تاريخ العمران في المغرب بـ «كلمات» من فخّار

نور الدين في مشغله («الشرق الأوسط»)
نور الدين في مشغله («الشرق الأوسط»)
TT

تاريخ العمران في المغرب بـ «كلمات» من فخّار

نور الدين في مشغله («الشرق الأوسط»)
نور الدين في مشغله («الشرق الأوسط»)

يقف المغربي نور الدين خايف الله في ركن من أركان ورشته وراء طاولة كبيرة، مشمّراً عن ساعديه، وأصابعه تداعب طين الصلصال الطيّع ليحوله بمهارة فائقة إلى مساجد وقصور وقصبات وصوامع بأحجام صغيرة تحاكي تماماً صروحاً عمرانية في المغرب وخارجه.
تعج ورشة نور الدين في مدينة سلا قرب العاصمة المغربية الرباط، بأشكال مختلفة لأسوار وبوابات وقلاع وغيرها، حرص على صنعها بشكل ينقل ما في المدن والقصبات التاريخية المغربية، كما كانت في أوجها وليس كما هي عليه اليوم.
يقول نور الدين لـ "الشرق الأوسط" إن صنع مجسّم لقصبة أو مسجد ما، "لا يعني أن تأخذ الطين وتحاكي الجدران"، موضحا أنه كثيرا ما يركن إلى قراءة تاريخ مبنى ما قبل الشروع في صنع تصميم له بالفخار، لأن همه هو التعريف بهذا التاريخ من خلال المباني الصغيرة. ويوضح أن علاقته بهذا العمل الحرفي الفنّي تعود إلى ما يقارب عشرين سنة عندما كان طالبا في الثانوية العامة في سلا: "كنت آنذاك مهووساً بالرسم وقد تأثرت بصديق لي كان بارعاً فيه ومتخصصاً في رسم السيارات. أما أنا فقد كنت أرسم رياضيي كمال الأجسام".
يضيف نور الدين أنه قُبل في قرعة الهجرة إلى الولايات المتحدة الأميركية آنذاك. وفيما كان يعدّ وثائقه للهجرة إلى بلاد العم سام، قررالعمل مع صانع تقليدي للفخار متخصص في صنع مجسّمات آدمية. يقول نور الدين: "على الرغم من أن مهمتي كانت محصورة في طلاء المجسمات، حاولت العمل بالطين فاكتشفت أنه طيّع بين أناملي، ثم صنعت مجسمات نالت إعجاب صاحب الورشة".

*الهجرة
هاجر نور الدين إلى الولايات المتحدة عام 2000، وهناك عمل في أحد مطاعم الوجبات السريعة، وكان وقته مضغوطاً جداً خلال تلك الفترة، خصوصاً بعد زواجه، لكنه مع ذلك لم ينسَ اهتمامه بالرسم والتصميم. ودأب على مشاهدة قناة تلفزيونية خاصة بالتصميم، ويبحث دوما في الأنترنت عن الجديد في المجال. أما الورقة والقلم فلا يفارقانه أينما حل.
أمضى نور الدين سنوات في تكوين نفسه بشكل عصامي في مجال التصميم والرسم، من دون أن يحدد بالضبط ما الذي سيفعله بكل هذه المعلومات وموهبته، لكن زيارته لمعرض في مدينة نيويورك يعرض مجسمات وتصاميم صغيرة لمدن عالمية غيّرت كل شيء.
يقول الفنان المغربي إن ما شاهده هناك أبهره، لأنه يشجع على السياحة ومعرفة المدن بشكل دقيق، وبطريقة ذكية ومبتكرة. وأكثر ما أعجبه تصميم لمدينة نيويورك بعنوان "تعرّف على نيويورك في عشر دقائق". عندها راح يفكّر "كيف أستغل موهبتي وما أعرفه في صنع تصاميم لمدن مغربية لكن بطريقة مختلفة عما شاهدته في المعرض".
واستغرق التفكير وقتاً طويلاً قبل أن يهتدي إلى فكرة صنع مجسّمات لصروح عمرانية قديمة، لا تشبه ما تبقّى من أطلال، بل تصوّر العمران بشكل أقرب إلى ما كان عليه لما كان في أوجه.

*خيارات صعبة
عام 2010 وجد نور الدين نفسه أمام ثلاثة خيارات: إما التخلي عن ميوله وموهبته، أو دراسة التصميم في مدارس متخصصة، أو الرجوع إلى المغرب للبدء من الصفر وتحقيق حلمه بصنع تصاميم المدن القديمة. وفي النهاية قرر مغادرة الولايات المتحدة والعودة إلى المغرب، بعد عشرة أعوام حصل خلالها على الجنسية.
بعد العودة، حاول أن يجرب تطبيق فكرته على مواد أولية مختلفة كالورق والخشب، قبل أن يختار الفخّار. وفي هذا الصدد يقول: "الطين طيّع ويساعد على إبراز الكثير من التفاصيل، كما أنه يصبح صلباً بعد إحراقه ليصير فخًاراً".
بعد أكثر من ثلاث سنوات استطاع نور الدين أن يؤسس ورشته الخاصة في سلا، ويقول إن رسالته من هذا العمل هي أن يروي تاريخ المغرب بطريقة مبسّطة، علماً أن العمل نفسه معقّد وتدخل فيه تخصصات مختلفة، منها الرياضيات لاحتساب الأبعاد والتناسب بين الأحجام، ثم الطوبوغرافيا والتصميم والرسم.
استطاع نور الدين أن يصمم الكثير من المدن والقصبات والأسوار القديمة، أبرزها صومعة حسان ومسجد الكتبية في الرباط، و"باب لمريسة" على أبواب مدينة سلا وغيرها. ويتمنى أن تساعده ظروفه على تحقيق حلمه في صناعة أفلام "رسوم متحركة" للأطفال، تحكي جوانب من تاريخ المغرب. ويقول موضحاً: "الفكرة تعتمد على صنع قصبات ومساجد وغيرها بالفخار، بالإضافة إلى مجسمات أشخاص وخيول وكل الأشياء الضرورية للفيلم، وتصويرها في وضعيات مختلفة وتحريكها".

*من «مبادرة المراسل العربي»



سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
TT

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)

عندما سافر علماء بيئة بريطانيون إلى سلوفينيا هذا الصيف على أمل التقاط ما يكفي من صراصير «الزيز» المغرِّدة لإعادة إدخال هذا النوع إلى غابة «نيو فورست» في بريطانيا، كانت تلك الحشرات صعبة المنال تطير بسرعة كبيرة على ارتفاع بين الأشجار. لكنَّ فتاة تبلغ 12 عاماً قدَّمت عرضاً لا يُفوَّت.

وذكرت «الغارديان» أنّ كريستينا كيندا، ابنة الموظّف في شركة «إير بي إن بي»؛ الموقع الذي يتيح للأشخاص تأجير واستئجار أماكن السكن، والذي وفَّر الإقامة لمدير مشروع «صندوق استعادة الأنواع» دوم برايس، ومسؤول الحفاظ على البيئة هولي ستانوورث، هذا الصيف؛ اقترحت أن تضع شِباكاً لالتقاط ما يكفي من صراصير «الزيز» لإعادتها إلى بريطانيا.

قالت: «سعيدة للمساعدة في هذا المشروع. أحبّ الطبيعة والحيوانات البرّية. الصراصير جزء من الصيف في سلوفينيا، وسيكون جيّداً أن أساعد في جَعْلها جزءاً من الصيف في إنجلترا أيضاً».

كان صرصار «نيو فورست» الأسود والبرتقالي هو النوع الوحيد من الصراصير الذي وُجِد في بريطانيا. في الصيف، يصدح الذكور بأغنية عالية النغمات لجذب الإناث التي تضع بيضها في الأشجار. وعندما يفقس الصغار، تسقط إلى أرض الغابة وتحفر في التربة، حيث تنمو ببطء تحت الأرض لمدّة 6 إلى 8 سنوات قبل ظهورها على شكل كائنات بالغة.

صرصار «نيو فورست» الأسود والبرتقالي (صندوق استعادة الأنواع)

اختفى هذا النوع من الحشرات من غابة «نيو فورست»، فبدأ «صندوق استعادة الأنواع» مشروعاً بقيمة 28 ألف جنيه إسترليني لإعادته.

نصَّت الخطة على جمع 5 ذكور و5 إناث من متنزه «إيدريا جيوبارك» في سلوفينيا بتصريح رسمي، وإدخالها في حضانة صراصير «الزيز» التي تضمّ نباتات محاطة في أوعية أنشأها موظّفو حديقة الحيوانات في متنزه «بولتون بارك» القريب من الغابة.

ورغم عدم تمكُّن برايس وستانوورث من التقاط صراصير «الزيز» البالغة، فقد عثرا على مئات أكوام الطين الصغيرة التي صنعها صغار «الزيز» وهي تخرج من الأرض بالقرب من مكان إقامتهما، وتوصّلا إلى أنه إذا كانا يستطيعان نصب خيمة شبكية على المنطقة قبل ظهور صراصير «الزيز» في العام المقبل، فيمكنهما إذن التقاط ما يكفي منها لإعادتها إلى بريطانيا. لكنهما أخفقا في ترك الشِّباك طوال فصل الشتاء؛ إذ كانت عرضة للتلف، كما أنهما لم يتمكنا من تحمُّل تكلفة رحلة إضافية إلى سلوفينيا.

لذلك، عرضت كريستينا، ابنة مضيفيهما كاتارينا وميتشا، تولّي مهمّة نصب الشِّباك في الربيع والتأكد من تأمينها. كما وافقت على مراقبة المنطقة خلال الشتاء لرصد أي علامات على النشاط.

قال برايس: «ممتنون لها ولعائلتها. قد يكون المشروع مستحيلاً لولا دعمهم الكبير. إذا نجحت هذه الطريقة، فيمكننا إعادة أحد الأنواع الخاصة في بريطانيا، وهو الصرصار الوحيد لدينا وأيقونة غابة (نيو فورست) التي يمكن للسكان والزوار الاستمتاع بها إلى الأبد».

يأمل الفريق جمع شحنته الثمينة من الصراصير الحية. الخطة هي أن تضع تلك البالغة بيضها على النباتات في الأوعية، بحيث يحفر الصغار في تربتها، ثم تُزرع النباتات والتربة في مواقع سرّية في غابة «نيو فورست»، وتُراقب، على أمل أن يظهر عدد كافٍ من النسل لإعادة إحياء هذا النوع من الحشرات.

سيستغرق الأمر 6 سنوات لمعرفة ما إذا كانت الصغار تعيش تحت الأرض لتصبح أول جيل جديد من صراصير «نيو فورست» في بريطانيا.