دراسة مصرية ترصد تراجع «داعش» عن أفكاره كملاذ أخير بعد الهزائم

«فيديو غرافيك» رسوم متحركة تحذر من خطاب «الإرهابيين» الحماسي

TT

دراسة مصرية ترصد تراجع «داعش» عن أفكاره كملاذ أخير بعد الهزائم

رصدت دراسة مصرية، تراجع تنظيم داعش الإرهابي عن أفكاره، في محاولة أخيرة عقب هزائم مُني بها خلال الأشهر الماضية. وقالت الدراسة التي أعدها مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، إنها «رصدت تداول عناصر التنظيم كتاباً جديداً بعنوان (دحض شبهات الحاقدين على دولة المسلمين)، يتناول ما يطلق عليه (الشبهات المثارة) حول التنظيم، وهو الكتاب الذي يحمل تراجعاً كبيراً للتنظيم عن أفكاره التي أطلقها منذ ظهوره، ونفياً لأحكام قد أعلنها في منشوراته، وأكدها بممارساته، التي يبدو أنها مدفوعة بهزائم التنظيم الفادحة وتراجعه الكبير، والظاهر هو إدراك قادة التنظيم لهزيمتهم عسكرياً وفكرياً، فسعوا للتنصل من تلك الأفكار وهذه الممارسات كملاذ أخير للنجاة من الهلاك المحقق، ومحاولة بائسة لخداع الأفراد وجذبهم إلى التنظيم في ثوب فكري جديد».
وأضافت الدراسة: «حمل الكتاب نقضاً لأفكار تكفير المسلمين، بل التأكيد على أن عموم المسلمين اليوم لا يجوز تكفيرهم، وهو الأمر الذي يتناقض جملةً وتفصيلاً مع كل إصدارات التنظيم خلال السنوات الماضية، بالإضافة إلى محاولة التملص من كونه لم يجبر أحداً على مبايعته أو قتال من رفض البيعة، فمن الثابت أن التنظيم أجبر سكان كل مدينة يدخلها على مبايعته، بل إنه قاتل التنظيمات المتطرفة الأخرى سعياً وراء الفوز بالبيعة، وقد كفر عموم المسلمين حتى من ادعوا أنهم يقاتلون للخلافة ذاتها عبر تنظيمات أخرى كـ(القاعدة) وغيره».
وأشارت الدراسة إلى أن خطاب التنظيم خلال الكتاب يؤكد على الحالة المتردية التي يعاني منها، فخطاب التنظيم منذ نشأته عام 2014 كان هجومياً يرى وجوب إعلان الخلافة وإقامتها وتطبيق الشريعة بقوة السلاح وتكفير المخالفين لهم، بينما يتحدث الكتاب الآن عن نقيض كل تلك الأفكار، فخطابه دفاعي انهزامي يعتمد الكذب والتدليس طوقاً للنجاة، لافتة إلى أن هذا الكتاب مؤشر على نجاح المواجهة الفكرية للتنظيم في كشفه وتعريته، وبيان حقيقته أمام عموم المسلمين، ومن ثم إعراض الأفراد عن الانضمام إليه، بالإضافة إلى جهود خلق استراتيجيات لوقاية المجتمعات المسلمة من انتشار الانحرافات الفكرية للجماعات المتطرفة، مما قلص من فاعلية أفكار التنظيم.
وشددت الدراسة على أهمية استمرار المواجهة الفكرية للتنظيمات المتطرفة، ووضعها على رأس أولويات المؤسسات المعنية بمواجهة هذه التنظيمات، فالمواجهة الفكرية تفقد التنظيم قدرته على مخاطبة وعي الشباب، وتعمل على خلق خطاب آخر معني بقبول الآخر والتعايش المشترك، واحترام التعددية والحوار المجتمعي بين أبناء الوطن، واحترام شعائر الآخر، واحترام دور العبادة والتواصل والحوار بين الرموز الدينية، مؤكدة أن الكتاب يشير لحالة الجرح لدى قيادات التنظيم، والخوف على مستقبله مع تزايد أعداد الفارين والهزائم المتلاحقة للتنظيم، ما دفعهم لتعديل الخطاب خلال الكتاب، للترويج للتنظيم واستهداف عناصر جديدة لضمان بقاء التنظيم وأفكاره لأطول مدى.
في غضون ذلك، حذر «فيديو غرافيك» أنتجته وحدة الرسوم المتحركة بدار الإفتاء، من الاستماع لأقوال جماعات العنف، وخطابهم العاطفي الحماسي المنحرف، الذي يريدون به التأثير على النفوس والانحراف بها واستخدامها في الإفساد في الأرض وسفك الدماء باسم الدين. وقال مصدر بالدار إن «هذا الخطاب هو سلاح الجماعات الإرهابية، في مقدمتهم (داعش) و(القاعدة) و(بوكو حرام) و(الشباب الصومالية)، للتأثير على المتعاطفين معهم، وتجنيد عناصر جديدة، عقب هروب الكثير من عناصر هذه التنظيمات، بعد اكتشاف خداع خطابهم».
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أطلقت دار الإفتاء وحدة للفتاوى الصوتية القصيرة مصحوبة بالرسوم المتحركة «موشن غرافيك»، واستخدامها في الرد على الأفكار المتطرفة بطريقة سهلة وجذابة.
وأكدت دار الإفتاء أن أحكام الشريعة الإسلامية مستمدة من كلام الله سبحانه وتعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وإجماع أهل العلم، وما استقرت عليه الأمة المسلمة، موضحة في فيديو «موشن جرافيك» بثته أن الدين وأحكامه، أو منهج المسلمين وسلوكهم وتطبيقهم للشريعة، لا يعتمد على العواطف غير المنضبطة، ولا على الحماس، ولا على الهوى والتشهي، ولا على الانفعالات، ولا على الأمنيات والتصورات غير المعقولة. من جهته، قال الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر، إن «الفيديو غرافيك» جاء ضمن ابتكار الأساليب والوسائل الجذابة والفعالة، التي تحول دون التمدد الفكري لتيارات الإرهاب، التي تتخذ من الفتوى سلاحاً فتاكاً لتنفيذ أجندات خارجية، وتسعى إلى التخريب في أعماق دول العالم المستهدفة من جماعات الظلام، من بينها مصر، لافتاً إلى أن إنتاج أفلام رسوم متحركة يأتي لبلورة ردود قصيرة على دعاة التطرف والإرهاب في قوالب تكنولوجية حديثة تمكنها من الوصول إلى الشرائح المتعددة داخل المجتمع، خصوصاً فئات الشباب.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.