جزر فرسان السعودية موقع الأنشطة الثّقافية والتجارية منذ عصر الرّومان

جزر فرسان شهدت حضارات متعددة عبر التاريخ (الشرق الأوسط)
جزر فرسان شهدت حضارات متعددة عبر التاريخ (الشرق الأوسط)
TT

جزر فرسان السعودية موقع الأنشطة الثّقافية والتجارية منذ عصر الرّومان

جزر فرسان شهدت حضارات متعددة عبر التاريخ (الشرق الأوسط)
جزر فرسان شهدت حضارات متعددة عبر التاريخ (الشرق الأوسط)

كشفت نتائج التنقيبات الأثرية التي أجرتها البعثة السعودية الفرنسية في جزيرة فرسان بمنطقة جازان (جنوب غربي البلاد)، عن عراقة المنطقة التاريخية وتجذّر حضارتها عبر حقب التاريخ المختلفة.
وأسفرت الاكتشافات الأثرية التي جرت عن التأكيد بأنّ جزيرة فرسان في جازان، تمثل منطقة مأهولة بالسكان والاستيطان البشري منذ عصور ما قبل التاريخ. وتقع الجزيرة على بعد 40 كيلومتراً تقريباً إلى جهة الجنوب الغربي من مدينة جازان وسط مياه البحر الأحمر التي تضم نحو تسعين جزيرة.
وقالت الدكتورة سولين ماريون، اختصاصية علم الآثار القديمة في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، ورئيسة الفريق الفرنسي في البعثة السعودية الفرنسية للتّنقيب عن الآثار في منطقة جازان: «أوضحت أنّ دراسة الفريق والتحقيقات الميدانية التي أُجريت، كشفت عن وجود 30 موقعاً أثرياً منذ عصور ما قبل الإسلام والفترات اللاحقة»، مشيرة إلى عدد من المستوطنات، وبقايا الحيوانات مثل الغزلان والأبقار والخيول والسّلاحف، ومعثورات مختلفة بما فيها النّقوش العربية القديمة إلى جانب المعثورات التي تعود إلى الفترة الرّومانية التي تؤكّد عراقة المنطقة». وأضافت أنّ جزيرة فرسان منذ العصور القديمة المتأخرة كانت معروفة وحافلة بالأنشطة الثّقافية والتجارية في مناطق البحر الأحمر الجنوبية، وفي شمال فرسان الكبيرة أيضاً، كما في وادي الشّامي، ووادي مطر بأقسامه المختلفة.
جاء ذلك في المحاضرة التي نظّمها مركز البّحوث والدراسات الأثرية واستضافها المتحف الوطني، عن المكتشفات الأثرية في جزيرة فرسان بمركز الملك عبد العزيز التاريخي بحضور السيد آزرين، نائب المستشار الثّقافي بالسفارة الفرنسية، ومشاركة عدد من المسؤولين بالهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني وعلماء آثار مختصون ومهتمون من داخل المملكة وخارجها.
وستواصل البعثة أنشطتها الاستكشافية والتنقيبية، في إطار الاتفاقية الموقعة مع الهيئة، مضيفة أنّ المشروع يحظى بدعم هيئة السّياحة والتراث الوطني، ووزارة الخارجية الفرنسية ممثلة في القسم الثّقافي للسّفارة الفرنسية في الرياض، والمركز الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية بالكويت.
وقالت ماريون إنّ الفترة المقبلة ستشهد مواصلة المسح الأثري وإنتاج خريطة لجزيرة فرسان وتراثها عبر الحقب المختلفة، وتوثيق ذلك عبر كتيب ثقافي يعرِّف بعراقة جزيرة فرسان، كما تشمل برامج المرحلة المقبلة، تدريب الطّلاب السّعوديين والفرنسيين ميدانياً على أيدي مختصين في مجالات الحفريات الأثرية والرّسم الفني، والتصوير والتسجيل الذي يفضي إلى توثيق متكامل لإبراز مكانة وتاريخ المنطقة.
من جانبه قال الدكتور عبد الله الزهراني، مدير عام مركز البحوث والدراسات الأثرية، بالهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني الذي أدار المحاضرة: «سبق أن خضعت جازان لأعمال أثريّة مكثّفة، وثّقت لأبحاث علمية سعودية دُولية لعلماء ومختصين في مجال الآثار من دول العالم المختلفة، أكّدت أنّه هناك هجراتٍ واستيطانا بشرياً شهدته هذه المنطقة عبر العصور المختلفة»، معدِّداً أبزر إنجازات تلك البعثات، ومنها البعثة السعودية البريطانية بالتعاون مع جامعة يورك التي ركّزت على مسح مواقع عصور ما قبل التاريخ على اليابسة، بالإضافة إلى مسح أثري بحري تحت الماء في جزيرة فرسان.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».