قد يحل موعد الانتخابات الأوروبية وبريطانيا لا تزال عضواً في التكتل

السياسي البريطاني نايجل فاراج خلال لقاء شعبي (أ.ف.ب)
السياسي البريطاني نايجل فاراج خلال لقاء شعبي (أ.ف.ب)
TT

قد يحل موعد الانتخابات الأوروبية وبريطانيا لا تزال عضواً في التكتل

السياسي البريطاني نايجل فاراج خلال لقاء شعبي (أ.ف.ب)
السياسي البريطاني نايجل فاراج خلال لقاء شعبي (أ.ف.ب)

سيطرت قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على البريطانيين خلال العامين الماضيين، في الوقت الذي تصاعدت فيه نزعة العداء للأجانب والحمائية التجارية في أنحاء أوروبا، وهو ما أدى إلى انقسام الاتحاد الأوروبي بشأن مستقبل القارة.
وفي حين أن الموعد الرسمي لخروج بريطانيا من الاتحاد يحل يوم 29 مارس (آذار) المقبل، فمن المفترض ألا يكون للمملكة المتحدة دور في انتخابات البرلمان الأوروبي المقررة بعد الخروج بنحو شهرين. ولكن في ظل تعثر إجراءات الخروج، ربما تأتي الانتخابات الأوروبية وبريطانيا لا تزال عضواً في التكتل، وهو ما يعني أن يختار الناخبون البريطانيون العشرات من النواب المناوئين للاتحاد الأوروبي، بحسب ما أوردته وكالة «بلومبرغ» للأنباء.
وستجري الانتخابات على 705 مقاعد في البرلمان الأوروبي، في حين يفترض أن تفقد بريطانيا 73 مقعداً مخصصة لها حتى الآن. ولا تستبعد رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، تقديم طلب لتأجيل خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي، في ظل استمرار رفض البرلمان البريطاني لاتفاق الخروج الذي توصلت إليه مع التكتل. ويحتاج مثل هذا الطلب إلى موافقة جميع الدول الـ27 الباقية في الاتحاد الأوروبي، ليدخل حيز التطبيق، وتبدو بعض هذه الدول مترددة في قبول مثل هذا الطلب.
وفي حين ينص قانون الاتحاد الأوروبي على قيام كل دولة عضو بإجراء انتخابات داخلية لاختيار عدد من ممثليها في البرلمان الأوروبي، أعيد توزيع مقاعد بريطانيا استعداداً لخروجها من الاتحاد، على أساس أن موعد الخروج سابق على موعد إجراء الانتخابات.
ولهذا تستعد الأحزاب القومية اليمينية على امتداد الاتحاد الأوروبي من إيطاليا إلى المجر، لخوض معركة انتخابات البرلمان الأوروبي في وقت لاحق العام الحالي. وتسعى هذه الأحزاب، كما جاء في تحقيق الوكالة الألمانية، إلى التحالف وتشكيل جبهة موحدة تضم معارضي الوحدة الأوروبية، في مواجهة ضد من تصفهم بالنخبة الليبرالية المستريحة. ولكن ربما ينتهي الأمر بحالة الفوضى التي تواجه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) بتقديم سلاح جديد لهذه الأحزاب، ربما لم تكن تتوقعه.
وقد وصف الزعيم القومي المتطرف ونائب رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو سالفيني، الانتخابات الأوروبية المقررة في الفترة من 23 إلى 26 مايو (أيار) المقبل، بأنها «معركة المعارك». وخلال زيارته لبولندا في وقت سابق الشهر الحالي، تعهد سالفيني بـ«ربيع أوروبي جديد».
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إن النزعة القومية اليمينية تمثل «خيانة» للقيم الأوروبية. وبحسب «بلومبرغ»، ربما يجد ساسة التيار العام في أوروبا أنفسهم أمام برلمان أوروبي جديد، يضم كتلة سياسية معادية، وهو ما عبر عنه ستيف بانون، الذي كان يشغل منصب كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترمب للشؤون الاستراتيجية.
وتبحث العقول القانونية بمقر المفوضية الأوروبية في العاصمة البلجيكية بروكسل، في الوقت الحالي، عن الصيغة المثلى للتعامل مع ملف خروج بريطانيا في هذا التوقيت؛ حيث ترى بعض الدول أنه سيكون من الخطأ حرمان البريطانيين من التصويت في انتخابات البرلمان الأوروبي. ومن بين أكبر المخاوف حالياً داخل الاتحاد الأوروبي إزاء السماح بمشاركة بريطانيا في البرلمان الأوروبي، أن هذا البرلمان سيكون لديه حق النقض (فيتو) على انتخاب الرئيس الجديد للمفوضية الأوروبية؛ حيث من المقرر تقاعد الرئيس الحالي جان كلود يونيكر في وقت لاحق العام الحالي. وآخر شيء قد يحتاجه الاتحاد الأوروبي هو أن يشارك السياسي البريطاني نايجل فاراج، القيادي في حملة الترويج لخروج بريطانيا، وعضو البرلمان الأوروبي منذ 1999، في عملية اختيار الرئيس الجديد للمفوضية الأوروبية، على حد قول دبلوماسي أوروبي متابع لمحادثات «بريكست». وقال فاراج إنه مستعد بالفعل لانتخابات البرلمان الأوروبي، إذا ما قررت رئيسة وزراء بريطانيا طلب تأجيل تطبيق قرار الخروج.
ويخشى الدبلوماسيون الأوروبيون من بقاء الناخبين البريطانيين الغاضبين داخل الاتحاد، وانتخاب ممثلين لهم في البرلمان الأوروبي، بعد نحو ثلاث سنوات من الاستفتاء البريطاني على «بريكست». والحقيقة أن الأمر يتجاوز بريطانيا، في ظل مخاوف من حصول الأحزاب المناوئة للاتحاد الأوروبي على عدد من مقاعد البرلمان الأوروبي، يتيح لها عرقلة إصدار القوانين الأوروبية بدلاً من مجرد الاحتجاج عليها. والمعروف أن الأحزاب القومية الأوروبية تعارض أغلب سياسات الاتحاد بشأن الهجرة واللاجئين. كما أن حكومات إيطاليا وبولندا والمجر، تخوض بالفعل نزاعات مع المفوضية الأوروبية حالياً.
وفي حين تحظى رؤية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الداعية إلى مزيد من التحالف والتعاون بين دول الاتحاد، بما في ذلك في الجوانب العسكرية والنظم المالية الوطنية، بدعم ألمانيا، يريد سالفيني في إيطاليا، ورئيس وزراء المجر فيكتور أوروبان، وحلفاؤهما، مساحة أوسع للاختلاف بين دول الاتحاد في كثير من المجالات.
يذكر أن البرلمان الأوروبي يمتلك سلطة رفض اتفاق الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بشأن الخروج، بعد إقراره من البرلمان البريطاني. وفي ضوء التشكيلة الحالية للبرلمان الأوروبي، تظل احتمالات رفض الاتفاق ضعيفة، ولكن الأمور قد تتغير حال وصول مجموعة جديدة من النواب إلى مقاعد البرلمان في انتخابات مايو المقبل.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟