل مقر شركة «والجرينز»، أكبر سلسلة صيدليات في البلاد، إلى سويسرا، حيث يمكنها تفادي أربعة بلايين دولار من الضرائب الأميركية خلال السنوات الخمس المقبلة، طبقا لتحليل أجرته مؤسسة «أميركيين من أجل الضرائب العادلة»، وهي مؤسسة غير هادفة للربح يدعمها الاتحاد.
وفي يوم الثلاثاء، انخفضت أسهم «والجرينز» على أثر تقارير تفيد بأن الشركة قررت البقاء في مدينة ديرفيلد بولاية إلينوي، حيث جرى تأسيسها لأول مرة منذ 113 عاما مضت. وقد أعدت الشركة بيانا حول الصفقة المذكورة في تمام الساعة السادسة مساء من يوم الأربعاء.
في شركة «سي في إس»، وهي منافس لشركة «والجرينز»، رفضت كارولين كاستل، المتحدثة الرسمية باسم الشركة التعليق على زيارة ميرلو إلى مكتب النائب شومر بتاريخ 16 يوليو (تموز) في «كابيتول هيل». وقالت كاستل في رسالة وصلت بالبريد الإلكتروني: «إن الإصلاح الضريبي للشركات الذي يتضمن تخفيضا كبيرا في المعدلات صار أمرا ملحّا. والاتجاهات التي نراها حاليا في الأسواق تؤكد على ضرورة الحاجة إلى هيكلة ضرائب الشركات التي تسمح للشركات الأميركية بالمنافسة».
وفي حين أن التحولات تتسم بتعقيد فني، فإنها بسيطة من الناحية المفاهيمية؛ تنقل شركة أميركية محل الضرائب لديها إلى دولة أخرى ذات معدلات أخفض، وغالبا ما يجري ذلك من خلال الدمج أو الشراء من قبل شركة أجنبية. وتظل الشركة الجديدة خاضعة لمعدل 35 في المائة ضرائب على الأرباح في الولايات المتحدة. ولكن الأرباح المكتسبة في الخارج، التي خضعت فيما سبق إلى الضرائب الأميركية حال الانتقال مجددا إلى العمل في الولايات المتحدة، تخضع فقط للمعدلات الأجنبية المنخفضة.
منذ عشر سنوات، مالت الشركات المتحولة إلى الفرار نحو ملاجئ الضرائب المنخفضة مثل «جزر كايمان». في هذه الأيام، تميل الشركات إلى الانتقال للعمل في أوروبا، حيث افتتحت كثير من الشركات أعمالها هناك بالفعل. وفي آيرلندا، وهي من المقاصد المعروفة تجاريا، تفرض معدل ضرائب بنسبة 12.5 في المائة فقط على أرباح الشركات.
هناك فوائد أخرى للتحول الضريبي؛ في العديد من الصفقات، تقدم الشركة الأجنبية الأم قرضا ضخما إلى شريكها الأميركي الجديد، الذي بدوره يؤدي إلى مدفوعات كبيرة للفائدة، التي يمكن خصمها من الشركة في صورة فاتورة الضرائب. لا تخضع مدفوعات الفوائد تلك للضرائب في غالب الأمر في الدولة الأجنبية، مما يعني مصلحة مزدوجة للطرفين.
وفي الوقت الذي تدرس فيه وزارة الخزانة خياراتها، دعا أوباما الكونغرس إلى جعل ظاهرة التحول أكثر صعوبة من حيث التنفيذ عن طريق طلب السيطرة على 50 في المائة من تحول الشركة إلى الخارج، بدلا من نسبة 20 في المائة من السيطرة الحالية. العديد من الجمهوريين، والمزيد من الديمقراطيين، يعترضون على تلك الفكرة، ويقولون إنها تخاطر بجعل المشكلة أكثر سوءا، عن طريق فرض السيطرة الأجنبية الفعلية على الشركات.
وقد اقترح شومر الحد من قدرة الشركات المتحولة على شطب مدفوعات الفائدة إلى شركائهم الأجانب. ويعمل السيناتور ساندر م. ليفين (ديمقراطي - ميتشيغان)، الذي تقدم بتشريع مستقل لحرمان العقود الفيدرالية على الشركات المتحولة، على اقتراح مماثل.
وقد حازت تلك الفكرة على دعم الحزب الجمهوري، ويقول الديمقراطيون إنهم جادون بشأن الحصول على تشريع مشترك بخصوص تلك القضية. ولكن النائب شومر يعترف بأن الديمقراطيين يريدون الحصول على سلاح سياسي قوي إذا ما أخفقت تلك الجهود، نظرا لمعارضة الجمهوريين.
قال شومر: «إنها قضية شعبية للغاية، وما من أميركي - ديمقراطي، أو جمهوري، أو يميني، أو يساري - يحب أن يرى الشركات الأميركية تذهب إلى الخارج من أحل الفرار من الضرائب».