جاءت أحدث صفقات برشلونة على نحو غير متوقع، ففي وقت متأخر بمنتصف أحد أيام الأسبوع الماضي، داخل المخزن التابع للنادي الكاتالوني على بعد مسافة قصيرة من استاد كامب نو، وهو مكان مغلق أمام الجمهور، وقف اللاعب حاملاً قميصه الجديد بينما علت وجهه ابتسامة عريضة، وعلى القميص كتب: «برنس: 19». من هيرتا برلين إلى توتنهام هوتسبير، ومن بوروسيا دورتموند إلى بورتسموث، وتغيير 5 أندية خلال 9 سنوات آخرها ساسولو، كانت رحلة اللاعب الغاني كيفن برنس بواتينغ. والأسبوع الماضي كانت محطة جديدة بالوصول إلى برشلونة النادي العاشر في مسيرة بواتينغ الكروية والأبرز، باعتباره النادي الأكبر على الإطلاق على امتداد مشوار المهاجم الغاني حتى الآن. أيضاً، هذا الانتقال كان مفاجأة كبرى، ذلك أن لاعب قلب الهجوم الجديد بالنادي يأتي من يسار الملعب؛ هو أمر لم يتوقعه أي شخص.
من جانبه، وصف بواتينغ هذه الصفقة باعتبارها «فرصة» هائلة. والواضح أنها فرصة لم يتوقعها اللاعب نفسه، وتحمل أصداء اليوم الذي هاتفه وكيله وأخبره أنه سينتقل لنادي ميلان وظن بواتينغ حينها أنه يمزح. وجاء رد فعل البعض داخل إسبانيا مشابهاً عندما أعلن نبأ إبرام الصفقة. جدير بالذكر أن بواتينغ انضم لبرشلونة على سبيل الإعارة مع وجود بند شراء اختياري في العقد بقيمة 8 ملايين يورو في الصيف. وخرجت العناوين الرئيسية في الصحف الكاتالونية حاملة علامات تعجب، وجاءت بصيغ على غرار بواتينغ «الخيار الخفي» و«المفاجأة».
جدير بالذكر أن برشلونة كان يبحث عن مهاجم داعم، شخص بمقدوره اجتذاب بعض الضغط بعيداً عن كاهل الأوروغوياني لويس سواريز. وبدت معايير اختيار اللاعب المطلوب واضحة وقلصت خيارات النادي؛ فقد رغب برشلونة في لاعب مخضرم يملك شخصية قوية تجعله قادراً على الإسهام منذ بداية المباراة، لكنه في الوقت ذاته على استعداد للمشاركة لاعباً بديلاً. وكان المطلوب كذلك لاعباً رخيص الكلفة، وإن كانت التكاليف التراكمية للصفقات المتعجلة كثيراً ما تكون فادحة. علاوة على ذلك، فإن اللاعب المطلوب ينبغي أن يكون على استعداد للرحيل عن النادي بسهولة وهدوء دونما جلبة. باختصار، رغب النادي في حل قصير الأمد لمشكلة محددة، كان يمكن التنبؤ بحدوثها في الصيف. وربما كان يتعين على النادي توقع حدوثها منذ ذلك الحين. إلا أن الأمر الذي أخفق مسؤولو برشلونة بشدة في توقعه آنذاك أن يختار الفرنسي أنطوان غريزمان البقاء مع أتلتيكو مدريد.
الواضح أن الهزيمة التي مني بها برشلونة في بطولة دوري أبطال أوروبا العام الماضي لا تزال تثقل كاهله، خصوصاً أنها شكلت ندمه الأكبر في نهاية موسم انتهى بفوزه ببطولتين على الصعيد المحلي، ومع ذلك استمر فشله الأوروبي يخيم بظلال قاتمة عليه. في وقت لاحق، اعترف سواريز بأنه كان يتمنى لو أنه شارك بشكل دوار بدرجة أكبر قبل تلك الليلة، ولم يخفِ برشلونة رغبته الحثيثة للفوز ببطولة دوري أبطال أوروبا. في الحقيقة، سيطر على مسؤولي برشلونة شعور بأنهم بحاجة لأرقام، وكذلك شخصية متميزة. وعندما رحل منير الحدادي، بدا واضحاً أنه لم يكن نمط المهاجم الداعم الذي سعوا للحصول عليه، لذا تحولوا بأنظارهم نحو السوق.
بدا ألفارو موراتا متاحاً، لكن تكلفته كانت مرتفعة، وظل برشلونة غير واثق من ملاءمته للدور المطلوب على الفترة بين المديين المتوسط والطويل. من ناحية أخرى، ظهر كريستيان ستواني حلاً مثالياً، لكن بند شرائه ينص على 15 مليون يورو. في الوقت ذاته، ناقش مسؤولو النادي فكرة إعادة كارلوس فيا من الولايات المتحدة، لكن يبدو أن سقف التوقعات انخفض أخيراً. في النهاية، وصل بواتينغ من ساسولو. وكان آخر نادٍ إسباني شارك بصفوفه لاس بالماس. الواقع أن مجرد ذكر اسم هذين الناديين يثير حتماً كثيراً من علامات الاستفهام، ومن الطبيعي أن نجد ثمة شكوكاً حول مستوى أداء بواتينغ. وحتى إذا أبدى البعض استعدادهم للتريث قبل الحكم على اللاعب، فإن ثمة إدراكاً لفكرة أنه مجرد محاولة لحل مشكلة صغيرة ومحددة.
من جانبه، ينضم بواتينغ إلى برشلونة لاعب قلب هجوم، وقد سبقت له المشاركة في خط الهجوم، رغم أنه ليس بطبيعته اللاعب المثالي للاضطلاع بدور صاحب القميص رقم 9. ومع أن مسألة انضمامه لبرشلونة تبدو منطقية بعض الشيء، فإنها توحي بوجود قدر من الارتجال ووجود بعض الشكوك على صعيد التخطيط داخل برشلونة. أيضاً، تسلط هذه الصفقة الضوء على بعض الضغوط التي يتعرض لها مسؤولو التخطيط داخل النادي، ذلك أن سوق اللاعبين في صورتها الحالية لم تعد ملائمة لأن يبسط برشلونة وريال مدريد هيمنتهما عليها مثلما كانت الحال سابقاً. كما أن النادي الكاتالوني وجد نفسه مضطراً لمجابهة بعض تداعيات سياسات الإنفاق التي اتبعها من قبل. تجدر الإشارة هنا إلى أنه خلال الصيف تراجعت إنفاقات برشلونة على الرواتب بمقدار 28 مليون يورو - لأنه لم يجد بداً عن ذلك. وتشير الأرقام إلى أن 70 في المائة من ميزانية النادي أنفقت على الرواتب الموسم الماضي، واليوم تراجعت هذه النسبة إلى 66 في المائة، لكنها تبقى مرتفعة ولا تزال هناك حاجة لتقليص نفقات النادي.
في بعض الأحيان، يبدو من الصعب التعرف على السبيل المثلى للمضي قدماً، وجاء رحيل البرازيلي نيمار عن النادي ليعمق هذا الشعور، الأمر الذي زاد الضغوط على كاهل أعضاء مجلس الإدارة. كان مسؤولو برشلونة قد أكدوا ثقتهم في أن نيمار سيبقى، لكنه رحل نهاية الأمر. من جهته، قال ألبرت سولر، مدير شؤون الرياضة في برشلونة: «لو قلنا إننا أنفقنا 270 مليون يورو على لاعبين، كنا سنضطر حينها لتقديم استقالتنا لأننا لا نتحلى بالشعور بالمسؤولية». بصورة إجمالية، أنفق النادي أكثر من ذلك لضم الفرنسي عثمان ديمبيلي والبرازيلي فيليبي كوتينيو، الذي لم يفلح النادي في ضمه الموسم الماضي. وبذلك خسر مسؤولو برشلونة ماء الوجه. وفي الخريف، اضطر سولر للرحيل عن النادي.
لقد طرأت تغييرات أخرى على هيكل الإدارة الرياضية في برشلونة، فقد رحل روبرت فيرنانديز هو الآخر.
وقبله، رحل أندوني زوبيزاريتا. أما راؤول سانيلهي، فقد رحل قبيل رحيل سولر. اليوم، يتولى منصب مدير شؤون الكرة جوسيب سيغورا، أما إريك أبيدال فهو السكرتير الفني للنادي، ورامون بلينز مساعده. ويعتبر بلينز الأكثر كفاءة بينهم، لكنه لا يحمل سلطة كبيرة. وهناك أيضاً رئيس النادي جوسيب ماريا بارتوميو والمستشارون المباشرون له. أما إرنستو فالفيردي فهو المدرب، ولا يبدو مستقبله مضموناً على الإطلاق. وثمة أقاويل تشير إلى أن أريدو بريدا هو الشخص المحوري وراء صفقة ضم بواتينغ. ولطالما زاد بريدا الشعور بأن أحداً لا ينصت إليه داخل برشلونة، وأن صوته ضائع في خضم كثير من الأصوات المحيطة.
أما روبرت فيرنانديز فيقف خلف صفقة ضم ارتور فيدال، كواحد من اللاعبين القلائل الذين يجري النظر إليهم باعتبارهم نموذجين لأسلوب لعب برشلونة، وذلك في وقت تضاءلت فيه أعداد الذين يجري تصعيدهم للفريق الأول من منظومة الناشئين داخل النادي.
أما ضم بولينيو فقد أصاب الكثيرين بالدهشة ولم يبهج البعض ممن رأوا أن وجود هذا اللاعب يعد تحولاً بعيداً عن هوية النادي، لكنه أثبت نجاحه، لكنه لم يستمر طويلاً وعاد للصين. وبالمثل، تفاجأ الكثيرون من صفقة فيدال، رغم أن ضمه للنادي جرى تبريره باعتباره لاعباً يقدم أسلوب لعب متناسباً مع بولينيو. إلا أن هذا لم يكن صحيحاً تماماً، مثلما أن كوتينيو لم يثبت أنه «إنييستا» آخر مثلما ادعى البعض.
اليوم، وبعد بداية صعبة، عاد ديمبيلي لتقديم أداء مبهر من جديد. وقد جرى اقتناص صفقة اللاعب مالكوم من يد روما في اللحظة الأخيرة، في الوقت الذي قفز فيه برشلونة متدخلاً في صفقة مونشي. ومع هذا، لم يكن المدرب يرغب فيه، ومن المحتمل أن يرحل عن النادي خلال موسم الانتقالات الحالي. ونجح النادي في ضم الهولندي الشاب فرانكي دي يونغ، في صفقة هي الأنجح خلال الشتاء، حيث كان التنافس شرساً على مهاجم أياكس، خصوصاً من قبل النادي الفرنسي سان جيرمان. وكان برشلونة يتطلع أيضاً لضم رودري، الذي قد يمثل البديل الأنسب لسيرغي بوسكيتس، لكنه انضم إلى أتلتيكو مدريد.
وقد تكون صفقة دي يونغ هي الأبرز لتعويض خيبة برشلونة عن ضم غريزمان خلال الصيف الماضي، حيث كان اللاعب الفرنسي بمثابة فرصة ثمينة، وربما كان عنصراً نموذجياً بمقدوره التأقلم مع التشكيل الأساسي للفريق الكاتالوني، لكنه في الوقت ذاته، كان لاعباً رفيع الطراز للغاية بدرجة تفوق مبلغ الـ100 مليون يورو المطروح. وكان برشلونة قد ظن أنه أحكم قبضته عليه، وبالفعل أعلن مسؤولوه أنهم أبرموا اتفاقاً، إلا أن غريزمان أعلن أنه لن ينضم للفريق الكاتالوني، وذلك عبر فيلم وثائقي تلفزيوني أنتجه مدافع برشلونة غيرارد بيكيه. أما رئيس النادي فلم يعلم بالأمر ولم يحظَ برشلونة في النهاية بالمهاجم المنشود. اليوم، أصبح لديهم هذا المهاجم سواء دي يونغ أو البديل بواتينغ.
كيف انتهى الحال ببرشلونة إلى ضم كيفن برنس بواتينغ؟
التعاقد المفاجئ مع المهاجم الغاني المخضرم يشير إلى بعض الارتجال في تخطيط النادي الكاتالوني
كيف انتهى الحال ببرشلونة إلى ضم كيفن برنس بواتينغ؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة