قتيلان و12 جريحاً برصاص الأمن في مظاهرات الخرطوم

إدانة أممية لـ«الاستخدام المفرط للقوة»... والسلطات تحاول امتصاص غضب المحتجين بالزيادة في الأجور

جانب من مظاهرات الخرطوم أمس قبل تفريقها (أ.ف.ب)
جانب من مظاهرات الخرطوم أمس قبل تفريقها (أ.ف.ب)
TT

قتيلان و12 جريحاً برصاص الأمن في مظاهرات الخرطوم

جانب من مظاهرات الخرطوم أمس قبل تفريقها (أ.ف.ب)
جانب من مظاهرات الخرطوم أمس قبل تفريقها (أ.ف.ب)

أطلقت أجهزة الأمن السودانية الرصاص بكثافة على المحتجين، وقتلت شخصين، أحدهما طبيب بأحد مستشفيات الخرطوم وطفل في الرابعة عشرة، وأصابت 12 محتجا، ثمانية منهم حالتهم خطرة في الخرطوم ومدن أخرى، وذلك في أعنف موجة عنف ضد المتظاهرين منذ اندلاع الاحتجاجات في السودان.
ورغم إطلاق «الترسانة» الأمنية قنابل الغاز المسيل للدموع عشوائياً، وإطلاق الرصاص الحي، فإن المحتجين نظموا مظاهرات صغيرة وسط المدينة، فيما شوهد آلاف الشباب يتجولون في الشوارع الجانبية، لكن حالت التعزيزات دون تجمعهم، واعتقلت سلطات الأمن أعدادا غير مسبوقة من المحتجين، بينهم سبعة صحافيين على الأقل.
وقال متحدث باسم «تجمع المهنيين السودانيين» إن الأوضاع في البلاد أصبحت خطرة جداً، مؤكدا أن قوات الأمن استخدمت عنفاً لا مثيل له مع المتظاهرين العزل، ما أدى لمقتل الطبيب بابكر عبد الحميد، والطفل محمد العبيد، فضلا عن جرح أكثر من 12 متظاهرا، إصابة ثمانية منهم على الأقل خطيرة.
وفي تطور جديد ذكرت «لجنة أطباء السودان المركزية» أن قوات الأمن حالت دون الوصول للجرحى، مؤكدة أنها اختطفت جرحى من داخل المستشفيات، فيما أطلقت الرصاص والغاز المسيل للدموع داخله.
وذكرت اللجنة في بيان عاجل أن قوات الأمن أعاقت فرق الإسعاف والأطباء من الوصول إلى منطقة «بري الدرايسة»، ومنعت السيارات التي تحمل الجرحى من دخول المستشفيات واعتقلت مصابين، وتعهدت بحسب البيان «استمرار مساعيها الميدانية للوصول للجرحى في أماكنهم».
وبحسب اللجنة فإن قوات الأمن اقتحمت «مستشفى الفيصل» الخاص، وكسرت بوابته الزجاجية، وأطلقت الغاز المسيل للدموع داخل غرف الطوارئ، كما اعتقلت المدير الإداري ومدير شؤون العاملين لساعة، ثم أفرجت عنهم، فيما اضطر معظم العاملين بالمستشفى للخروج منه، تجنباً للاختناق الغاز المسيل للدموع.
وبعد تفريق المظاهرة الرئيسية في الخرطوم ظهر أمس، خرجت مواكب موازية في عدد من أحياء المدينة، تندد بالنظام وتطالب بتنحيه، ورددت هتافات «سلمية سلمية، تسقط بس». لكن قوات الأمن تعاملت معها بعنف غير مسبوق، واستخدمت بكثافة الغاز المسيل للدموع والعصي والهراوات والرصاص الحي. وقال تجمع المهنيين السودانيين إن المواكب تتمدد في أحياء «بري، والديوم، والرياض، والمزاد، والشعبية، والكلاكلة، والكدرو والحلفايا، والصحافة، وأيضا في عدد آخر من أحياء الخرطوم». كما اشتعلت مظاهرات في مدن «عطبرة، وسنار، والقضارف، والأبيض، ورفاعة، وبورتسودان، والجنينة، وأربجي، وأيضا في عدد من القرى والأرياف»، وذلك استجابة لدعوة «تجمع المهنيين السودانيين» لاحتجاجات عامة في كل مدن السودان.
وبحسب الشهود، فإن سيارات الأجهزة الأمنية ألقت القنابل المسيلة للدموع بطريقة عشوائية، واستهدفت المواطنين في الطرق الفرعية في كل منطقة وسط الخرطوم، واعتقلت أعدادا كبيرة، وبعض الصحافيين، ولم يطلق سراحهم.
وتواصلت المظاهرات في أحياء الخرطوم لوقت متأخر من الليل، وأطلق تجمع المهنيين نداء للمحتجين لفك الحصار عن بعض الأحياء، التي تفرض عليها قوات الأمن طوقاً محكماً وعزلتها تماماً عن العالم، وقال في نشرة على صفحته في «فيسبوك»: «نرجو من الثوار التحرك في كل أحياء وشوارع الخرطوم، واستمرار التظاهر في كل مكان لفك الحصار عن المناطق، التي تشهد استخداماً مفرطاً للقوة».
وانتشرت منذ وقت مبكر قوات الأمن بأعداد كبيرة، وعلى سيارات من دون لوحات، وبأزياء مدنية، وأطلقت الغاز على معظم الشوارع الرئيسية في الخرطوم المؤدية إلى القصر الرئاسي، والشوارع الفرعية، وألقت القبض على المواطنين بشكل عشوائي، فيما شهدت معظم شوارع وسط المدينة معارك كر وفر بين المحتجين وقوات الأمن.
وواجهت قوات الأمن وترسانتها المسلحة بجميع صنوف السلاح، المحتجين العزل بعنف مفرط، ما أدى لمقتل 24 متظاهراً، وجرح 131، واحتجاز أكثر من 800 بحسب تصريحات رسمية، فيما تؤكد منظمات حقوقية دولية وقوى المعارضة أن أكثر من 40 شخصاً لقوا حتفهم برصاص الأمن، فيما جرح المئات، مبرزة أن السلطات تحتجز الآلاف من قادة المعارضة والنشطاء والصحافيين، منذ اندلاع الاحتجاجات في 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وفي خطوة تهدف إلى امتصاص غضب المتظاهرين، أصدر مجلس الوزراء السوداني أمس قرارا بزيادة أجور العاملين بالقطاع العام، بعد أن فرغت المالية من الإجراءات الفنية. إذ أوضح الاتحاد العام لنقابات عمال السودان، في بيان نشرته وكالة الأنباء السودانية (سونا) أمس، أن القرار سلم لديوان شؤون الخدمة لإصدار المنشور المفصل لزيادات الأجور وفقا للدرجات الوظيفية.
في سياق ذلك، ندد النواب الأوروبيون أمس بالقمع الذي يمارس في السودان، وبكثير من الاعتقالات التي وصفوها بالتعسفية.
وفي قرار برفع الأيدي في مقر البرلمان بستراسبورغ، قال البرلمان إنه «يدين بشدة الاستخدام المفرط للقوة من الجهاز الوطني للأمن والاستخبارات السودانية خلال المظاهرات الشعبية الجارية، وكذلك استمرار استهداف الناشطين والحقوقيين، إضافة إلى المحامين والمدرسين والطلبة والأطباء».
وطالب النواب الأوروبيون الحكومة السودانية بـ«التوقف عن كل لجوء للقوة المميتة، وكل توقيف تعسفي وكل احتجاز لمتظاهرين سلميين... ومنع أي إراقة جديدة للدماء وكل استخدام للتعذيب».
كما طلب البرلمان الأوروبي أيضا «الإفراج الفوري وبلا شروط عن صالح محمود عثمان» المحامي السوداني، الذي كان حصل في 2007 على جائزة سخاروف الأوروبية التي تسند للأشخاص، أو المنظمات، الذين يقدمون إسهاما يعتبر استثنائيا في الكفاح من أجل حقوق الإنسان.
بدورها، عبرت المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أمس، عن «قلقها الشديد» إزاء «الاستخدام المفرط» للقوة ضد المتظاهرين في السودان، وذلك بعد أربعة أسابيع من بدء الاحتجاجات ضد النظام.
وكتبت المفوضة ميشيل باشليه أن «الرد القمعي لا يمكن إلا أن يفاقم المظالم... وأنا أعبر عن بالغ قلقي من المعلومات التي تفيد بحصول استخدام مفرط للقوة، بما فيه استخدام الرصاص الحي، من قبل قوات أمن الدولة السودانية أثناء مظاهرات».
ودعت باشليه الحكومة السودانية إلى «الحرص على أن تتعامل قوات الأمن مع المظاهرات، بما يتطابق مع الالتزامات الدولية للبلاد في مجال حقوق الإنسان، وعبر حماية الحق في التجمع السلمي». وأضافت أنه تم تشكيل «لجان تقصي وقائع» من جانب السلطات، وأعلنت أن مكتبها مستعد لإرسال فريق إلى السودان لتقديم المشورة للسلطات، والتأكد من أنها تعمل وفق التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان.
وتابعت: «أحض السلطات على حل هذا الوضع المتوتر عبر الحوار، وأدعو الأطراف جميعا للامتناع عن اللجوء للعنف».



تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
TT

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)

أفرجت الجماعة الحوثية عن عدد ممن اختطفتهم، على خلفية احتفالاتهم بعيد الثورة اليمنية في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنها اختطفت خلال الأيام الماضية المئات من سكان معقلها الرئيسي في صعدة، ووجَّهت اتهامات لهم بالتجسس، بالتزامن مع بث اعترافات خلية مزعومة، واختطاف موظف سابق في السفارة الأميركية.

وذكرت مصادر محلية في محافظة صعدة (242 كيلومتراً شمال صنعاء)، أن الجماعة الحوثية تنفِّذ منذ عدة أيام حملة اختطافات واسعة طالت مئات المدنيين من منازلهم أو مقار أعمالهم وأنشطتهم التجارية، وتقتادهم إلى جهات مجهولة، بتهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل، مع إلزام أقاربهم بالصمت، وعدم التحدُّث عن تلك الإجراءات إلى وسائل الإعلام، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وقدرت المصادر عدد المختطَفين بأكثر من 300 شخص من مديريات مختلفة في المحافظة التي تُعدّ معقل الجماعة، بينهم عشرات النساء، وشملت حملة المداهمات منازل عائلات أقارب وأصدقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عثمان مجلي، الذي ينتمي إلى صعدة.

فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

ورجحت المصادر أن اختطاف النساء يأتي بغرض استخدامهن رهائن لابتزاز أقاربهن الذين لم تتمكن الجماعة من الوصول إليهم، أو لإقامتهم خارج مناطق سيطرتها، ولإجبار من اختُطفنَ من أقاربهم على الاعتراف بما يُطلب منهن. وسبق للجماعة الحوثية اتهام حميد مجلي، شقيق عضو مجلس القيادة الرئاسي، أواخر الشهر الماضي، بتنفيذ أنشطة تجسسية ضدها، منذ نحو عقدين لصالح دول عربية وغربية.

إلى ذلك، اختطفت الجماعة الحوثية، الاثنين الماضي، موظفاً سابقاً في سفارة الولايات المتحدة في صنعاء، من منزله دون إبداء الأسباب.

وبحسب مصادر محلية في صنعاء؛ فإن عدداً من العربات العسكرية التابعة للجماعة الحوثية، وعليها عشرات المسلحين، حاصرت مقر إقامة رياض السعيدي، الموظف الأمني السابق لدى السفارة الأميركية في صنعاء، واقتحمت مجموعة كبيرة منهم، بينها عناصر من الشرطة النسائية للجماعة، المعروفة بـ«الزينبيات»، منزله واقتادته إلى جهة غير معلومة.

مسلحون حوثيون يحاصرون منزل موظف أمني في السفارة الأميركية في صنعاء قبل اختطافه (إكس)

وعبث المسلحون و«الزينبيات» بمحتويات منزل السعيدي خلال تفتيش دقيق له، وتعمدوا تحطيم أثاثه ومقتنياته، وتسببوا بالهلع لعائلته وجيرانه.

إفراج عن مختطَفين

أفرجت الجماعة الحوثية عن الشيخ القبلي (أمين راجح)، من أبناء محافظة إب، بعد 4 أشهر من اختطافه، كما أفرجت عن عدد آخر من المختطفين الذين لم توجه لهم أي اتهامات خلال فترة احتجازهم.

وراجح هو أحد قياديي حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اختطفتهم الجماعة الحوثية إلى جانب عدد كبير من الناشطين السياسيين وطلاب وشباب وعمال وموظفين عمومين، خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، على خلفية احتفالهم بثورة «26 سبتمبر» 1962.

مخاوف متزايدة لدى اليمنيين من توسيع حملات الترهيب الحوثية بحجة مواجهة إسرائيل (أ.ب)

ومن بين المفرَج عنهم صاحب محل تجاري أكَّد لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يعلم التهمة التي اختُطِف بسببها؛ كونه تعرض للاختطاف في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أي بعد شهرين من حملة الاختطافات التي طالت المحتفلين بذكرى الثورة اليمنية.

وذكر أن الوسطاء الذين سعوا لمحاولة الإفراج عنه لم يعرفوا بدورهم سبب اختطافه؛ حيث كان قادة أجهزة أمن الجماعة يخبرونهم في كل مرة بتهمة غير واضحة أو مبرَّرة، حتى جرى الإفراج عنه بعد إلزامه بكتابة تعهُّد بعدم مزاولة أي أنشطة تخدم أجندة خارجية.

خلية تجسس مزعومة

بثَّت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، اعترافات لما زعمت أنها خلية تجسسية جديدة، وربطت تلك الخلية المزعومة بما سمته «معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس»، في مواجهة الغرب وإسرائيل.

وطبقاً لأجهزة أمن الجماعة، فإن الخلية المزعومة كانت تسعى لإنشاء بنك أهداف، ورصد ومراقبة المواقع والمنشآت التابعة للقوة الصاروخية، والطيران المسيَّر، وبعض المواقع العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى رصد ومراقبة أماكن ومنازل وتحركات بعض القيادات.

خلال الأشهر الماضية زعمت الجماعة الحوثية ضبط عدد كبير من خلايا التجسس (إعلام حوثي)

ودأبت الجماعة، خلال الفترة الماضية، على الإعلان عن ضبط خلايا تجسسية لصالح الغرب وإسرائيل، كما بثَّت اعترافات لموظفين محليين في المنظمات الأممية والدولية والسفارات بممارسة أنشطة تجسسية، وهي الاعترافات التي أثارت التهكُّم، لكون ما أُجبر المختطفون على الاعتراف به يندرج ضمن مهامهم الوظيفية المتعارف عليها ضمن أنشطة المنظمات والسفارات.

وسبق للجماعة أن أطلقت تحذيرات خلال الأيام الماضية للسكان من الحديث أو نشر معلومات عن مواقعها والمنشآت التي تسيطر عليها، وعن منازل ومقار سكن ووجود قادتها.

تأتي هذه الإجراءات في ظل مخاوف الجماعة من استهداف كبار قياداتها على غرار ما جرى لقادة «حزب الله» اللبناني، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي إطار المواجهة المستمرة بينها وإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، بعد هجماتها على طرق الملاحة الدولية في البحر الأحمر، والهجمات الصاروخية باتجاه إسرائيل.