تحاول كتل سياسية عراقية مقربة من إيران استثمار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب المفاجئ حول سحب قواته من سوريا واستخدام العراق «قاعدةً» لاستهداف «داعش»، لتجديد المطالبة بجدولة انسحاب القوات الأجنبية، وفي مقدمتها الأميركية، من البلاد.
وتتداول مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واسع منذ أيام عدة أخباراً تستنكر إعادة انتشار القوات الأميركية مجدداً في العراق، الأمر الذي قوبل بنفي رسمي لهذه الإشاعات التي تعد حساسة جداً بالنسبة لأوضاع هذا البلد العالق بين حليفيه، وفي الوقت نفسه يمثل كلاهما عدوا للآخر، وهما الولايات المتحدة وإيران.
وأكد محمود الربيعي، المتحدث باسم «حركة صادقون»، إحدى الكتل السياسية المنضوية في «ائتلاف الفتح» البرلماني، الذي يمثل غالبيته قادة مقاتلين ضد «داعش»، أنه يجب التصويت على جدولة انسحاب القوات الأجنبية من العراق خلال الفترة المقبلة. وكما هي حال جميع الفصائل الشيعية المقربة من إيران، تصر هذه الحركة على «رفض قاطع لوجود أي قوات أجنبية على الأراضي العراقية»، وفقا للربيعي.
وطلب نائب آخر من الائتلاف ذاته قبل مدة قصيرة، من رئيس الوزراء عادل عبد المهدي تفسيراً لتحركات عسكرية تقوم بها قوات أجنبية، فيما بثت وسائل إعلام محلية صوراً لقوافل عسكرية على أنها تعزيزات أميركية.
من جانبه، أكد المتحدث باسم التحالف الدولي الذي يقاتل تنظيم داعش، شون رايان، لوكالة الصحافة الفرنسية، أن «هناك تحركات متعددة تجري حاليا في إطار العمليات» من دون الإشارة لتفاصيل أكثر.
ويؤكد الأميركيون رسميا أنه ليست لديهم قاعدة في العراق، لكن الرئيس الأميركي التقى جنوده في زيارة مفاجأة قام بها في نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي للعراق في قاعدة «عين الأسد» بمحافظة الأنبار الغربية، من دون أن يلتقي خلال تلك الزيارة أي مسؤول عراقي.
وبلغ عدد القوات الأميركية خلال الفترة التي تلت الاجتياح الأميركي للعراق، في 2003، 170 ألف جندي في عموم العراق قبل أن تنسحب نهاية عام 2011، وفقا لقرار الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. لكنها عادت مجدداً إلى العراق عام 2014، في إطار التحالف الدولي المناهض لتنظيم داعش الذي كان يفرض سيطرته على مناطق واسعة في العراق وسوريا.
وقال ترمب خلال تفقد جنوده، إنه لا ينوي «إطلاقا» سحب القوات الأميركية من العراق، بل يرى «على العكس» إمكانية لاستخدام هذا البلد «قاعدة في حال اضطررنا للتدخل في سوريا».
بدوره، أكد رئيس الوزراء العراقي منتصف الشهر الحالي أنه «في يناير 2018، كان هناك نحو 11 ألف جندي أجنبي، 70 في المائة منهم أميركيون» في العراق، وتابع: «العدد الكلي انخفض إلى 8 آلاف، بينهم 6 آلاف أميركي» حاليا.
بدوره، أكد رايان أنه بين هؤلاء «5 آلاف و200 جندي أميركي».
لكن بغض النظر عن عددهم، يبقى «رحيل الأميركيين يمثل الأولوية» بالنسبة للكتل السياسية الموالية لإيران، حسبما يرى ريناد منصور من مؤسسة «تشاتام هاوس للأبحاث» والخبير في السياسة العراقية.
ونبه هشام الهاشمي، المحلل الأمني والخبير في الجماعات المسلحة بالعراق، إلى منع الولايات المتحدة الأميركية قوات «الحشد الشعبي» - يمثل غالبيتها فصائل شيعية - من «الاقتراب من القواعد التي يوجد فيها جنودها».
وأشار في الوقت نفسه إلى أن قوات «الحشد الشعبي تطالب بالمعاملة بالمثل»، في وقت تنتشر فيه كلتا القوتين في مناطق حدودية مع الجارة سوريا.
ويرى محللون أن انتشار القوات الأميركية في المنطقة يعرقل كثيراً سيناريو إيران التي تطمح لبسط نفوذها حتى البحر الأبيض المتوسط عبر العراق وسوريا ولبنان. ويؤكد الهاشمي أن «هناك إعادة انتشار للقوات الأميركية في العراق، خصوصا في المناطق الشمالية والغربية».
في الوقت نفسه، يرى منصور أن «الأحزاب الشيعية المتشددة، تركز بشكل أساسي على التخلص من الولايات المتحدة»، بمختلف الوسائل. وأوضح أنهم «يستخدمون زيارة ترمب (من دون لقاء مسؤولين عراقيين)، بالإضافة إلى (إظهار الولايات المتحدة على أنها قوة مدمرة لا تحترم سيادة المسؤولين العراقيين) في الحكومة التي لم يكتمل نصابها رغم إعلان تشكيلها منذ ثلاثة أشهر». ويعتقد منصور أن «عدم وجود كتلة سياسية خلف رئيس الوزراء يمكن أن يؤدي إلى عدم الاستقرار» في هذه الظروف التي يعيشها العراق.
ويعمل عبد المهدي في ظل غياب دعم حزبي، فيما يطل الصيف بعد أشهر قليلة، الذي يشهد عادة احتجاجات شعبية متكررة، خصوصا «إذا فشل عبد المهدي في تأمين الخدمات العامة وتوفير فرص العمل، فإنه سيواجه مشكلات كثيرة»، وفقا لمنصور. لكنه يرى كذلك أنه إذا تمكن عبد المهدي من تجاوز هذه الصعوبات، فعندها «لن يتحدث أحد عن (وجود) الأميركيين» في البلاد.
بدوره، لفت المحلل الأمني العراقي جاسم حنون إلى أنه حتى الآن كانت «ردود الفعل خجولة واقتصرت على حملات على مواقع التواصل الاجتماعي». وما يثبت كلام حنون ضعف المشاركة خلال مظاهرة دعت إليها فصائل من «الحشد الشعبي» وسط بغداد للمطالبة بمغادرة القوات الأميركية، التي اقتصرت على مشاركة عدد قليل من الأشخاص.
تحركات القوات الأميركية في العراق تقلق حلفاء إيران
كتل سياسية مقربة من طهران تحاول الضغط على عبد المهدي لإخراجها
تحركات القوات الأميركية في العراق تقلق حلفاء إيران
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة