السفر أهم مكافأة لي منذ الطفولة

بدأت تجربة الفنان المصري خالد الصاوي مع السفر في وقت مبكر من العمر. اعتاد عليه منذ كان طفلاً كمكافأة له في كل سنة على نجاحه الدراسي، لأنه كان «طفلاً شقياً ومشاغباً»، على حد وصفه، كانت أسرته تحفزه على الدراسة بأن تعده برحلة خارج مصر. لهذا أصبح في جعبته عدد لا يُحصى من الذكريات والمواقف المفعمة بالإنسانية والمعرفة، يرويها لـ«الشرق الأوسط» في السطور التالية:
> السفر أهم متعة بالنسبة لي، لأنه مرتبط لدي بمشاهدة أماكن وتفاصيل جديدة. فتحتُ عينيّ وأنا طفل في مدينة إدفو جنوب مصر، وما إن بدأتُ أستوعب ما يدور حولي، حتى انتقلت مع أسرتي إلى الإسكندرية وأنا في الثالثة من عمري، ومنها إلى القاهرة وأنا في الحادية عشرة. من فرط تعودي على التنقل من مدينة إلى أخرى، تمنيت عندما كنت صغيراً أن أعمل في مهن لها علاقة بالسفر، كأن أصبح طياراً مدنياً أو بحاراً. لم يخطر ببالي حينها أن أكون ممثلاً. كنتُ عندما يسألني والداي عن هدية النجاح التي أحلم بها دائماً أختار رحلة إلى مكان جديدة. بعد أن عرفا نقطة ضعفي، ولأنني كنت طفلاً شقياً ومشاغباً، استغلا هذه النقطة بأن جعلاها مكافأتي السنوية بعد النجاح.
- أول رحلة لي خارج مصر كانت إلى تونس، وكنت حينها في الـ13 من عمري. سافرت بمفردي ولم أشعر بالخوف لأن والدي عودني على ترك مساحة كافية من الحرية أصول وأجول فيها لكن بمسؤولية. كانت الرحلة بتاريخ 7/ 7/ 1977 ولحد الآن لم ينمح هذا الرقم من ذاكرتي. في الحقيقة كنت أحلم بالسفر إلى إنجلترا بدل تونس، لكن لم يتحقق لي هذا الحلم لأنني لم أحصل على تأشيرة دخول بسبب صغر سني، ولأنني لم أكن مصحوباً بأحد. لكنني استمتعتُ للغاية باكتشاف مدينة سوسة التونسية، هذه البلدة الساحلية الهادئة ذات الطراز المميز، والشواطئ الرائعة. منذ هذه الرحلة وحتى الآن يُعد السفر بالنسبة لي نوعاً من أنواع التجديد في الحياة، فأنا أرى أن الإنسان في كل رحلة سفر يكون كمن يولد من جديد، لأن لكل دولة طابعاً خاصّاً. ثاني رحلة لي كانت إلى فرنسا، ولأنها كانت مع أسرتي كان لها طعم مختلف، وكنتُ دائم التهرب لقضاء أوقاتي مع شباب من عمري. عندما كنت في عمر الـ15، سافرت إلى روما عند عمتي. هناك جذبتني المسارح والتاريخ والثقافة، وحين زرت إنجلترا وأنا في الـ16، عرفت لماذا كنتُ مهووساً بزيارتها. فهي غنية بالفن والأدب والثقافة والحياة.
> إنجلترا دولة أضافت لي كثيراً، فهي شديدة الثراء لكل من يحب المعرفة، أتذكر أنه في رحلتي الثانية للندن عام 1995، التي كانت بهدف عرض فيلم «جمال عبد الناصر» في المنتديات العربية، لم تكن أحوالي المادية تسمح لي بالرفاهية، لكني وقتها وعدتُ أن أثأر لنفسي في يوم ما. وبالفعل عندما تحسن الأوضاع وتزوجت، سافرت مع زوجتي لإنجلترا، وتعمدت أن أسير معها في الأماكن نفسها، وحكيت لها كيف تمنيت أن أتسوق في محلات معينة وأن أدخل مسارح العاصمة لندن، لكن العين كانت بصيرة واليد قصيرة. كانت هذه الرحلة بمذاق «النجاح وتغير الأمور للأفضل».
> الآن وبعد أن استقرّت أحوالي المادية وأكرمني الله بالنجاح وبزوجة تفهمني وتشاركني حب السفر، اتفقنا أن تصبح مكافأتنا بعد انتهاء مواسم العمل والتصوير رحلة إلى بلد ما. أصبح الأمر بمثابة طقس عائلي. ورغم أنه لم يمر على زواجنا سوى 7 سنوات، فإننا زرنا معاً بلاداً كثيرة، مثل تركيا وفرنسا إسبانيا وإنجلترا وألمانيا ودبي وأميركا. زوجتي هي الشخص الذي أحب السفر معه دائماً. فهي رفيقة درب رائعة.
> المدينة التي أبهرتني أخيراً هي نيويورك. سافرت إليها مرتين، وفي كل مرة أكتشف ثراءها الثقافي والفني، وأستمتع بزيارة معارضها الفنية ومسارحها، وفي مقدمتها برودواي. رحلتي المقبلة ستكون رحلة عمل إلى لبنان لتصوير فيلم جديد مع تامر حسني، لم يتم بعد الاستقرار النهائي على عنوانه. أنا متشوق لزيارة لبنان للمرة الثالثة، لأنه بلد جميل والطبيعة فيه خلابة.
- بعد تجاربي وخبرتي في السفر، أستطيع أن أجزم بأن كلَّ شيء يمكن الاستغناء عنه، من ملابس وهواتف جوالة وما شابه من أمور، يمكن شراؤها من أي مكان. المهم أن يكون معك مبلغ محترم وبرنامج منظم بشكل دقيق.
> أصعب موقف مر عليّ أثناء السفر كان إحدى رحلاتي لألمانيا التي كنت أتعالج فيها من فيروس «سي»، حينها صدمني البروفسور المعالج باحتمال إصابتي بالسرطان، وأنه عليّ البقاء بالمستشفى عدة ساعات لإجراء التحليل المطلوب. مرت عليّ هذه الساعات وكأنها دهر، شعرت فيها كما لو كنت أصارع الموت، إلى أن ظهرت النتيجة، وحمداً لله جاءت سلبية. لكن ما اندهشتُ له، هو صراحة الطبيب، وقارنت بينه وبين الطبيب المصري، الذي يكون رحيماً بمرضاه ويعاملهم بحكمة. الطريف أنني بعد رحلاتي المتعددة لألمانيا لم أُعالَج من الفيروس إلا في مصر.