إضراب عام يشل القطاع الحكومي في تونس... ومطالب بإسقاط النظام

النقابات تهدد بتحركات جديدة تشمل القطاع الخاص... وخبراء يحذرون من التكلفة العالية لتعطيل المرافق الحيوية

جانب من إضرابات العمال في شوارع تونس أمس احتجاجاً على تعطل مفاوضات الأجور بين الدولة والنقابات (أ.ب)
جانب من إضرابات العمال في شوارع تونس أمس احتجاجاً على تعطل مفاوضات الأجور بين الدولة والنقابات (أ.ب)
TT

إضراب عام يشل القطاع الحكومي في تونس... ومطالب بإسقاط النظام

جانب من إضرابات العمال في شوارع تونس أمس احتجاجاً على تعطل مفاوضات الأجور بين الدولة والنقابات (أ.ب)
جانب من إضرابات العمال في شوارع تونس أمس احتجاجاً على تعطل مفاوضات الأجور بين الدولة والنقابات (أ.ب)

شُلت حركة النقل والمطارات وأغلقت المدارس والمعاهد والكليات والإدارات، أمس، في تونس إثر الإضراب العام في الوظيفة العمومية والقطاع العام، الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل للمطالبة بزيادة الأجور.
وتجمع الآلاف من أنصار الاتحاد أمام مقره بالعاصمة تونس، مرددين شعارات «ارحلي يا حكومة»، و«شاهد يا جبان الشعب التونسي لا يهان»، موجهة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد، الذي يتهمونه بالخضوع لإملاءات صندوق النقد الدولي.
ورفع المتظاهرون صورا لرئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد مشطوبة بعلامة حمراء، بينما صدّرت جريدة «الشعب التابعة للاتحاد في صفحتها الأولى صورة مركبة للاغارد، وهي تمسك بخيوط دمية متحركة تتدلى منها صورة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد.
وبالإضافة إلى المدارس والمعاهد والكليات التي أغلقت أبوابها في جميع الولايات، لم تقلع سوى طائرة واحدة خصصت لنقل مشجعي «النادي الأفريقي» باتجاه القاهرة، وفقا لما أفادت به وزارة النقل.
وشمل الإضراب العام في الوظيفة العمومية والقطاع العام ما لا يقل عن 650 ألف من موظفي وأطر الوظيفة العمومية (الوزارات الحكومية)، ونحو 200 ألف موظف يعملون في 120 مؤسسة عمومية تقريبا، تشمل كبريات الشركات الحكومية، مثل شركات النقل والكهرباء والغاز والمياه، والخطوط الجوية التونسية، والملاحة البحرية.
ولم تقتصر المطالب التي رددها المشاركون في المظاهرات، التي طافت أمس كل ولايات (محافظات) تونس، على الجوانب المهنية، بل تجاوزتها إلى المطالبة بإسقاط النظام من جديد، واتهام الحكومة بالوقوف وراء الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها البلاد منذ فترة، رافعين ومرددين بصوت واحد شعار «السيادة قبل الزيادة».
وفي كلمة ألقاها نور الدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد الشغل، أمام آلاف العمال الذين تجمعوا وسط العاصمة، اتهم الحكومات المتتالية بالسطو على الثورة، وتجويع الطبقات الفقيرة، وقال إن «الحكومات المتعاقبة تريد انتزاع نتائج هذه الثورة»، مناديا بمواصلة «المد الثوري»، على حد تعبيره.
وأضاف الطبوبي بلهجة متحدية: «أقول للحكومة: أنتم اخترتم المواجهة ونحن جاهزون... وسندرس يوم السبت (غدا) الخطوات المقبلة، وسوف نصعد تحركاتنا ولن نتراجع». مبرزا أن الحكومة مطالبة بالبحث عن نحو سبعة مليار دينار، «قيمة التهرب الضريبي لعدد من رجال الأعمال، لا أن تتسبب في تفقير أكبر بين الموظفين». واعتبر أن قضية اتحاد الشغل اليوم «ليست في الزيادة في الأجور، بل في المحافظة على استقلالية القرار الوطني ومناعة تونس».
من جهته، أكد سامي الطاهري، المتحدث باسم اتحاد الشغل، أن الاتحاد سيعقد غدا السبت هيئة إدارية وطنية للإعلان عن تحركات احتجاجية جديدة، قد تصل إلى إعلان الإضراب العام في كل القطاعات الاقتصادية والإدارية، بما في ذلك القطاع الخاص.
وللمحافظة على سلمية الاحتجاجات، وتبديد المخاوف التي أبداها اتحاد الشغل من إمكانية تشويه تحركات العمال السلمية بأعمال الشغب والفوضى، كثفت وزارة الداخلية وحدات أمنية في الشارع الرئيسي للعاصمة، كما أقامت نقطة تفتيش قارة، وبدأ رجال الأمن بتفتيش الوافدين على العاصمة خشية اندساس عناصر إرهابية لتنفيذ أعمال إجرامية، كتلك التي عرفتها تونس في 29 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حينما فجرت الإرهابية التونسية منى قبلة نفسها في شارع بورقيبة، وأصابت 15 أمنيا، وخمسة مدنيين بجراح متفاوتة الخطورة.
وحسب مراقبين للتطورات السياسية في تونس خلال الأشهر الماضية، فإن عدة أطراف سياسية ستستفيد من الإضراب العام، وستسعى إلى توظيفه سياسيا في حملة انتخابية قبل الأوان، حيث أعلن تحالف الجبهة الشعبية اليساري المعارض، وحزب نداء تونس (شق حافظ قائد السبسي نجل الرئيس الحالي) دعمهما لمطالب عمال الوظيفة العمومية، علما بأن هذه الأطراف فشلت قبل مدة قصيرة في الإطاحة بحكومة يوسف الشاهد عبر البرلمان، وهي تعمل حاليا على الاستفادة من موقف الاتحاد الرافض سياستها الاقتصادية والاجتماعية.
في هذا السياق، تحدث المحلل السياسي التونسي خليل الحناشي عن استفادة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بصفة شخصية من النزاع الحاصل بين حكومة الشاهد واتحاد الشغل، خاصة في ظل تزايد الرفض الواسع للحكومة، التي أعلن عن خلافه مع رئيسها في أكثر من محطة سياسية.
وفي مقابل الجهات المؤيدة لإضراب أمس، قال زياد الهاني، عضو نقابة الصحافيين التونسيين، إن الإضراب الذي أعلن عنه اتحاد الشغل «غير شرعي، ويعد جريمة تستوجب المتابعة القضائية»، داعيا كل من سيتضرر من هذا الإضراب إلى التوجه إلى المحاكم، ومطالبة اتحاد الشغل بالتعويض.
بدوره، انتقد عبيد البريكي، رئيس حزب تونس إلى الأمام والقيادي النقابي السابق، حكومة الشاهد، وقال إنها «باتت خاضعة كليا لإملاءات صندوق النقد الدولي»، وأبدى دعمه للإضراب العام، إثر مماطلة رئيس الحكومة في الاستجابة لمطالب الشغالين، على حد تعبيره.
وبخصوص تبعات الإضراب العام على الوضع الاقتصادي، قال عز الدين سعيدان، الخبير في المجال المالي والاقتصادي لـ«الشرق الأوسط»، إن الكلفة المالية المباشرة للإضراب العام في قطاع الوظيفة العمومية والقطاع العام «لن تقل في أدنى الحالات عن 300 مليون دينار تونسي (نحو 100 مليون دولار)». في حين اعتبر حسين الديماسي، وزير المالية التونسية السابق، أن الرقم قد يرتفع إلى نحو 400 مليون دينار تونسي (نحو 124 مليون دولار).
وأكد سعيدان أن هذه الكلفة تشمل الخسائر المالية للإضراب في قطاع الوظيفة العمومية والقطاع العام، والمداخيل المالية التي خسرتها مختلف الدوائر الحكومية، علاوة على تبعات الإضراب على القطاع الخاص والتبعات الاقتصادية لتعطيل المطارات الجوية والموانئ البحرية، وتعطل مختلف الأنشطة بهذه المرافق. مشيرا إلى أن التبعات الاقتصادية تتجاوز في حقيقة الأمر هذه الأرقام، لأن تأثيرها سيمتد إلى مناخ الاستثمار عموما، ويؤثر على الاستثمارات الأجنبية، وعلى نسب الفوائد الموظفة على القروض الخارجية، حسب تعبيره.



اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
TT

اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)

استبعدت الحكومة اليمنية تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم، داعية إيران إلى رفع يدها عن البلاد ووقف تسليح الجماعة، كما حمّلت المجتمع الدولي مسؤولية التهاون مع الانقلابيين، وعدم تنفيذ اتفاق «استوكهولم» بما فيه اتفاق «الحديدة».

التصريحات اليمنية جاءت في بيان الحكومة خلال أحدث اجتماع لمجلس الأمن في شأن اليمن؛ إذ أكد المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أن السلام في بلاده «لا يمكن أن يتحقق دون وجود شريك حقيقي يتخلّى عن خيار الحرب، ويؤمن بالحقوق والمواطنة المتساوية، ويتخلّى عن العنف بوصفه وسيلة لفرض أجنداته السياسية، ويضع مصالح الشعب اليمني فوق كل اعتبار».

وحمّلت الحكومة اليمنية الحوثيين المسؤولية عن عدم تحقيق السلام، واتهمتهم برفض كل الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى إنهاء الأزمة اليمنية، وعدم رغبتهم في السلام وانخراطهم بجدية مع هذه الجهود، مع الاستمرار في تعنتهم وتصعيدهم العسكري في مختلف الجبهات وحربهم الاقتصادية الممنهجة ضد الشعب.

وأكد السعدي، في البيان اليمني، التزام الحكومة بمسار السلام الشامل والعادل والمستدام المبني على مرجعيات الحل السياسي المتفق عليها، وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وفي مقدمتها القرار «2216».

عنصر حوثي يحمل صاروخاً وهمياً خلال حشد في صنعاء (رويترز)

وجدّد المندوب اليمني دعم الحكومة لجهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، وكل المبادرات والمقترحات الهادفة لتسوية الأزمة، وثمّن عالياً الجهود التي تبذلها السعودية وسلطنة عمان لإحياء العملية السياسية، بما يؤدي إلى تحقيق الحل السياسي، وإنهاء الصراع، واستعادة الأمن والاستقرار.

تهديد الملاحة

وفيما يتعلق بالهجمات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن، أشار المندوب اليمني لدى الأمم المتحدة إلى أن ذلك لم يعدّ يشكّل تهديداً لليمن واستقراره فحسب، بل يُمثّل تهديداً خطراً على الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، وحرية الملاحة البحرية والتجارة الدولية، وهروباً من استحقاقات السلام.

وقال السعدي إن هذا التهديد ليس بالأمر الجديد، ولم يأتِ من فراغ، وإنما جاء نتيجة تجاهل المجتمع الدولي لتحذيرات الحكومة اليمنية منذ سنوات من خطر تقويض الميليشيات الحوثية لاتفاق «استوكهولم»، بما في ذلك اتفاق الحديدة، واستمرار سيطرتها على المدينة وموانيها، واستخدامها منصةً لاستهداف طرق الملاحة الدولية والسفن التجارية، وإطلاق الصواريخ والمسيرات والألغام البحرية، وتهريب الأسلحة في انتهاك لتدابير الجزاءات المنشأة بموجب قرار مجلس الأمن «2140»، والقرارات اللاحقة ذات الصلة.

حرائق على متن ناقلة النفط اليونانية «سونيون» جراء هجمات حوثية (رويترز)

واتهم البيان اليمني الجماعة الحوثية، ومن خلفها النظام الإيراني، بالسعي لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتهديد خطوط الملاحة الدولية، وعصب الاقتصاد العالمي، وتقويض مبادرات وجهود التهدئة، وإفشال الحلول السلمية للأزمة اليمنية، وتدمير مقدرات الشعب اليمني، وإطالة أمد الحرب، ومفاقمة الأزمة الإنسانية، وعرقلة إحراز أي تقدم في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

وقال السعدي: «على إيران رفع يدها عن اليمن، واحترام سيادته وهويته، وتمكين أبنائه من بناء دولتهم وصنع مستقبلهم الأفضل الذي يستحقونه جميعاً»، ووصف استمرار طهران في إمداد الميليشيات الحوثية بالخبراء والتدريب والأسلحة، بما في ذلك، الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، بأنه «يمثل انتهاكاً صريحاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لا سيما القرارين (2216) و(2140)، واستخفافاً بجهود المجتمع الدولي».