«من اللاشيء إلى الحلم»... ثلاثة معارض فنية عن السريالية

جانب من المعرض
جانب من المعرض
TT

«من اللاشيء إلى الحلم»... ثلاثة معارض فنية عن السريالية

جانب من المعرض
جانب من المعرض

قد يتفق في أغلب الأحايين أن نجد معارض أو فعاليات فنية تعالج نفس المحور أو الموضوع، تاريخ فنان ما أو مجموعة من الفنانين. والأمثلة لا تعوزنا هنا، فلنضرب مثلا على ذلك بالمعارض الثلاثة المقامة في ثلاث مدن إيطالية عن السريالية. ويكفي التثبت من مصدر الأعمال ومن المنزلة العلمية للقائمين على المعارض كي نفهم وندرك أهمية وجدية هذه العروض الفنية.
المعارض تقترح سرديات مختلفة جزئيا: اثنان منها وقع الإعداد لهما مع مؤسسات عمومية مما يجعلنا نطمئن إلى مصدر الأعمال الفنية؛ أما أحدهما فمخصص إلى نزعة الـ«دادا» والنزعة السريالية وهو وارد من متحف «بويجمانز فان بيونينغن» في مدينة روتردام الهولندية والذي يحمل عنوان «من اللاشيء إلى الحلم»، وتشرف عليه مؤسسة فرّيرو، بجزيرة آلبا الإيطالية، وأما الثاني فقد خصص لسنة 1929 وللحظة الذروة للحركة السريالية وأعماله وافدة من متحف «بومبيدو» بباريس تحت عنوان (من ماغريت إلى دوشامب 1929: السريالية الكبيرة) في مدينة بيزا، في قاعات القصر الأزرق. وأما المعرض الثالث فعنوانه (الشاعر أبولّينير والإبداع.. الشاعر وأصدقاؤه في باريس الريادات) وتحتضنه مدينة تورينو.
ويدمج معرض جزيرة آلبا إلى جانب الأعمال الوافدة من مدينة روتردام سلسلة من الأعمال المختارة والمستلفة من قبل القائمين على المعرض.
ركز معرض جزيرة آلبا على أصول الدادائية، وللقاء الذي جمع بعض الفنانين المنفيين عام 1916 بكابريه فولتير بمدينة زيوريخ، ثم مع نهاية الحرب ورجوع المجموعة إلى باريس. والمشكل هو أن نفهم دلالة رفض الدادائيين وانتفاضتهم على الفن وأساسا على التواضعات البورجوازية، واكتشافهم لإبداع ينطلق من هذه «الصفحة البيضاء». ويفسر لنا بيانهم (1918) مجمل أهدافهم الذي يستهلونة بالقول (يرتبط الفن، تقنية واتجاها، بالزمن الذي يعيش فيه، والفنانون هم نتاج عصرهم. وأرفع فن ما كان مضمونه الفكري يعكس الآلاف من قضايا عصره، وما يمكن القول عنه إنه قد أخضع لهزات الأسابيع الأخيرة، متحفزا من جديد تحت ضربات اليوم الأخير. إن أفضل الفنانين، وأكثرهم تفوقا، من ينتزع أشلاءه من دياجير كوارث الحياة، ويعضّ النفس بكف، وقلب دام، في فكر عصره. هل حققت «التعبيرية» ما كنا نتوقعه من وجود لمثل هذا الفن، الذي سيكون تعبيرنا عن الاهتمامات الأكثر حيوية وأهمية؟ لا. لا. لا.).
لكن لنأت الآن إلى الموازنة بين معرضي مدينة بيزا ومدينة آلبا. فالأول نجده يبدأ مع العمل الفني «الجثة الهامدة» الذي يعبر عن لعبة مؤسسة على التداعيات الحرة تحت رمز فرويد. فالجثث الهامدة قد خبرت أولا في الشعر ثم في الصور: أن تكتب أو ترسم على نفس الورقة من دون معرفة سابقة منك بما فعله الآخرون قبلك، وهكذا أثمرت هذه المحاولات مصفوفة أعمال من جنس أعمال كل من الفنانين: جوان ميرو، ماكس موريزي، مان راي أو إفيس تانغوي. أما المظهر الآخر المهم في معرض بيزا فهو القسم المخصص لـ«اللعبة الكبيرة» (1928 - 1930) وهو عنوان مجلة جمعت عدداً من الفنانين يبتدئ من رايمس في العشرينات ثم من بعد ذلك في باريس.
أما في معرض جزيرة آلبا فتتبين لنا الطرق المختلفة التي سلكها السرياليون. بدءا من «ماكس إرنست» الذي في سنة 1929 وتحديدا في عمله «المرأة 100 رأس» نجده يخترع قصصا، ملصقات مقتطعات من كتب، من استكشافات، من كتالوغات علماء الطبيعة ومن روايات الرحلات: أنها مشاهد وأشكال أعيد تشكيلها وتركيبها واكتسبت تنضيدا فيما سمي بـ«الرواية المعثورة» التي تفرض على المشاهد أن يخترع معاني جديدة. بينما نجد رينيه ماغريت يقترح علينا تعليق الزمان في عمله «إعادة الإنتاج الممنوعة» (1937): رجل يُرى ظهره واقفا أمام مرآة وكتاب يوجد تحت يُرى انعكاسه في المرآة، لكن في الجهة العليا للزجاج نبصر أيضا ظهر الرجل المرسوم؛ وهنا نجد الفكرة الأساسية للنزعة السريالية أو أن الإبداع يعني أن نمثل اللاموجود.
وفي سنة 1938 رسم الفنان سلفادور دالي «إسبانيا»، على شكل هندسي مسدس الواجهات بأحجار، من صندوق تتدلى منه خرقة حمراء بجانب صورة شفافة وآلهة قديمة قبالة صحراء مسكونة بخيالات متصارعة وأفق من خراب وخراب لبلد محطم. بينما نجد أن موضوع معرض مدينة تورينو هو الحرب، تلك الحرب التي يعرضها لنا الشاعر أبولّينر في قصته «حلمات تريزياس» التي كتبها بين 1903 و1917 والتي قدمت في المسرح بباريس في 24 يونيو (حزيران) 1917. القصة تدور في زنزبار، أرض متصحرة من الأطفال، مجاز واستعارة لفرنسا المحطمة، حيث تريزا ترفض دورها كمرأة فيطير ثدياها كما تطير كرات الهواء البلاستيكية وتتحول إلى الكاهنة أو الإلهة تريزية.
كما نجد في هذا المعرض خطاطات الملابس، التي هي من إمضاء الفنان الروسي سارج فرات والتي هي منشدة إلى بيكاسو في مرحلته التكعيبية، حيث الأجساد التي جزئت تستدعي، من جملة ما تستدعيه، ما آلت إليه في الخنادق. لكن بعد الحرب نجد تشابكاً بيّنا بين دادا ما بعد الحرب ودادا السريالي وهكذا نجد الاستعاضة عن تحليل الواقعي بالصور المختلفة، التي عرضت عرضا جيدا في معرضي آلبا وبيزا.



موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».