بعد نصف قرن... هل كنت على حق؟

قصتي مع الإعلام

بعد نصف قرن... هل كنت على حق؟
TT

بعد نصف قرن... هل كنت على حق؟

بعد نصف قرن... هل كنت على حق؟

في نهايات عام 1968 قام الجيش اللبناني بمحاصرة مخيم صبرا وشاتيلا في بيروت بالدبابات وقوات كثيفة، وأنذر المقيمين في المخيم بضرورة تسليم أسلحتهم قبل غروب اليوم نفسه، مهددا باقتحام المخيم لنزع هذا السلاح إذا لم يمتثل الفلسطينيون.
كنت في هذه الفترة مراسلا للإذاعة المصرية في لبنان، واتصل بي السفير المصري آنذاك إبراهيم صبري، وأبلغني أن الرئيس جمال عبد الناصر أرسل برقية غير مشفرة يطلب إبلاغها لرئيس الجمهورية اللبنانية شارل حلو، والبرقية تطلب، بعبارات أقرب ما تكون إلى الإنذار، ضرورة «فك الحصار المضروب على المخيم في موعد أقصاه مساء هذا اليوم».
وطلب مني السفير أن أتصل بالقيادات الفلسطينية وأطمئنهم حتى لا يبادروا بأي تحرك مستفز. وبالفعل قمت بالاتصال بالأستاذ شفيق الحوت رئيس مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، وأبلغته بأمر البرقية وطلب السفير أن يمارس الفلسطينيون أقصى درجات ضبط النفس حتى لو تعرضوا لأي استفزاز.
قبل الغروب، سحب الجيش اللبناني دباباته وأبقى عددا من جنوده على مقربة من المخيم، واتصلت بعدد من الصحف اللبنانية وأبلغتها أن الأزمة قد انتهت. وفي صباح اليوم التالي عقد في القاهرة اجتماع لبناني - فلسطيني، تم فيه التوقيع على «اتفاق القاهرة» الذي ينظم العلاقة بين الفلسطينيين والسلطات اللبنانية.
هدأت الأمور لبضعة أشهر ثم بدأت المناوشات من جديد، هذه المرة بين بعض الأحزاب الرافضة للوجود الفلسطيني بلبنان، والفلسطينيين. وفي صباح أحد الأيام تم إطلاق خمسة صواريخ على مكتب منظمة التحرير بشارع المزرعة، فدمرت المكتب وأصيب عدد من العاملين. وصلت إلى هناك بعد فترة وجيزة من الهجوم لأجد شفيق الحوت وسط حشد من الصحافيين يجيب عن أسئلتهم مؤكدا أن الشباب تمكنوا من معرفة هوية من أطلقوا الصواريخ وأنهم ينتمون إلى أحد الكيانات الحزبية اللبنانية الناشطة آنذاك.
طلبت من الأستاذ شفيق أن نلتقي على انفراد. ناشدته أن يصحح تصريحه للصحافيين، ويركز اتهامه على المخابرات الإسرائيلية واستخدامها عملاء لبنانيين، دون تحديد هويتهم أو انتمائهم، تلافيا لحدوث أي اشتباكات بين الفلسطينيين وبعض القوى السياسية اللبنانية.
استجاب الأستاذ شفيق وسجلت له تصريحات بهذا المعنى، وأرسلتها إلى القاهرة، فأذيعت في الإذاعة المصرية. واتصلت بوكالة الأنباء الوطنية اللبنانية وأبلغتها الخبر بالصيغة المتفق عليها، وعممت بدورها الخبر.
في المساء اتصل بي السفير المصري ليبلغني أنه نقل إلى المسؤولين اللبنانيين تفاصيل ما جرى بيني وبين شفيق الحوت وأنهم ثمنوا هذا الجهد الذي جنب البلاد أزمة جديدة.
وأبلغني أن وزير الإعلام اللبناني آنذاك الأستاذ عثمان الدنا يقيم احتفالا محدودا بالوزارة لي، وفي الاحتفال تكرم رئيس الجمهورية اللبنانية بمنحي وسام الأرز بدرجة فارس، تقديرا لما رآه من جهد لمحاصرة الأزمات اللبنانية - الفلسطينية. وقام وزير الإعلام اللبناني بتقليدي الوسام.
لقد كنت، وما زلت، أعتقد أن ما فعلته آنذاك كان عملاً مهنيا وأخلاقيا، لأنني استطعت من خلاله أن أحول دون وقوع أضرار بالغة بالمصلحة الوطنية العليا، وخصوصاً أن ذلك حدث بدوافع ذاتية محضة، وليس من خلال إملاءات سلطوية.
واليوم، وبعد نصف قرن من هذه الوقائع، أجد نفسي منفتحاً لتلقي إجابات كثيرة ومختلفة عما إذا كان تصرفي بالتدخل في فحوى الأخبار وصياغتها بطريقة تخالف الواقع كان مقبولا، أم كان عملاً مخالفا للقواعد المهنية؟

* إذاعي وكاتب مصري


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

تساؤلات بشأن اعتماد مقاطع الفيديو الطولية في الأخبار

مقاطع فيديو طولية على صفحات مواقع الأخبار (معهد نيمان لاب)
مقاطع فيديو طولية على صفحات مواقع الأخبار (معهد نيمان لاب)
TT

تساؤلات بشأن اعتماد مقاطع الفيديو الطولية في الأخبار

مقاطع فيديو طولية على صفحات مواقع الأخبار (معهد نيمان لاب)
مقاطع فيديو طولية على صفحات مواقع الأخبار (معهد نيمان لاب)

أثار اعتماد مواقع إخبارية كبرى، أخيراً، على مقاطع الفيديو الطولية تساؤلات بشأن أسباب ذلك، ومدى تأثيره في الترويج للمحتوى الإعلامي وجذب أجيال جديدة من الشباب لمتابعة وسائل الإعلام المؤسسية. وبينما رأى خبراء أن مقاطع الفيديو الطولية أكثر قدرة على جذب الشباب، فإنهم لفتوا إلى أنها «تفتقد لجماليات الفيديوهات العرضية التقليدية».

معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام أشار، في تقرير نشره أخيراً، إلى انتشار مقاطع الفيديو الطولية (الرأسية) في مواقع إخبارية كبرى مثل «الواشنطن بوست» و«النيويورك تايمز». واعتبر أن «مقاطع الفيديو الطولية القصيرة، التي تُعد عنصراً أساسياً في مواقع التواصل الاجتماعي تشق طريقها بشكل كبير».

ولفت معهد «نيمان لاب» إلى أن «مقاطع الفيديو التي تنتشر بكثرة على (إنستغرام) و(تيك توك) و(يوتيوب)، تلقى نجاحاً عند استخدامها في مواقع الأخبار»، مستشهداً باستطلاع نشره «معهد رويترز لدراسات الصحافة»، العام الماضي، أفاد بأن 66 في المائة من عينة الاستطلاع يشاهدون مقاطع فيديو إخبارية قصيرة كل أسبوع، لكن أكثر من ثلثي المشاهدات تتم على منصات التواصل.

رامي الطراونة، مدير إدارة الإعلام الرقمي في «مركز الاتحاد للأخبار» بدولة الإمارات العربية المتحدة، قال في لقاء مع «الشرق الأوسط» إن اتجاه المواقع الإخبارية لاستخدام مقاطع الفيديو الطولية «يعكس تغيراً في طريقة استهلاك الجمهور للمحتوى، ومحاولة للتكيف مع تطور سلوكياته»، وأرجع هذا التطور في سلوكيات الجمهور إلى عوامل عدة، أبرزها «الاعتماد على الهواتف الجوالة في التفاعل الرقمي».

وتابع الطراونة أن «وسائل الإعلام تحاول الاستفادة من النجاح الكبير للفيديوهات القصيرة على منصات التواصل، وقدرة هذا المحتوى على جذب الجمهور»، وأشار إلى أن «استخدام مقاطع الفيديو الطولية غيّر تجربة تلقي الأخبار وجعلها أكثر جاذبية وبساطة وتركيزاً وسهولة في الاستهلاك، نظراً لمحاكاتها التجربة ذاتها التي اعتاد عليها المتابعون في منصات التواصل». ونبه إلى أن المستخدمين يميلون إلى تمضية وقت أطول في مشاهدة الفيديوهات الطولية القصيرة والمتنوعة والتفاعل معها مقارنة بالفيديوهات العرضية التي تتطلب تغيير وضع شاشة الجوال لمتابعتها.

وأضاف الطراونة، من جهة ثانية، أن غالبية الجهات الإعلامية بدأت بتوجيه مواردها نحو هذا النمط من الفيديو، الذي يعزز فرص الانتشار والاستهلاك، وأن «مقاطع الفيديو الطولية تعتبر أداة فعالة لجذب الشباب، الذين يميلون للمحتوى البصري الموجز والمباشر، كما أن الفيديو الطولي يعكس أسلوب حياة الشباب الرقمي الذي يعتمد على الهواتف الجوالة».

هذا، وفي حين أرجع الطراونة التأخر في اعتماد مقاطع الفيديو الطولية - رغم انتشارها على منصات التواصل الاجتماعي منذ سنوات - إلى «القيود التقنية والأساليب التقليدية لإنتاج الفيديو»، قال إن معظم الكاميرات والشاشات والمعدات كانت مصممة لإنتاج الفيديو الأفقي ذي الأبعاد 4:3 أو 16:9، وكان هذا هو الشكل المعياري للإعلام المرئي سابقاً. ثم أوضح أن «إدراك منصات الإعلام التقليدية لأهمية الفيديو الطولي لم يترسخ إلا بعد بزوغ نجم منصات مثل (تيك توك) إبان فترة جائحة كوفيد-19، وبعدها بدأت تتغير أولويات الإنتاج وباشرت بدعم هذا الشكل الجديد من المحتوى تدريجياً».