صراع عمالقة البث التلفزيوني... شروط صارمة تحدد البقاء في السوق

صراع عمالقة البث التلفزيوني... شروط صارمة تحدد البقاء في السوق
TT

صراع عمالقة البث التلفزيوني... شروط صارمة تحدد البقاء في السوق

صراع عمالقة البث التلفزيوني... شروط صارمة تحدد البقاء في السوق

الصراع المحتدم حاليا بين عمالقة البث التلفزيوني الرقمي مثل «نتفليكس» و«سكاي» أدى إلى توفير خدمات أفضل للمشاهد من ناحية المحتوى وأتاح أيضا مرونة في الاشتراك، الذي انتهى به الأمر إلى إمكانية الاشتراك ليوم واحد أو أسبوع بدلا من التعاقد لسنة كاملة. وفي بريطانيا تقتسم كل من شركتي «نتفليكس» و«سكاي» السوق، بنحو عشرة ملايين مشترك في المتوسط لكل منهما، مع تكهنات بتفوق هامشي لإحداهما على الأخرى. ولكن الأمر الحاسم في السوق قد يأتي من أطراف ثالثة قادمة من وادي السيليكون تخطط لقلب أوضاع السوق مرة أخرى بالمحتوى ومرونة البث.
في السوق البريطانية تعتبر «نتفليكس» حديثة العهد نسبيا، حيث بدأت منذ عام 2012، ولكنها في غضون سبع سنوات تكاد تتخطى «سكاي» التي تنشط في السوق منذ ثلاثة عقود. وعندما اكتشفت «سكاي» أن خدمات «نتفليكس» تتفوق ببرامج يتابعها المشاهد بشغف وباشتراكات رمزية في القيمة مقارنة باشتراكات «سكاي»، قررت بداية خدمة مماثلة اسمها «ناو تي في» توفر الأفلام والمسلسلات باشتراكات مرنة يمكن بدايتها من يوم واحد، وحققت الخدمة نجاحا ملحوظا، حيث يصل عدد مشتركيها هذا العام في بريطانيا إلى 1.5 مليون مشاهد.
من الأمور الحاسمة التي ساهمت في نجاح خدمات مثل «نتفليكس» و«ناو تي في» استخدام الموجات العريضة (برودباند) لتقديم خدمات البث عبر الإنترنت مع الاستغناء عن أطباق الالتقاط المعدنية. وبالفعل تحولت الآن شركة «سكاي» إلى البث الرقمي على الإنترنت بحيث لا يحتاج مشتركوها إلى تركيب «دش» تقليدي كما كان الحال في ثمانينات القرن الماضي.
انتقلت «سكاي» إلى البث عن طريق الإنترنت بدلا من الأطباق اللاقطة بداية من عام 2012، وفتحت الشركة بذلك سوقا إضافية في بريطانيا قوامها مليونا منزل. في العام الماضي أعلنت مؤسسة (أوفكوم) التي تشرف على البث الإعلامي في بريطانيا أن شركات بث الفيديو والأفلام مثل «نتفليكس» و«أمازون برايم» و«ناو تي في» تفوقت للمرة الأولى على شركات البث التلفزيوني بالاشتراك، مثل «سكاي» و«بي تي» و«فيرجن».
ويصل إجمالي عدد المشتركين في خدمات بث الفيديو في بريطانيا إلى 15.4 مليون مشترك مقابل 15.1 مليون مشاهد بالاشتراك في برامج التلفزيون الرقمي مثل «سكاي». ودفع هذا «سكاي» إلى جمع مشتركيها من خدمة «ناو تي في»، لكي لا تعترف بتراجع عدد مشتركي «سكاي» سنويا، ربما نظرا لارتفاع تكلفة الاشتراك السنوي في «سكاي».
ويمثل هذا التحول تغيرا في عادات المشاهدين، خصوصا من الجيل الجديد، بما يمثل ضغوطا إضافية على شعبية قنوات التلفزيون التقليدية مثل «بي بي سي» وبقية القنوات الأرضية المجانية مثل قنوات «اي تي في» والرابعة والخامسة في بريطانيا.
ولكن التوقعات السائدة في هذا القطاع تشير إلى أن شهر العسل الذي تتمتع به خدمات البث التلفزيوني السائدة في السوق حاليا قد لا يستمر طويلا. فهناك موجة جديدة صاعدة من خدمات البث الجديدة تعتمد على المحتوى من أجل اقتطاع حصص لها من السوق.
معظم هذه الخدمات الجديدة قادمة من وادي السيليكون الأميركي، حيث الابتكار في مجال التقنيات الرقمية لا يتوقف. وأهم الخدمات الجديدة التي تعتمد على المحتوى هي شركة ديزني التي تعد من أكبر مجموعات التسلية التلفزيونية في العالم، وهي تبث الآن قناة «ديزني بلس»، وتأمل أن يعوض محتواها الفريد تأخر دخولها إلى السوق.
هناك أيضا شركة «وارنر ميديا» التي تملكها مجموعة «أيه تي آند تي» التي تقدم محتوى يقتصر عليها ويشمل منوعات وأفلاما من شركات «إتش بي أو» و«تيرنر» واستوديوهات «وارنر بروز». ولم تلجأ «وارنر ميديا» إلى سحب محتواها من القنوات الأخرى مثلما فعلت «ديزني» مع «نتفليكس»، وسمحت «وارنر ميديا» لـ«نتفليكس» ببث حلقات «فريندز» لمدة عام آخر مقابل مبلغ 100 مليون دولار، تقرر بعدها الشركة ما إذا كانت ترغب في الاحتفاظ بمحتواها قاصرا على مشاهديها دون غيرهم.
وكانت «نتفليكس» تدفع من قبل 30 مليون دولار لبث حلقات «فريندز»، ما يدل على ارتفاع قيمة المحتوى مع زيادة عدد القنوات وارتفاع حدة المنافسة في السوق.
وتؤكد شركة «أمبير أناليسيس» الناشطة في مجال تحليل توجهات سوق البث التلفزيوني الرقمي أن «نتفليكس» التي تشهد الآن عصرها الذهبي قد تواجه في المستقبل منافسة عاتية من شركات كانت تمدها في الماضي بالمحتوى الذي يجذب مشتركيها. وتحاول «نتفليكس» الاعتماد على المزيد من محتواها الخاص بها، ولكنها ما زالت تعتمد على نسبة كبيرة من محتويات شركات أخرى تبثها بترخيص خاص. ويمثل هذا الوضع حاليا أحد المخاطر الماثلة للشركة.
وتقدر شركة «أمبير» أن الإنتاج الخاص من شركة «نتفليكس» لا يزيد على ثمانية في المائة في السوق الأميركية وتسعة في المائة في بريطانيا. كما تبث الشركة محتويات نسبتها خمسة في المائة تابعة لشركات إنتاج أخرى تسمح لـ«نتفليكس» ببثها أولا، منها شركات مثل «ديسكفري» و«ستار تريك». وقد تستطيع «نتفليكس» تعويض محتوى شركة إنتاج واحدة أو اثنتين لو تم سحب ترخيص البث، ولكنها قد تواجه أزمة في توفير المحتوى الجاذب للجمهور إذا ما قررت مجموعة شركات إنتاج سحب تراخيصها لكي تبدأ هي الأخرى المنافسة على حصة من السوق.
وبالإضافة إلى «سكاي» تواجه «نتفليكس» أيضا منافسة عاتية من شركة «أمازون برايم». وفي العام الماضي رفعت «نتفليكس» ميزانية المحتوى بنسبة 50 في المائة إلى 12 مليار دولار، بعدما أعلنت «أمازون» أنها سوف تنفق خمسة مليارات دولار على المحتوى. وما تخشاه «نتفليكس» أن تزيد «أمازون» ميزانيتها مرة أخرى، لأن حجم «أمازون» يتفوق بستة أضعاف على حجم «نتفليكس» وأكثر من أربعة أضعاف حجم شركة «ديزني».
ومن بين كافة الشركات المنافسة في السوق تعد شركة أمازون الأكثر خطورة على «نتفليكس» وغيرها، فهي الأكبر من حيث الموارد والانتشار، كما أنها تستطيع في المستقبل أن تنتزع حقوق البث في المجال الرياضي من شركات مثل «سكاي» وغيرها.


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)
TT

«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)

مرة أخرى يتجدَّد الصراع بين عملاقَي التكنولوجيا «أبل»، و«ميتا»، مثيراً تساؤلات بشأن مدى «حماية خصوصية بيانات المستخدمين». وبينما رأى خبراء التقتهم «الشرق الأوسط» أن المعركة الأخيرة جزء من نزاع مستمر بين «أبل»، و«ميتا» يتيح لهما البقاء على عرش التكنولوجيا الرقمية، فإنهم أشاروا إلى أن تأثير الصراع بشأن الخصوصية قد يمتد إلى مواقع الأخبار.

المعركة الأخيرة بدأت منتصف الشهر الحالي، مع تحذير وجَّهته شركة «أبل» بشأن تقديم منافستها «ميتا» مالكة «فيسبوك» و«إنستغرام» نحو «15 طلباً للوصول العميق إلى البيانات، في إطار قانون الأسواق الرقمية الجديد بالاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يضعف حماية بيانات المستخدمين».

ووفق «أبل»، فإنه «إذا حصلت طلبات (ميتا) على الموافقة، فسيكون باستطاعتها من خلال تطبيقاتها: (فيسبوك)، و(إنستغرام)، و(واتساب)، رؤية كل الرسائل القصيرة ورسائل البريد الإلكتروني والصور والمواعيد، وكل بيانات مكالمات المستخدمين». ونبَّهت «أبل»، في بيانها، إلى أن «مجموعة من الشركات تستخدم قانون الأسواق الرقمية الأوروبي؛ للوصول إلى بيانات المستخدمين». ولكن في المقابل، نفت «ميتا» هذه الاتهامات، وعدَّتها «حججاً تستخدمها (أبل) في إطار ممارساتها المضادة لحرية المنافسة». وقالت، في بيان لها، إن «(أبل) لا تعتقد بالتوافق بين الأجهزة الأخرى».

تعليقاً على ما هو حاصل، قال أنس بنضريف، الصحافي المغربي المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) هو امتداد لمعارك سابقة متكررة ومتجددة بين عملاقَي التكنولوجيا». وأردف: «هناك قانونان يحكمان السوق الرقمية في أوروبا: الأول هو قانون الخدمات الرقمية الذي يستهدف منع الاحتكار وحماية بيانات المستخدمين. والثاني هو قانون الأسواق الرقمية الذي يجبر الشركات على إتاحة معلوماتها للمطوّرين».

وأوضح بنضريف أن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) مرتبط بقانون التسويق الرقمي، إذ تعدّ (ميتا) من المطوّرين المتاحة تطبيقاتهم، مثل (إنستغرام) و(فيسبوك) على هواتف (أبل)». وتوقّع أن تنتهي المعركة لصالح «ميتا»، مبرراً ذلك بأن «حجة (أبل) ضعيفة وغير كافية، وخصوصية بيانات المستخدمين محمية قانوناً في أوروبا، إلا أن مخالفة (ميتا) لقوانين حماية الخصوصية تُعرِّضها لغرامات كبيرة... وفي أي حال الصراع هو جزء من معركة تستهدف الضغط على (أبل) لفتح خدماتها وإتاحتها على منتجات تابعة لشركات أخرى».

للعلم، حسب قانون الأسواق الرقمية الأوروبي، لا يسمح للشركات المشغّلة للمنصّات الحصول على امتيازات خاصة. وتطالب المفوضية الأوروبية شركة «أبل» بأن تغدو أجهزتها متوافقة مع التكنولوجيا التي تنتجها شركات أخرى.

وبموجب إجراءات المفوضية الأوروبية يتوجب على «أبل» تقديم وصف واضح للمراحل والمواعيد النهائية المختلفة والمعايير والاعتبارات التي ستطبقها أو تأخذها في الاعتبار عند تقييم طلبات التشغيل البيني من مطوري التطبيقات، مع تزويد المطورين بتحديثات منتظمة، وتقديم التعليقات وتلقيها فيما يتعلق بفاعلية حل التشغيل البيني المقترح. ومن المتوقع صدور قرار من المفوضية بشأن ما إذا كانت «أبل» تلتزم بشرط قابلية التشغيل البيني، بحلول مارس (آذار) المقبل، وفق ما نقلته «رويترز».

من جهة ثانية، صرَّح محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في الرصد والتحليل الإعلامي، لـ«الشرق الأوسط» شارحاً أن «التوترات المستمرة بين (أبل) و(ميتا)، إلى جانب قانون الأسواق الرقمية في الاتحاد الأوروبي، تسلط الضوء على الأهمية المتزايدة لتنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى، خصوصاً فيما يتعلق بالخصوصية والمنافسة». وأضاف أن «التحذير الذي أطلقته (أبل) بشأن (ميتا) أثار ذلك جدلاً حول ما إذا كانت مثل هذه الممارسات قد تضعف حماية البيانات للمستخدمين، والتركيز المتجدد على قانون الأسواق الرقمية يعد جزءاً من جهود الاتحاد الأوروبي لمنع شركات التكنولوجيا الكبرى من استغلال هيمنتها، حيث يهدف القانون إلى ضمان المنافسة العادلة عن طريق تقييد الشركات من منح نفسها مزايا خاصة، أو الوصول إلى بيانات المستخدمين بشكل مفرط دون موافقة».

وأشار الصاوي إلى أن «تأثير قانون الأسواق الرقمية يمتد إلى ما هو أبعد من شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث قد يؤثر أيضاً على المواقع الإخبارية، لا سيما تلك التي تعتمد على منصات مثل (فيسبوك) في توزيع منتجاتها». وأوضح أن «القانون قد يجبر المنصات على معاملة أكثر عدلاً، ما يضمن ألا تتضرر المواقع الإخبارية من الخوارزميات أو ممارسات البيانات المتحيزة، كما يفرض إعادة التفكير في كيفية جمع البيانات الشخصية ومشاركتها وحمايتها عبر المنصات، مما يشير إلى تحول نحو أنظمة رقمية أكثر شفافية».

وعدّ الصاوي «قانون الأسواق الرقمية محاولةً لإعادة التوازن في ديناميكيات القوة في السوق الرقمية، ما قد يؤثر بشكل كبير على المبدعين في مجال المحتوى، بما في ذلك المواقع الإخبارية، في كيفية تفاعلهم مع المنصات... في حين يضمن استمرار الصراع بين (أبل) و(ميتا) بقاءهما متربعتين على عرش المنافسة الرقمية».

وحقاً، يأتي الصراع الأخير بين «أبل» و«ميتا» في وقت قرَّرت فيه هيئة حماية البيانات الآيرلندية فرض غرامة قيمتها 251 مليون يورو على شركة «ميتا»؛ بسبب عملية اختراق واسعة لبيانات نحو 29 مليون مستخدم على مستوى العالم في عام 2018.