موجات البرد... مخاطر صحية متنوعة يُمكن تفاديها

مع تدني حرارة الأجواء، ترتفع احتمالات الإصابة بعدد من الاضطرابات الصحية أو الحالات المرضية. وهناك وسائل للوقاية تفيد في منع حصولها. وصحيح أن برودة الأجواء قد تكون مزعجة للبعض، ولكن ليس بالضرورة أن يكون ذلك سبباً في المعاناة الصحية خلال فصل الشتاء، بل بالإمكان أن يستمتع المرء بهذه الأجواء ويعمل على رفع مستوى صحته فيها.
اضطرابات البرد
وبالمراجعة الطبية، هناك اضطرابات صحية مرتبطة بشكل «مباشر» مع موجات البرد والصقيع، وأخرى مرتبطة بشكل «غير مباشر» معها. ومن أمثلة النوع الأول، أي «المباشر»: حالات «انخفاض حرارة الجسم»، و«عضات الصقيع» بأصابع القدمين واليدين، وحوادث السقوط والانزلاق على الأسطح المبتلة أو على الجليد، وحالات التسمم بغاز أول أكسيد الكربون، وشرى البرد في احمرار الجلد. ومن أمثلة النوع الثاني، أي «غير المباشر»: نزلات البرد الفيروسية، والإنفلونزا، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع احتمالات حصول نوبة الجلطة القلبية، وزيادة الوزن نتيجة اختلال الالتزام ببعض السلوكيات الصحية كممارسة الرياضة البدنية واتباع الحمية الغذائية الصحية.
وتبقى الإشكالية الصحية الأكبر هي التعرض للبرودة نفسها، والمعاناة منها ومن تبعاتها الصحية. وعند تعرض الجسم لدرجات حرارة منخفضة، فإنه يفقد بسرعة كميات من الحرارة الداخلية بمقدار يفوق قدرته على تعويضها وإنتاجها لتدفئة الجسم وحفظ حرارته ضمن المعدلات الطبيعية. وهناك جانبان في هذا الشأن؛ الأول: أن غالبية ذلك يحصل عندما يكون المرء خارج المنزل، والثاني: أن أكثر ما يفقده المرء من حرارة جسمه يتم من خلال العنق والرأس عند عدم الحرص على تغطيتهما وتدفئتهما.
وانخفاض حرارة الجسم دون المعدل الطبيعي، يُؤدي إلى اضطراب عمل أجزاء الدماغ، ما يُؤثر بشكل سلبي في قدرات التفكير الذهني والقدرات الحركية للأطراف. ويزداد الأمر سوءاً عندما يُصاحب انخفاض درجة حرارة الأجواء زيادة في سرعة الرياح وتدني الرطوبة، ما يجعل درجة الحرارة التي يتعرض لها الجسم فعلياً أقل من درجة حرارة الأجواء نفسها. ولذا فإن مقدار البرودة التي يشعر بها المرء في مناطق جافة وخارج المنزل تختلف عن مقدار البرودة التي يشعر بها شخص في مناطق رطبة أو داخل المنزل.
تدفئة الجسم
وأولى خطوات التعامل مع برودة الأجواء ومنع الإصابة بأي انتكاسات صحية أو مرضية جراءها، هو العمل بكفاءة على حفظ حرارة الجسم. وإضافة إلى تقليل التعرض المباشر للأجواء الباردة خارج المنزل والحرص على التدفئة المنزلية المعتدلة، فإن الحرص على التغذية الجيدة، وممارسة الحركة البدنية، وارتداء الملابس بطريقة صحيحة هي الثلاث وسائل المهمة في هذا الشأن.
ومن أجل تدفئة الجسم لنفسه، يقوم الجسم بإنتاج الطاقة الحرارية عبر عدة وسائل داخلية؛ مثل تنشيط حصول العمليات الكيميائية الحيوية، وهي التي تحتاج إلى حفظ كمية السوائل في الجسم والتغذية الجيدة. وعند التعرض المباشر للبرودة يقوم الجسم بتنشيط حصول «قشعريرة الرعشة»، وهي التي يتكرر فيها حصول انقباض وانبساط العضلات الصغيرة في منطقة الجلد. والإنسان بإمكانه أن يزيد من إنتاج الطاقة الحرارية في جسمه بالقيام ببعض الحركات الرياضية في تحريك الأطراف العلوية أو السفلية أو فرك اليدين ببعضهما.
ويشعر الكثيرون بالتعب والكسل والبطء في النشاط خلال فترة الشتاء وبرودة الأجواء، وهو ما يُسمى «تعب الشتاء» (winter tiredness)، وجزء من هذا سببه تأثيرات البرودة، إضافة إلى تدني التعرض لأشعة الشمس، على أجزاء مختلفة من أجهزة الجسم وطريقة عملها. ولكن بالإمكان التغلب على ذلك، وبشكل يومي، عبر الحرص على أخذ قسط كافٍ من النوم الليلي، والاستيقاظ المبكر في الوقت نفسه كل يوم، وفتح الستائر لرؤية ضوء وأشعة الشمس. ثم وبعد ارتداء الملابس والحذاء المناسبين، يحاول المرء الخروج في ضوء النهار الطبيعي قدر الإمكان، ويحرص على ممارسة رياضة المشي بشكل يومي. ومن المفيد الخروج مع أفراد الأسرة لقضاء أوقات ممتعة في النزهات واللعب معهم.
والوسيلة الثانية للتغلب على الشعور بالبرودة هي ارتداء الملابس بطريقة صحيحة أثناء النهار والليل، وتغطية الجسم جيداً أثناء النوم. والطريقة الصحيحة لارتداء الملابس تعتمد على ارتداء عدة طبقات من الملابس التي لا تسبب التعرّق وتعطي الدفء، وتغطية الرأس ومنطقة العنق ما أمكن، خصوصاً الأطفال وكبار السن والمُصابين بأمراض مزمنة، كمرضى كسل الغدة الدرقية أو مرضى السكري أو مرضى التهابات المفاصل أو مرضى مرض باركنسون العصبي أو الذين أصابتهم الحروق في مناطق واسعة من الجلد أو منْ لديهم تضيقات في الشرايين الطرفية.
والحقيقة أن من أكثر الأشياء وضوحاً حول التعامل السليم مع موجات البرد هو ارتداء الملابس بطريقة تمنح لنا الدفء، وتوفر عزل الجسم عن البرودة المحيطة به لتساعده في حفظ الدفء الذي يصنعه لتدفئة نفسه. وكذلك ارتداء أحذية عازلة للبرودة ومانعة للانزلاق، لتروية القدمين بالدم وتدفئتهما ولمنع حصول حالات السقوط والانزلاق. أي أن من المهم ارتداء الملابس على هيئة طبقات، والحرص على تدفئة الرأس والرقبة وأطراف الأصابع في اليدين والقدمين.
التغذية الصحيحة
إن برودة الأجواء قد تدفع البعض نحو تناول أنواع من الأطعمة بطريقة عشوائية، ولكن ليس بالضرورة أن يحصل ذلك، بل إن أجواء الشتاء فرصة للحرص على التغذية الجيدة لإمداد الجسم بالأنواع المختلفة من المعادن والفيتامينات والسكريات والدهون والبروتينات الطبيعية الصحية. وفي جانب التغذية أثناء الأجواء الباردة، يكون الحرص أولاً على شرب الماء، لأنه عنصر أساسي في تنشيط العمليات الكيميائية الحيوية بالجسم، التي تعطي الجسم الطاقة الحرارية. ويكون الحرص أيضاً بتقليل تناول المشروبات المحتوية على الكافيين، لأن الكافيين يزيد من إدرار البول ويُقلل من جريان كميات كافية من الدم في أجزاء الجسم المختلفة لتوزيع الحرارة فيها وتدفئتها.
وإضافة إلى هذا، يكون الحرص على تناول الأطعمة التي تسهم في تزويد الجسم بالعناصر الغذائية الباعثة على الدفء وإنتاج الطاقة والمحتوية على مواد تُقوي جهاز المناعة. ولذا يجدر الحرص على تناول مزيد من الخضار والفواكه والمكسرات والبقول والحليب. والفواكه والخضار الطازجة من أفضل أنواع الأطعمة الصحية، ويكون الحرص على تناول 5 حصص غذائية منها يومياً. وتناول الخضار الطازجة لا يعني تناولها نيئة، بل يُمكن عمل أنواع مختلفة من شوربة الخضار. وهناك أنواع من الفواكه المفيدة في فصل الشتاء، التي يُمكن تناولها مباشرة كالحمضيات بأنواعها والتفاح والموز والعنب، أو تناول أنواع مختلفة منها على هيئة عصير الفواكه الطازجة، أو تناول أنواع من الفواكه المجففة كالتمر والتين.
والمكسرات، خصوصاً منها الدافئة كالكستناء، أو الجافة كاللوز والجوز والفستق، تُمد الجسم بأنواع مختلفة من المعادن والألياف والفيتامينات والسكريات. هذا بالإضافة إلى البقول في أطباق البقول، كالفول والفاصوليا والحمص، التي تمد الجسم بكثير من العناصر الغذائية الصحية.
ويوفر شرب الحليب، وتناول مشتقات الألبان كلبن الزبادي، تزويد الجسم بالبروتينات والمعادن والفيتامينات التي ترفع من كفاءة عمل جهاز مناعة الجسم، ويوفر أيضاً تزويد الجسم بأنواع من الدهون الصحية الطبيعية التي توفر الوقود للجسم لإنتاج الطاقة.
ويقدم تناول العسل بديلاً للسكريات، وسيلة صحية في مقاومة الأمراض وإمداد الجسم بالطاقة. كما يعطي الدفء وتنشيط جهاز مناعة الجسم في فصل الشتاء، تناول الأطعمة الدافئة والمحتوية على مرق اللحوم والدجاج. وأيضاً الإضافة المعتدلة لأنواع من البهارات التي تبعث الشعور بالدفء كالزنجبيل وغيره.
* استشارية في الباطنية