أصحاب الأعمال في الأرجنتين يحافظون على العمالة في انتظار التعافي الاقتصادي

تقوم الشركات الأرجنتينية بتخفيض عدد ساعات العمل وتعليق الإنتاج في بعض الأيام
تقوم الشركات الأرجنتينية بتخفيض عدد ساعات العمل وتعليق الإنتاج في بعض الأيام
TT

أصحاب الأعمال في الأرجنتين يحافظون على العمالة في انتظار التعافي الاقتصادي

تقوم الشركات الأرجنتينية بتخفيض عدد ساعات العمل وتعليق الإنتاج في بعض الأيام
تقوم الشركات الأرجنتينية بتخفيض عدد ساعات العمل وتعليق الإنتاج في بعض الأيام

تأثّرت الشركات الصغيرة في الأرجنتين، التي تعد المُشغّل الأول للعمالة في البلاد بشدّة تحت ضغوط التضخم القوي الذي بلغ نحو 48 في المائة، بجانب تدهور قيمة العملة المحلية، الذي زاد من تكاليف الإنتاج.
وأظهرت لقاءات لوكالة «رويترز» مع أصحاب أنشطة أعمال في مجالات صناعة المنسوجات والبلاستيك والدهانات، ومسؤولين حكوميين وقيادات عمالية، أن كثيراً من الشركات اتبعت استراتيجيات مختلفة لكي تستطيع أن تستمر في العمل حتى تأتي مرحلة التعافي الاقتصادي، التي يتوقع صندوق النقد الدولي أن تبدأ في الربع الثاني.
وبحسب الوكالة، فإن الشركات الأرجنتينية تقوم بتخفيض عدد ساعات العمل وتعليق الإنتاج في بعض الأيام، وتدفع العمال للحصول على رصيد إجازاتهم في الوقت الحالي، مع ترقُّب زيادة طلبات المستثمرين بحلول فترة التعافي.
وقد تراجع حجم القوى المشتغلة بـ120 ألف عامل مسجل فقط بين أكتوبر (تشرين الأول) من 2017 وأكتوبر 2018، وفقاً لآخر البيانات الحكومية التي اطلعت عليها «رويترز»، وهو ما يمثل نحو 1 في المائة من القوى العمالة التي تبلغ 12 مليون عامل.
وكانت الولايات المتحدة فقدت نحو 6 في المائة من قوتها المشتغلة، بما يُقدّر بـ8.7 مليون عامل، خلال عامي الركود القوي 2007 و2008، مع سعي الشركات لتسريح العمالة لكي تقلل التكاليف وتقدر على الاستمرار.
لكن الأرجنتين تحظى بواحد من أكثر نظم العمل سخاء مع العمال، وهو ما يزيد من تكاليف تسريح العمالة ويصعب على بعض المنشآت التكيف مع حالة الركود الحالية.
وقوانين العمل، المقدمة عبر حكومات بيرونية شعبوية منذ الأربعينات، جعلت عملية تعيين العمالة أو تسريحها ذات تكلفة تُعد الأعلى في أميركا اللاتينية.
وتلزم التشريعات في البلاد أصحاب العمل عند تسريح عامل دفع ما يساوي أجر شهر عن كل سنة عمل، بالإضافة إلى شهر آخر على الأقل لإعلامه بقرار الاستغناء عنه. ولا يوجد سقف على حجم ما تدفعه الشركة في صورة تعويض عن الفصل. وبحسب تقرير ممارسة الأعمال الصادر عن البنك الدولي، فإن تكاليف التسريح في البلاد ضمن الأعلى في العالم، ويرصد هذا التقرير 190 اقتصاداً في العالم.
وساعدت التشريعات الأرجنتينية على احتواء آثار الأزمة الاقتصادية الحالية، التي كان من الممكن أن تفاقم معدلات البطالة. بالإضافة لذلك يعمل الرئيس الحالي، ماوريكيو ماكري، وهو منحاز لسياسات السوق الحرة، ويريد إصلاح نظام العمل الجامد لجذب الاستثمار، على إثناء الشركات عن فصل العمال.
وأعلن الرئيس في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) أن على الشركات أن تعطي إنذاراً مدته 10 أيام لأي مخططات لتسريح العمال، وهو ما قد يمكّن الحكومة من إيجاد سبل لإبقائهم مشتغلين. ويريد ماكري أن يوسع من نطاق برنامج موجود في الوقت الراهن لدعم رواتب العاملين في الشركات التي تواجه ضغوطاً مالية.
ويعاني ماركو ميلوني، الذي يدير مصنعاً للمنسوجات في مدينة كويلميز على بعد 30 كيلومتراً من العاصمة، من تراجع مبيعات بأكثر من الثلث خلال العام الماضي، ولا يستطيع التخلص من عمالة لديه بسبب ارتفاع تكاليف الفصل.
وبعد أن كان ميلوني يُشغل مصنعه 24 ساعة من يوم الاثنين حتى السبت يقوم بتشغيله مدة 16 ساعة فقط في اليوم ولخمسة أيام في الأسبوع.
ومثل كثير من منشآت الأعمال، قام ميلوني بتقديم إجازات نحو 100 عامل، على أمل أنه بنهاية مارس (آذار) سيزيد الطلب على منتجات الشركة.
دانيال فنيس دي ريوجا، رئيس أحد أكبر المكاتب القانونية في الأرجنتين، يقول إن واحدة من المعضلات الرئيسية التي تواجه الشركات أقدمية كثير من العاملين، خصوصاً من العاملين في الصناعات قليلة المهارة، يظلون في الوظيفة ذاتها لسنوات طويلة، وهو ما يجعل تكلفة تعويضهم عن الفصل مرتفعة.
ويرى وزير الإنتاج، دانتي سيكا، أن الشركات من جانبها أيضاً كانت متراخية عن فصل العمال، بسبب التوقعات بالتعافي الاقتصادي في الأجل القريب، مشيراً إلى أن الكثير من أصحاب العمل فضلوا تعليق وضع العمال بسبب تكلفة فصلهم وتكلفة تعيين عمالة جديدة في المستقبل.
وشهد معدل البطالة في الأرجنتين تراجعاً خلال الربع الثالث من العام الماضي إلى 9 في المائة من 9.6 في المائة في الربع الثاني. ويعد معدل البطالة مرتفعاً بنسبة قليلة عند المقارنة السنوية بين الربع الثالث من 2018 والربع نفسه في 2017 (بنسبة 0.7 في المائة).
ومع بقاء العمالة في وظائفهم ولكن بأجور أقل، لجأ بعضهم للبحث عن وظيفة أخرى، مثل العمل على سيارات «أوبر»، وفقاً لـ«رويترز».
وقال رئيس اتحاد لعمالة النسيج، جوس مينابيرجاري، ل«رويترز»: «نحن لسنا سعداء بهذا الإجراء (وظائف بساعات عمل أقل) ولكن آخر شيء نريده هو التسريح».
وكان الرئيس ماكري يدفع في اتجاه تطبيق إصلاحات عمالية تجعل التعيين والفصل أكثر تيسيراً، ولكن الحكومة أجَّلت هذه الإجراءات بعد أن شهدت البلاد مظاهرات في ديسمبر (كانون الأول) 2017. وقال وزير الإنتاج إن الحكومة ستحاول الدفع بهذه الإصلاحات مجدداً في 2019، ولكن سيكون من الصعب الحصول على دعم سياسي لها في عام الانتخابات.
ويقول الاقتصادي، كاميلو تيسكورنيا، إن صعوبة فصل العمال تضر بتنافسية الشركات الأرجنتينية... «جعل فصل الناس أسهل أو تخفيض الرواتب يحسن من كفاءة الاقتصاد وقدرة الشركات على التكيف مع المواقف المختلفة».
ويضيف الخبير أنه في الولايات المتحدة من السهل جداً الفصل، ولكن في الوقت ذاته فإن معدل البطالة عند أدنى مستوياته التاريخية لأن السوق بها مرونة قوية للغاية. هذا وضع يشجع على خلق شركات جديدة، ولكن في الأرجنتين إذا بدأ رجل أعمال في مشروع ولم يحظَ بالتوفيق يظل عالقاً بالعمالة التي لديه، وهو ما يثبط البعض عن بدء الأعمال.
لكن جورج جوترت، رئيس شركة «جوترت» التي تعمل في مجال نظم خطوط الإنتاج، يقول إن ذكريات أزمة الأرجنتين في 2001 جعلته يحرص على الحفاظ على العمالة التي لديه، فقد سرّحت الشركة في الأزمة الماضية نصف عمالتها. وعند تعافي الاقتصاد من أزمته كان من الصعب للغاية على الشركة إعادة بناء قوتها العاملة، من حيث تدريب عمال جدد للعمل على ماكينات متخصصة، وهو يرى أن الأزمة الحالية ستكون أقصر عمراً من الأزمة الماضية.



تدهور معنويات المستهلكين في اليابان يُثير شكوكاً حول توقيت رفع الفائدة

متسوّقون في منطقة تجارية مزدحمة بوسط العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
متسوّقون في منطقة تجارية مزدحمة بوسط العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
TT

تدهور معنويات المستهلكين في اليابان يُثير شكوكاً حول توقيت رفع الفائدة

متسوّقون في منطقة تجارية مزدحمة بوسط العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
متسوّقون في منطقة تجارية مزدحمة بوسط العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)

أظهر مسح حكومي، يوم الأربعاء، تدهور معنويات المستهلكين في اليابان خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي؛ مما يثير الشكوك حول وجهة نظر البنك المركزي بأن الإنفاق الأسري القوي سيدعم الاقتصاد ويبرر رفع أسعار الفائدة.

وتسبق النتائج اجتماع السياسة النقدية لبنك «اليابان» يومي 23 و24 يناير (كانون الثاني)؛ حيث يتوقع بعض المحللين زيادة محتملة في أسعار الفائدة من 0.25 في المائة الحالية.

وانخفض مؤشر يقيس معنويات المستهلكين إلى 36.2 نقطة في ديسمبر، بانخفاض 0.2 نقطة عن الشهر السابق، وفقاً للمسح الذي أجراه مكتب مجلس الوزراء.

وأظهرت بيانات منفصلة أن فجوة الناتج في اليابان التي تقيس الفرق بين الناتج الفعلي والمحتمل للاقتصاد، ظلّت سلبية في الفترة من يوليو (تموز) إلى سبتمبر (أيلول) للربع الثامن عشر على التوالي. وتعني فجوة الناتج السالبة أن الناتج الفعلي يعمل بأقل من الطاقة الكاملة للاقتصاد، ويُعدّ ذلك علامة على ضعف الطلب.

وتؤكد هذه النتائج ضعف الاقتصاد الياباني مع ارتفاع تكاليف المعيشة وعدم اليقين بشأن سياسات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب التي تؤثر في الاستهلاك والصادرات.

ومع ذلك، أشارت بعض الشركات الكبرى إلى عزمها الاستمرار في تقديم زيادات كبيرة في الأجور. وقالت شركة «فاست ريتيلنغ»، مالكة العلامة التجارية للملابس «يونيكلو»، إنها سترفع أجور العاملين بدوام كامل في المقر الرئيسي وموظفي المبيعات بنسبة تصل إلى 11 في المائة، بدءاً من مارس (آذار) المقبل.

وقال رئيس متجر «لوسون» للتجزئة، سادانوبو تاكيماسو، للصحافيين، يوم الثلاثاء: «نود رفع الأجور بشكل مستقر ومستدام».

وأنهى بنك «اليابان» برنامج تحفيز ضخم في مارس، ورفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل إلى 0.25 في المائة في يوليو، على أساس الرأي القائل إن اليابان على وشك تحقيق هدف التضخم بنسبة 2 في المائة بشكل مستدام.

وأشار محافظ بنك «اليابان»، كازو أويدا، إلى استعداده لمواصلة رفع أسعار الفائدة إذا استمرت اليابان في إحراز تقدم نحو الوصول إلى معدل تضخم بنسبة 2 في المائة بشكل دائم. وقال أيضاً إن البنك المركزي سوف يفحص البيانات حول ما إذا كان زخم الأجور سوف يتعزّز هذا العام، عند اتخاذ قرار بشأن موعد رفع أسعار الفائدة. ويصف بنك «اليابان» الاستهلاك حالياً بأنه «يتزايد بشكل معتدل بوصفه اتجاهاً»، ويتوقع أن يظل الاقتصاد الياباني على المسار الصحيح لتحقيق تعافٍ متواضع.

وعلى الرغم من المؤشرات السلبية، قال محافظ بنك «اليابان» السابق، هاروهيكو كورودا، المعروف بإطلاق برنامج التحفيز الضخم الذي استمرّ عشر سنوات، إن من المرجح أن يواصل البنك المركزي رفع أسعار الفائدة في السنوات المقبلة مع وصول التضخم إلى المسار الصحيح للوصول إلى هدفه البالغ 2 في المائة بشكل مستدام.

وقال كورودا، في ورقة بحثية قُدمت إلى المجلة السنوية لمجلس النواب التي صدرت في 24 ديسمبر الماضي، إنه على الرغم من رفع أسعار الفائدة المتوقع، فإن اقتصاد اليابان سيحقّق نمواً يتجاوز 1 في المائة هذا العام وما بعده مع دعم الأجور الحقيقية المتزايدة للاستهلاك.

وأضاف كورودا: «يبدو أنه لا يوجد تغيير في الموقف الأساسي لبنك اليابان المتمثل في رفع أسعار الفائدة تدريجياً مع التركيز على التطورات الاقتصادية والأسعار... هذا لأن دورة الأجور والتضخم الإيجابية مستمرة، وهو ما من المرجح أن يُبقي التضخم مستداماً ومستقراً عند هدفه البالغ 2 في المائة».

وتابع كورودا أنه من غير المؤكد إلى أي مدى سيرفع بنك «اليابان» أسعار الفائدة في نهاية المطاف بسبب صعوبة تقدير المستوى الذي لا يبرّد ولا يسخّن الاقتصاد الياباني. وأشار إلى أن تكاليف الاقتراض المرتفعة لن تُلحق الضرر بالشركات على الأرجح؛ لأنها تحتفظ بوفرة من النقد، في حين ستجني الأسر «مكاسب كبيرة» من ارتفاع الفائدة المدفوعة لمدخراتها الضخمة. وقال إن أكبر ضغط قد يقع على عاتق الحكومة بسبب التكلفة المتزايدة لتمويل الدين العام الضخم في اليابان، مضيفاً أن رصيد السندات الحكومية -عند 1100 تريليون ين (6.96 تريليون دولار)- أصبح الآن ثلاثة أمثال حجمه في عام 2000.

واستطرد كورودا قائلاً إنه إذا ارتفعت عائدات السندات إلى متوسط المستوى البالغ 2.7 في المائة الذي بلغته آنذاك، فإن مدفوعات الفائدة السنوية ستصل إلى 30 تريليون ين، داعياً إلى ضرورة ترتيب البيت المالي الياباني.

وفي ميزانية السنة المالية المقبلة، تخطّط الحكومة لإنفاق 10 تريليونات ين في مدفوعات الفائدة. في عهد كورودا، أطلق بنك «اليابان» خطة ضخمة لشراء الأصول في عام 2013 التي جمعت لاحقاً بين أسعار الفائدة السلبية والسيطرة على عائد السندات، في محاولة لرفع التضخم إلى هدفه البالغ 2 في المائة.

وبينما أشاد المؤيدون بالخطوات اللازمة لإخراج اليابان من الركود الاقتصادي، يشير المنتقدون إلى آثار جانبية مختلفة، مثل الضربة التي لحقت بأرباح البنوك التجارية من انخفاض أسعار الفائدة لفترة طويلة والتشوّهات السوقية الناجمة عن عمليات شراء الأصول الضخمة.

ودافع كورودا عن السياسات، قائلاً إن الضرر الذي لحق بأرباح البنوك الإقليمية كان محدوداً. وأضاف أن تدهور وظيفة سوق السندات كان تكلفة ضرورية لإنعاش النمو بشكل كافٍ.