«الشرق الأوسط» ترصد فرار الآلاف من ليبيا في اتجاه حدود مصر الغربية

بينهم مصريون وعرب وأفارقة.. وسلطات السلوم وتطارد المتسللين..ومخاوف من دخول جهاديين

مدخل مدينة مرسى مطروح وجهة القادمين من الحدود الليبية
مدخل مدينة مرسى مطروح وجهة القادمين من الحدود الليبية
TT

«الشرق الأوسط» ترصد فرار الآلاف من ليبيا في اتجاه حدود مصر الغربية

مدخل مدينة مرسى مطروح وجهة القادمين من الحدود الليبية
مدخل مدينة مرسى مطروح وجهة القادمين من الحدود الليبية

رصدت «الشرق الأوسط» فرار الآلاف من ليبيا في اتجاه حدود مصر الغربية عبر المنفذ الرسمي في هضبة السلوم، وكذلك من خلال الدروب الجبلية لمن لا يحملون أوراقا ثبوتية، حيث تقوم سلطات حرس الحدود على الهضبة الحدودية بمطاردة المتسللين، وسط مخاوف من دخول جهاديين إلى داخل الأراضي المصرية. ويأتي هذا ضمن موجة من النزوح من هذا البلد الغني بالنفط الذي تضربه الفوضى منذ الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي في خريف 2011. وغادر البلاد الألوف من العرب والأجانب الذين كانوا يعملون في ليبيا، بالإضافة إلى بعثات دبلوماسية ورجال أعمال وغيرهم. وبعد تكدس الفارين من ليبيا على منفذ «رأس جدير» التونسي، ووقوع أعمال شغب هناك، بدأ الألوف، خاصة المصريين، في الاتجاه نحو منفذ «السلوم» على الحدود مع مصر.
وأكد العميد حسين المعبدي، نائب مدير ميناء السلوم البري، تزايد أعداد النازحين من ليبيا إلى مصر عبر الحدود الغربية خلال اليومين الماضيين. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن المتوسط اليومي للعائدين كان يتراوح حول ألفي شخص، لكنه ارتفع خلال الـ24 ساعة الماضية إلى نحو خمسة آلاف يوميا، بينهم أجانب. وروى عدد من الفارين من الجحيم الليبي لـ«الشرق الأوسط» قصصا مأساوية لما لاقوه في أكبر مدينتين بالبلاد وهما بنغازي وطرابلس اللتان تتصارع فيهما الميليشيات والكتائب المسلحة للسيطرة على مقاليد الحكم بالقوة، رغم انتخاب برلمان جديد قبل أسبوع. وقال مسؤول حدودي مصري آخر، إن غالبية الفارين من جحيم الاقتتال الأهلي، مصريون وعرب وأفارقة، وإن هؤلاء بدأوا أخيرا الاتجاه إلى الحدود الشرقية لليبيا، بعد الصعوبات التي لاقوها حين حاولوا الفرار عبر الحدود الليبية - التونسية، خلال الأيام الماضية، مشيرا إلى أن آلاف المصريين غيروا وجهتهم من منفذ «رأس جدير» إلى منفذ «السلوم»، بعد أن ناشد المتحدث باسم الخارجية المصرية، السفير بدر عبد العاطي، قبل يومين، المصريين في ليبيا بالتوجه إلى أماكن أكثر أمانا و«إذا كانوا راغبين في العودة، فإن معبر السلوم هو الأقرب إليهم».
كما بدأت أنظار عدة دول لها رعايا داخل ليبيا، مثل الأردن، توجيه أنظارهم للتوجه إلى منفذ «السلوم» كبديل عن «رأس جدير». ومن جانبه، قال العميد المعبدي إن «عدد القادمين من ليبيا زاد خلال آخر يومين، أي الخميس والجمعة الماضيين، ووصل العدد إلى 9800 مصري، بينهم 366 من جنسيات غير مصرية»، مشيرا إلى أن المعدل اليومي للعائدين كان يتراوح بين أو 1500 أو 1700 أو 2500 كحد أقصى، لكن ومنذ يوم الخميس الماضي جاء 5100 ويوم الجمعة الماضي 4600.
أما بالنسبة لليبيين، فلم يتمكن ألوف الفارين من المعارك الجارية في بنغازي، بين قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر ومتشددين، من الدخول إلى مصر، من خلال منفذ السلوم، وتقطعت بهم السبل في مدينتي إمساعد وطبرق وغيرها من البلدات الصغيرة المجاورة مثل كمبوت والبردي. وقال مسؤول حدودي مصري إنه يجري السماح بالدخول للمصريين العائدين من ليبيا والسماح لليبيين ذوي الحالات الإنسانية مثل تلقي العلاج، إضافة إلى السماح لليبيين الذين يثبت أن لهم أقارب في مصر، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن السلطات تواجه أيضا مشكلة المتسللين عبر الدروب الجبلية، وتتخوف من دخول عناصر من المتشددين الإسلاميين لتنفيذ عمليات تخريبية داخل مصر.
ويتنوع العائدون، المصريون وغير المصريين، من ليبيا إلى نوعين.. الأول أولئك الذين يحملون أوراقا ثبوتية ودخلوا إلى ليبيا في الماضي بشكل رسمي وسليم قانونا، وهؤلاء، وهم بالآلاف، يتجهون مباشرة إلى منفذ السلوم لإنهاء إجراءات العودة إلى مصر وختم جوازات السفر بشكل طبيعي، أما النوع الثاني، وفقا للمسؤول الحدودي، فهم الذين دخلوا إلى ليبيا بشكل غير قانوني في أيام الفوضى التي شهدتها كل من مصر وليبيا في النصف الأول من عام 2011، مشيرا إلى أن عدد المقبوض عليهم من المتسللين خلال الأسبوعين الماضيين فقط بلغ عدة مئات من المتسللين، الذين كان من بينهم مهربو أسلحة و«ممنوعات أخرى». ويزيد من معاناة العائدين قلة عدد سيارات الأجرة في الداخل الليبي، حيث يخشى السائقون الليبيون الوقوع في الأكمنة التي ينصبها المتحاربون في البلاد، خاصة بين أكمنة «أنصار الشريعة» وأكمنة قوات حفتر، إضافة إلى الأكمنة التي ينصبها لصوص وقطاع طرق يتحركون بآليات عسكرية وأسلحة ثقيلة في هذا البلد الذي تضربه الفوضى منذ ثلاث سنوات. ويقول محمد عبد الباسط، وهو شاب في الثلاثينات من مدينة السادات المصرية، وكان يعمل في مدينة الخُمس القريبة من طرابلس، إنه رغم ظروف الحرب حول مطار طرابلس الدولي بين قوات مصراتة والزنتان، فإنه تمكن من الوصول إلى العاصمة، ومن هناك اضطر لسداد أربعمائة وخمسين دينارا ليبيا (أي أربعة أضعاف الأجرة الحقيقية التي كان معمولا بها قبل الأحداث الأخيرة)، لكي يصل للحدود المصرية.
وتعرض محمد وعشرة آخرون كانوا في حافلة ليبية صغيرة متجهين من طرابلس إلى حدود مصر الغربية، لقطاع طرق قرب مدينة سرت (وسط ليبيا)، نهبوا كل ما كان معهم من أموال وملابس وأجهزة كهربائية. ويقول إن كل هذا يهون بعد أن رأى الموت بعينيه عدة مرات. ويروي عائدون مصريون آخرون من طرابلس الغرب حكايات مأساوية، بعد أن تقطعت بهم السبل على منفذ «رأس جدير» لأكثر من أسبوع دون أي أموال، واضطروا أخيرا للعودة عبر أكثر من ألف وثلاثمائة كيلومترا على الطريق البري للوصول إلى «السلوم».
ويقول محمد زين العابدين، وهو طبيب سوداني كان يعمل في ضاحية التميمي ببنغازي، ولديه أقارب يريد أن يعود إليهم في مصر، إنه كان في عيادته يوم السابع والعشرين من الشهر الماضي، حين توقفت سيارة دفع رباعي ونزل منها ثلاثة مسلحين ملتحين، وطلبوا منه اصطحابهم لعلاج مجموعة من الجرحى في مزرعة تقع على مسافة قصيرة من استاد بنغازي الرياضي.. «وفي الطريق، اقتحموا صيدلية وجلبوا منها الصيدلي، وهو رجل سوري الجنسية، وجلبوا معه أيضا كميات من الأدوية والقطن والشاش وغيرها».
وبينما يذكر زين العابدين كيف كان أهل بنغازي يهرولون لشراء السلع التموينية وتخزينها خوفا من الأيام المقبلة، يروي أيضا قصصا بطولية قام بها متطوعون من قطاعات مختلفة، لنقل الجثث ومساعدة الجرحى في مواقع الاقتتال وعبر الرصاص المتطاير في بنغازي. ويزيد هذا الطبيب وهو أصلا من العاصمة الخرطوم، موضحا مغامرات الحياة والموت في بنغازي، قائلا: «ونحن في السيارة، في شارع الشط، غطوا أعيننا بقماش أسود، وساروا بنا نحن الاثنين (أي هو والسوري) بسرعة كبيرة.. وللوهلة الأولى، لم أكن أدري أن هؤلاء المسلحين ينتمون إلى تنظيم أنصار الشريعة، إلى أن رأيت فيما بعد الشارة التي تعبر عنهم مطبوعة على ورقة ملصقة وسط مقود السيارة.
ويضيف الطبيب، البالغ من العمر 45 سنة، الذي يعمل في بنغازي منذ سبع سنوات: «كان جرحى (أنصار الشريعة) خمسة، بينهم اثنان يتحدثان بلهجة تشبه لهجة الجزائريين والتونسيين، والباقون ليبيون. وأثناء مداواتهم، عرفت من الحديث المتداول أنهم أصيبوا في هجوم لم يكتمل على معسكر تابع لقوات حفتر جنوب شرقي المدينة.. كان الهاجس أن يقوم هؤلاء المسلحون بقتلي أنا والصيدلي السوري، ولهذا كنت أتظاهر بأنني لا أعرف من هم ولا أين نحن. ومع ذلك، كنت أشعر من خلال تصرفاتهم ونظرات أعينهم بأنهم يفكرون جديا في قتلي أنا والسوري. أعمال الذبح البشعة تلك، وإطلاق النار على الرأس التي كنت أشاهدها على موقع (يوتيوب) بالإنترنت.. قلت إنها أصبحت من نصيبي الآن».
وتابع قائلا: «بعد نحو ساعة، شكرونا، في الحقيقة، على التعاون، لكنهم عادوا وغطوا عيني، وقالوا إنهم سيتوجهون بنا إلى منطقة أخرى لعلاج الجرحى، لكن السيارة تعرضت لإطلاق نار، وانحرفت ثم توقفت. وشعرت بالفوضى فنزعت القماش عن عيني وكان السائق منكفئا على المقود والدم يسيل من كتفه.. قفزت من السيارة لأجد نفسي في شارع عمر المختار، ولا أعرف ماذا حدث للسوري أو باقي المجموعة. ومنذ تلك الواقعة، قررت أن أرجع إلى مصر، لكن المشكلة كانت في خطورة الطرق الواصلة بين بنغازي ومنفذ السلوم، وبعد عدة محاولات تمكنت من الوصول سالما».
ووفرت السلطات المصرية حافلات إضافية وخيام إيواء وإسعاف لتوفير الخدمات للأعداد المتزايدة للمصريين وغيرهم من جنسيات أخرى، العائدين من ليبيا، بالإضافة إلى تشديد إجراءات الأمن على المنفذ وفحص جوازات السفر للقادمين، منعا لتسلل أي عناصر خطرة من المتشددين أو المتطرفين، خاصة أن المعلومات تقول إن الكثير من المصريين انخرطوا في صفوف المقاتلين الليبيين خلال الفترة الماضية. ويقول العائدون من جحيم الاقتتال إنهم اضطروا إلى ترك متعلقاتهم ومستحقاتهم المالية، بسبب سوء الأحوال هناك.
وفي منفذ السلوم أيضا، وقف رجل في العقد الرابع من العمر، يدعى عبد العال، من مدينة ديروط في صعيد مصر، في انتظار إنهاء إجراءات الدخول لبلده بعد 18 شهرا من العمل هناك، والحسرة تبدو على وجهه، بعد أن فقد مدخراته في ليبيا. ويوضح: «كنت أعمل لدى رجل يدعى الحاج صالح في بناء عمارة بمنطقة الليثي في بنغازي، مع خمسة عشر مصريا آخرين، إضافة إلى خمسة تونسيين وآخرين من الأردن والسودان، وفجأة بدأت مشكلة سقوط صواريخ الـ(غراد) في المنطقة. توقفنا عن العمل عدة أيام، وحين زادت وتيرة سقوط الصواريخ، حتى طالت المجمع السكني الذي نعيش فيه، قبل عيد الفطر بأسبوع، طلبنا من الحاج صالح أجرتنا وقلنا له إننا سنغادر، لكنه أخبرنا أنه من المستحيل أن يتمكن من توفير أي مبالغ مالية لنا في ظل ظروف الحرب التي تشهدها المدينة.. البنوك مغلقة والمتاجر مغلقة، والناس تفر بحثا عن ملجأ».
وبينما دعا مجلس النواب الليبي الجديد، في أولى جلساته التي عقدت في مدينة طبرق بأقصى شرقي البلاد، جميع الأطراف المتنازعة في طرابلس وبنغازي لوقف القتال فورا، قالت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، رافينا شامدازاني، إن المواجهات المستمرة في هاتين المدينتين، تسببت في وصول القصف العشوائي بين الجانبين لمناطق مكتظة بالسكان، وإن هذا يشكل جرائم حرب، خاصة أنها تقتل وتصيب المدنيين وتؤدي إلى تدهور الأوضاع المعيشية.
ومن مظاهر معاناة المصريين الذين ما زالوا يعيشون في ليبيا، «عمليات التحويل المالي العكسي». ويشرح منصور العميري، الذي يعمل في تحويل الأموال في نقطة إمساعد الليبية، هذه الظاهرة بقوله: «المصريون الذين يعملون في ليبيا يعتمدون في تحويل أموالهم إلى أسرهم في مصر، على القطاع الخاص، وليس على البنوك لأسباب تتعلق بالعلاقات المصرفية بين البلدين والقيمة الرسمية للعملة الليبية (الدينار). ويجري التحويل عن طريق القطاع الخاص عبر وكلاء موثوق بهم في الكثير من المدن الليبية، إلى ذوي العمال المصريين في المحافظات المصرية».
ويقول العميري إن كثيرا من أصحاب الأعمال الليبيين غير قادرين على تحصيل أموالهم لسداد أجور العاملين المصريين لديهم، ويطلبون منهم الاستمرار في العمل والانتظار إلى حين عودة الهدوء وعودة الحياة إلى طبيعتها، ولهذا فإن الكثير من العمال الذين يفضلون البقاء في ليبيا على أمل تحسن الأحوال، أصبحوا يطلبون من ذويهم في مصر تحويل أموال إليهم بالطريقة السابقة نفسه لكن بشكل عكسي، حتى يتمكنوا من مواصلة الحياة في ليبيا، وهذا ما أصبح يطلق عليه لدى وكلاء التحويلات في المدن الليبية والمصرية «التحويل المالي العكسي».
ومن بين العائدين أيضا، شاب من مدينة الإسكندرية يدعى جمال الدين النبوي، وكان يدير متجرا لبيع الملابس المستوردة في شارع الخليج العربي بمنطقة الماجوري في بنغازي منذ سنتين، واسم المتجر «الذوق العصري». ويقول: «كنا نستورد الملابس من تركيا ومن إيطاليا، ورغم ظروف ليبيا غير المستقرة فإنه كان يوجد بيع ويوجد إقبال على الشراء، لكن شحنات الملابس في الأيام الأولى للحرب بين قوات حفتر، والمتشددينـ، توقفت بعد توقف العمل في ميناء بنغازي».
ويضيف ابن الإسكندرية، البالغ من العمر 37 سنة: «كانت لنا طرود بضائع محتجزة على طريق سرت من جانب مسلحين يريدون إتاوات مالية قبل الإفراج عنها. كنت أظن أن المشكلة الأمنية ستنتهي وأن الأحوال ستتجه للاستقرار، لكن ومنذ بداية الشهر الماضي أخذت الأحداث تتصاعد، وبدأت أخشى على نفسي وعلى بضاعتي، وأخبرت شريكي الليبي بهذه المخاوف، لكنه طمأنني في البداية، وقال إنه طالما كانت هناك قوات لحفتر في المدينة، فلا تشغل بالك، فإن هذه النظرية لم تكن صحيحة. فجأة، اختفت قوات حفتر من الشوارع وأصبحنا تحت رحمة الميليشيات التي تقتل دون تحقيق».
ويقول النبوي إنه أغلق المتجر وترك المفاتيح مع شريكه الليبي، لكن المشكلة كانت في البحث عن طريق آمن يمكن أن يسلكه ليعود إلى مصر بدلا من منفذ «رأس جدير». ويضيف: «مطار بنينة في بنغازي مغلق، وطريق الطيران الوحيد موجود في تونس، ولكي أصل إلى هناك مع عائلتي (زوجة وثلاثة أطفال)، لا بد أن أمر عبر طرابلس، وهي الأخرى منطقة غير آمنة، ناهيك بأن الطريق من بنغازي إلى سرت، غربا، محفوف بالمخاطر هو الآخر. وكان لا بد بعد ذلك من عبور الطرق المتجهة شرقا، وأخطرها الطريق الساحلي الذي يمر عبر كل من مدينتي البيضاء ودرنة، بسبب تنظيم أنصار الشريعة، أما الطريقان الآخران فهما الأكثر أمنا مع أنهما الأسوأ والأبعد من بنغازي إلى الحدود المصرية. ولم تستوقف السيارة الأجرة التي كان يستقلها النبوي وأسرته إلا بوابتان تابعتان لقوات حفتر في منطقتي الأبيار وكمبوت، قبل أن يصل إلى منفذ السلوم ويتنفس الصعداء.
وتمنع السلطات المصرية دخول الليبيين إلى الداخل المصري إلا في الحالات الضرورية ومع بعض الاستثناءات، مثل أن يكون هدف القادم إلى مصر العلاج أو الدراسة أو العبور إلى دولة ثالثة. ويقول مسؤول في المنفذ البري المصري، إنه يتطلب للسماح لليبي بدخول مصر، أن يكون له أقارب مصريون من الدرجة الأولى مثل الأم أو الأب أو الأخ أو الأخت. كما يمكن استثناء بعض الحالات التي لها أقارب من الدرجة الثانية في مدن قريبة من الحدود مثل السلوم أو براني أو مرسى مطروح، بشرط أن تكون هناك ضمانة لهذا من وجهاء المنطقة الموثوق بهم.
ويقول علي عبد الله، وهو شاب ليبي الجنسية يبلغ من العمر 25 سنة، ويحمل حقيبة صغيرة على كتفه في الجانب الليبي من الحدود، إن والدته ليبية لكنها من أب مصري، وتقيم بمصر منذ عدة أشهر، وأراد اللحاق بها بعد تدهور الوضع الأمني في بنغازي، مشيرا إلى أن السلطات المصرية لم تسمح له بالدخول إلى أراضيها، واشترطت عليه أن تأتي والدته التي تقيم بمرسى مطروح على بعد نحو 220 كيلومترا من منفذ السلوم، لكي تتسلمه. وأضاف أن مصر تسمح بدخول الليبيين إلى أراضيها، لكن عبر مطار القاهرة الدولي، والمشكلة أنه لا يوجد طيران بين البلدين في الوقت الحالي، بعد تعطل العمل في مطاري طرابلس الدولي في العاصمة، ومطار بنينة في بنغازي.
وبينما يعمل موظفو الجوازات ومكاتب الأمن في السلوم على مراجعة أوراق الفارين من ليبيا، الذين بلغ عددهم منذ أواخر شهر يوليو (تموز) حتى الآن نحو ثلاثين ألفا، تقوم دوريات تابعة لقوات حرس الحدود بسد المنافذ الهشة التي يمكن أن يلجأ إليها من لا يحملون أوراقا ثبوتية أو مهربون أو جهاديون. ويقول مسؤول أمني في السلوم، إن قوات حرس الحدود التابعة للجيش تمكنت من ضبط ما لا يقل عن 500 حاولوا التسلل عبر الدروب الجبلية والوديان الوعرة جنوب منفذ السلوم، غالبيتهم مصريون، ومن بينهم أيضا نحو 30 سودانيا وسبعة فلسطينيين وخمسة سوريين وثلاثة من مواطني دولة بنغلاديش.
ويضيف المسؤول الحدودي أن المقبوض عليهم تتراوح أعمارهم بين 23 سنة و37 سنة وجرى توقفهم، بعد أن تسللوا إلى داخل البلاد، في عدة نقاط منها السلوم وبراني ومرسى مطروح ورأس الحكمة، وجرى إحالة المشتبه في علاقتهم بـ«تهريب الأسلحة» أو علاقتهم بـ«الإرهابيين» إلى النيابة العسكرية المختصة، والتحفظ على سيارات الدفع الرباعي التي جرى ضبطها بحوزتهم.
وتمكن ثلاثة شبان ليبيين من دخول مصر بعد معاناة وانتظار لأكثر من أسبوعين في مدينة إمساعد الحدودية. ويقول جبريل، البالغ من العمر 26 سنة ويعمل موظفا في مطار بنينة، إن باقي أقاربه، وعددهم 25 من الرجال والسيدات والأطفال، ما زالوا ينتظرون في إمساعد، لأن السلطات المصرية ترفض دخولهم، وتطلب منهم العودة لليبيا مرة أخرى.



مصر تؤكد رفض أي انتهاك للسيادة اللبنانية

وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)
TT

مصر تؤكد رفض أي انتهاك للسيادة اللبنانية

وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)

أكدت مصر «موقفها الثابت والرافض للمساس بسيادة لبنان ووحدة وسلامه أراضيه، فضلاً عن دعم المؤسسات الوطنية للاضطلاع الكامل بمسؤولياتها في الحفاظ على أمن واستقرار لبنان». وشددت على «ضرورة منع التصعيد واحتوائه، ورفض أي انتهاك للسيادة اللبنانية».

جاء ذلك خلال لقاء وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط، كلير لوجندر، على هامش «منتدى صير بنى ياس» في الإمارات، السبت.

وثمن عبد العاطي العلاقات الاستراتيجية بين مصر وفرنسا، معرباً عن التطلع لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري وزيادة الاستثمارات الفرنسية في مصر، فضلاً عن تعزيز التعاون في مختلف المجالات وفى مقدمتها قطاعات الصناعة والنقل والسياحة والثقافة والتعليم. كما رحب بقرب انعقاد الجولة الأولى من الحوار الاستراتيجي بين وزارتي الخارجية المصرية والفرنسية.

وفيما يتعلق بتطورات القضية الفلسطينية، رحب وزير الخارجية المصري بالموقف الفرنسي الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، مبرزاً الجهود التي تقوم بها مصر لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة. وأكد «ضرورة تضافر الجهود الدولية لضمان تنفيذ قرار مجلس الأمن 2803 وسرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية في غزة للاضطلاع بمسؤوليتها ومهامها».

ونوه عبد العاطي بأهمية المضي في خطوات تشكيل لجنة التكنوقراط الفلسطينية لإدارة قطاع غزة. ولفت إلى أهمية ضمان نفاذ المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق إلى قطاع غزة في ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية، مشدداً على أهمية خلق الأفق السياسي للتوصل إلى تسوية عادلة ومستدامة للقضية الفلسطينية من خلال تنفيذ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

الشيخ عبد الله بن زايد خلال لقاء وزير الخارجية المصري في الإمارات (الخارجية المصرية)

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، السبت، تم التطرق خلال اللقاء إلى الأوضاع في السودان، حيث أطلع الوزير عبد العاطي المسؤولة الفرنسية على الجهود المصرية في إطار الرباعية بهدف تحقيق وقف إطلاق النار بما يسمح بإطلاق عملية سياسية سودانية شاملة، مؤكداً على ثوابت الموقف المصري بشأن حماية سيادة السودان، ووحدة وسلامة أراضيه، ورفض التقسيم، ودعم مؤسسات الدولة. وشدد على ضرورة توحيد الجهود الإقليمية والدولية لدفع مسار التهدئة والتوصل إلى وقف لإطلاق النار ونفاذ المساعدات الإنسانية. كما حرص وزير الخارجية على إطلاع المسئولة الفرنسية على نتائج زيارته الأخيرة للبنان.

وقال وزير الخارجية المصري خلال زيارته إلى العاصمة اللبنانية بيروت، الشهر الماضي، إن بلاده تنظر إلى لبنان بعدّه ركناً أساسياً في منظومة الأمن والاستقرار الإقليمي، مؤكداً على أن صون سيادته واستقلال قراره الوطني يظلان أولوية ثابتة في السياسة الخارجية المصرية.

في سياق آخر، التقى عبد العاطي، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد، مساء السبت. وتناول اللقاء آفاق تعزيز العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين الشقيقين والبناء على ما تشهده من زخم إيجابي في مختلف المجالات، في ضوء ما يجمع القيادتين والشعبين من روابط راسخة وشراكة استراتيجية.

وبحسب «الخارجية المصرية»، السبت، تبادل الجانبان الرؤى حول عدد من القضايا والملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والأوضاع في الضفة الغربية وتنفيذ المرحلة الثانية من خطة الرئيس ترمب للسلام في قطاع غزة، فضلاً عن تطورات الأوضاع في السودان والتنسيق القائم في إطار الرباعية، والأوضاع في اليمن وسوريا وليبيا. واتفق الوزيران على «أهمية مواصلة التنسيق والتشاور لدعم جهود تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وتعزيز العمل العربي المشترك».


«قوة استقرار غزة»... اجتماع مرتقب بالدوحة لسد الفجوات

أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
TT

«قوة استقرار غزة»... اجتماع مرتقب بالدوحة لسد الفجوات

أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)

تستضيف العاصمة القطرية، الدوحة، اجتماعاً عسكرياً، الثلاثاء، لبحث «تشكيل قوة الاستقرار» في قطاع غزة التي تنص عليها خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام، التي دخلت حيز التنفيذ 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ولاقت دعماً من مجلس الأمن في نوفمبر (تشرين الثاني) الفائت.

ذلك الاجتماع المرتقب يأتي وسط ضبابية بشأن مستقبل تلك القوات وتعثر الانتقال للمرحلة الثانية، ويراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» محاولة لسد فجوات، منها مهام تعترض عليها فصائل فلسطينية مرتبطة بالوجود داخل القطاع أو نزع السلاح، بخلاف وجود «فيتو إسرائيلي» على مشاركة دول بينها تركيا، وسط تباين بشأن قدرة الاجتماع على تقديم حلول ناجزة، في ظل عدم اتفاق سياسي على الانتقال للمرحلة الثانية، وترقب نتائج لقاء ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أواخر هذا الشهر.

وتوقع مسؤولون أميركيون نشر هذه القوات مطلع العام المقبل، بعد بحث التفاصيل خلال اجتماع للقيادة المركزية الأميركية، بمشاركة عدد من الدول، في العاصمة القطرية، الدوحة، الثلاثاء، وفق ما أوردت وكالة «رويترز».

وقال مسؤولان أميركيان للوكالة، أخيراً، إنه من المتوقع أن ترسل أكثر من 25 دولة ممثلين عنها للمشاركة في الاجتماع الذي «سيتضمن جلسات لمناقشة هيكل القيادة، وقضايا أخرى متعلقة بقوة الاستقرار في غزة»، لافتين إلى أن «قوة الاستقرار الدولية لن تقاتل حركة (حماس)، وأن دولاً كثيرة أبدت رغبتها في المساهمة فيها».

ونقل موقع «أكسيوس»، الجمعة، أن مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، الذي زار إسرائيل أخيراً، أبلغ نتنياهو ومسؤولين آخرين بأن إدارة ترمب ستتولى قيادة ما تُعرف باسم «قوة الاستقرار الدولية» وستعين جنرالاً قائداً لها.

ويعطي قرار تبناه مجلس الأمن الدولي في 17 نوفمبر الماضي تفويضاً «لمجلس سلام» في غزة والدول التي تتعاون معه، من أجل تأسيس «قوة استقرار دولية» مؤقتة في القطاع.

وسبق أن تحدثت القناة الـ«14» الإسرائيلية أواخر نوفمبر الماضي، بأن الولايات المتحدة الأميركية حددت منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل، موعداً لبدء انتشار «قوة الاستقرار الدولية» في غزة، ونهاية أبريل (نيسان) المقبل موعداً نهائياً لإتمام عملية نزع السلاح من القطاع، مشيرة إلى أن ذلك طموح منفصل عن الواقع، في إشارة لإمكانية تأجيله مجدداً.

صبيَّان يحتميان من المطر وهما جالسان على عربة يجرُّها حمار في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

رئيس «المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية»، العميد سمير راغب، يرى أن اجتماع الدوحة سيركز على «سد الفجوات» مثل عدم تعيين قائد للقوة، رغم أن التسريبات تشير إلى أنه أميركي، فلا مهام محددة بشأن القوة حتى الآن، كما أنه لم يتم تشكيل «مجلس السلام» الذي صدر له التفويض الأممي بتشكيل القوة، بجانب وجود «فيتو إسرائيلي» على مشاركة تركيا، وهذا يعرقل مسار تحديد الدول، بخلاف عدم حسم قضايا سياسية مرتبطة بنزع السلاح.

وأشار إلى أن حديث انتشار القوات بداية العام يكون صحيحاً إذا كنا قد عرفنا الآن مهام وتسليح القوات، وباتت تتجمع هذه الأيام، وبالتالي نحن بصدد ترتيبات ستأخذ ربما شهرين لتحقيق انتشار لو حُسمت الملفات السياسية.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن اجتماع الدوحة بشأن تلك القوات يناقش سد الفجوات «لكنه يشكل إطاراً عاماً للتعايش معها، وليس لحلها»، موضحاً أن الفجوات تتعلق بكيفية الانتشار ومهام القوات، وهل ستنزع سلاح «حماس» وتبدأ الانسحابات. ونبه إلى أن هذا الاجتماع قد يحسم التشكيل والتمويل، و«لا يعني مشاركة 25 دولة فيه أن هناك موافقة على الانخراط في القوة؛ لكن ستتم مناقشة الخطوط الأولية».

منظر عام لمخيَّم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية بغزة (أ.ف.ب)

وعلى هامش مشاركته في «منتدى صير بني ياس» بالإمارات، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، السبت: «ضرورة الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة، وأهمية تشكيل قوة الاستقرار الدولية»، وذلك خلال لقاء المدير العام لـ«أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية»، والمنسق الأممي الخاص السابق لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، وفق بيان لـ«الخارجية المصرية».

وهذا التأكيد ليس الأول من نوعه من جانب مصر؛ حيث أعلنته أكثر من مرة أخيراً.

وردت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، على الصحافيين أخيراً بشأن تطورات اتفاق غزة، قائلة إن «هناك كثيراً من التخطيط الهادئ الذي يجري خلف الكواليس في الوقت الحالي للمرحلة الثانية من اتفاق السلام... نريد ضمان سلام دائم ومستمر».

وأوضح راغب أن المرحلة الأولى لم تنتهِ بعد، وهناك أمور سياسية لم تُحَل، لافتاً إلى أن «قمة ترمب-نتنياهو» المقررة نهاية هذا الشهر ستكون فاصلة في المرحلة الثانية، وتشكيل القوات، ورفع «الفيتو»، وإنهاء الفجوات.

أما نزال فيرى أن المرحلة الثانية لم تنضج بعد، والهدوء الأميركي في المناقشات محاولة لتفادي الفشل من أي إعلان قد يُحدث ضجة عند أي طرف، في ظل ريبة فلسطينية مما يُعد في الكواليس، متوقعاً أن تزداد مساعي الوسطاء تجاه الانتقال للمرحلة الثانية بأقل تكلفة ومخاطرة، وهذا سيتضح عقب لقاء ترمب بنتنياهو.


حراك سياسي وعسكري مكثف لإنهاء التوترات في شرق اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
TT

حراك سياسي وعسكري مكثف لإنهاء التوترات في شرق اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)

يترقَّب الشارع اليمني أن تُكلَّل الجهود التي تقودها السعودية، بشراكة مع الإمارات، بنزع فتيل التوتر وإنهاء التصعيد في حضرموت والمهرة على خلفية التحركات الأحادية الميدانية التي قام بها المجلس الانتقالي الجنوبي في الأيام الماضية، التي أدت إلى إرباك معسكر الشرعية اليمنية، وسط مخاوف من أن يقود ذلك إلى تبعات اقتصادية وإنسانية وأمنية في ظل تربص الجماعة الحوثية بالمناطق المُحرَّرة.

جاء ذلك غداة حراك سياسي وعسكري مكثَّف في إطار الجهود السعودية - الإماراتية الرامية إلى احتواء التوتر في المحافظات الشرقية، وذلك مع وصول فريق عسكري مشترك إلى عدن، وعقد لقاءات رسمية مع قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي، بالتوازي مع لقاءات في حضرموت مع قيادات محلية وقبلية، في مسعى لإعادة تطبيع الأوضاع ومنع انزلاقها إلى مزيد من التصعيد.

وجاءت هذه التحركات في وقت تشهد فيه محافظتا حضرموت والمهرة توتراً متزايداً على خلفية تحركات ميدانية للمجلس الانتقالي الجنوبي، وما أعقبها من مواجهات وأحداث أمنية، دفعت «تحالف دعم الشرعية» إلى تكثيف مساعيه السياسية والعسكرية لفرض التهدئة، والحفاظ على وحدة مؤسسات الدولة في المناطق المُحرَّرة.

الزبيدي استقبل في عدن وفداً عسكرياً سعودياً إماراتياً مشتركاً (سبأ)

في هذا السياق، استقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اللواء عيدروس قاسم الزُبيدي، وهو رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، في القصر الرئاسي بعدن، قيادة القوات المشتركة لـ«تحالف دعم الشرعية»، يتقدمهم اللواء الركن سلطان العنزي، واللواء الركن عوض الأحبابي، بحضور عضو مجلس القيادة عبد الرحمن المحرمي، ورئيس هيئة التشاور والمصالحة محمد الغيثي، ورئيس اللجنة العسكرية والأمنية المشتركة العليا اللواء هيثم قاسم طاهر.

ووفق مصادر رسمية، ناقش اللقاء سبل توحيد الجهود لمواجهة التحديات التي تهدِّد أمن اليمن والمنطقة، وفي مقدمتها الإرهاب، وتهريب الأسلحة، والتهديدات التي تمس المصالح الدولية وحرية الملاحة، إلى جانب آليات تعزيز التنسيق العسكري والأمني بين القوات اليمنية والتحالف.

وأشاد الزُبيدي بالدور الذي تضطلع به دول التحالف بقيادة السعودية والإمارات، مؤكداً أهمية الشراكة القائمة في دعم القوات اليمنية، بينما أكدت قيادة القوات المشتركة دعمها المستمر للقوات المسلحة اليمنية في مواجهة الميليشيات الحوثية، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز الاستقرار في المرحلتين الحالية والمستقبلية.

بيان رئاسي

بالتوازي مع هذه التحركات، جدَّد مصدر مسؤول في مكتب الرئاسة اليمني الإشادة بجهود السعودية لخفض التصعيد وإعادة تطبيع الأوضاع في المحافظات الشرقية، وذلك بعد وصول الفريق العسكري السعودي - الإماراتي إلى عدن.

وأوضح المصدر أن الزيارة تأتي ضمن جهود الرياض وأبوظبي لتعزيز وحدة مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، ومعالجة تداعيات الإجراءات الأحادية الأخيرة، بما يضمن عودة الأوضاع إلى مسارها الطبيعي، وتمكين السلطات المحلية والحكومة من أداء مهامها وفقاً للدستور والقانون.

وأشار البيان إلى أن المشاورات الجارية تتناول معالجة مسألة القوات المُستقدَمة من خارج المحافظات الشرقية، وسبل مغادرتها، إضافة إلى تمكين مؤسسات الدولة من ممارسة صلاحياتها الحصرية، واحترام المرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض.

مناصرون للمجلس الانتقالي الجنوبي خلال حشد في عدن (أ.ف.ب)

وحذَّر المصدر من أن أي تصعيد إضافي من شأنه تبديد المكاسب المُحقَّقة، وصرف الانتباه بعيداً عن المعركة ضد جماعة الحوثي، وتقويض جهود الإصلاحات الاقتصادية، ومفاقمة الأزمة الإنسانية في البلاد، مؤكداً حرص قيادة الدولة على تغليب الحلول السياسية، ودعم الجهود السعودية - الإماراتية، والعمل الوثيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين.

آليات مرتقبة للحل

أفادت مصادر مطلعة بأن الفريق العسكري السعودي - الإماراتي يبحث وضع آليات تنفيذية لخروج القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي من محافظتَي حضرموت والمهرة، وإعادتها إلى مواقعها السابقة، إلى جانب ترتيبات لتسليم بعض المواقع لقوات «درع الوطن»، في إطار إجراءات منسقة تهدف إلى إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل التصعيد.

كما عقد الوفد السعودي، برئاسة اللواء الدكتور محمد القحطاني، لقاءً موسعاً في حضرموت مع قيادة السلطة المحلية برئاسة المحافظ سالم الخنبشي، وقيادات الكتلة البرلمانية ومجلس الشورى، ومرجعيات قبائل حضرموت، ومشايخ وأعيان الوادي والصحراء.

وأكد المحافظ الخنبشي أن زيارة الوفد السعودي تمثل دعامةً لأواصر الأخوة بين البلدين، مشيداً بمواقف المملكة الداعمة لحضرموت في هذه الظروف، بينما شدَّد رئيس الوفد السعودي على أن اللقاءات تأتي في إطار فرض التهدئة، ورفض أي تشكيلات عسكرية خارج نطاق الدولة، والحفاظ على أمن واستقرار المحافظة.

رئيس الوفد السعودي في حضرموت اللواء محمد القحطاني يلتقي قيادات قبلية ومحلية (سبأ)

وأشادت القيادات البرلمانية والقبلية بالموقف السعودي، عادّةً أن هذه التحركات تمثل تطميناً للمواطنين، وتؤكد الحرص على معالجة تداعيات دخول قوات من خارج المحافظة، والحفاظ على النسيج الاجتماعي.

في المقابل، نعت رئاسة هيئة الأركان العامة اليمنية عدداً من منتسبي المنطقة العسكرية الأولى، الذين سقطوا خلال مواجهات وصفتها بأنها اعتداءات نفَّذتها مجاميع تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، مشيرةً إلى سقوط 32 قتيلاً و45 جريحاً، إضافة إلى مفقودين، ومؤكدة التزام القوات المسلحة بواجباتها تحت قيادة الدولة ووفقاً للدستور والقانون.

وفي موقف سياسي لافت دعا أحمد علي عبد الله صالح، وهو النجل الأكبر للرئيس اليمني الأسبق، جميع الأطراف اليمنية، إلى وقف التصعيد وضبط النفس، والعودة إلى الحوار، محذِّراً من أن استمرار التوتر في المحافظات الشرقية لا يخدم استقرار البلاد، ولا جهود توحيد الصف في مواجهة الحوثيين والتنظيمات الإرهابية.