خطة طوارئ فرنسية لمواجهة خروج بريطاني غير منظّم

TT

خطة طوارئ فرنسية لمواجهة خروج بريطاني غير منظّم

يبدو أن القلق قد تمكن من أذهان المسؤولين الفرنسيين بسبب التطورات المرتبطة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من غير اتفاق. ولذا، فإن باريس تعجل في اتخاذ التدابير التي من شأنها الحد من الأضرار على مواطنيها ومؤسساتها وشركاتها، وهي لم تعد تتستر على الإجراءات والتدابير التي ستتخذها في الأسابيع القادمة على المستويات التشريعية والإجرائية والتدابير العملية.
وقد كان فشل رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في تمرير اتفاق الخروج في مجلس العموم بمثابة ناقوس خطر بالنسبة للسلطات الفرنسية، التي رغم استباقها لاحتمال خروج لندن من غير اتفاق لم تغلق الأبواب أمام الاحتمالات الأخرى، وأوّلها إرجاء موعد انطلاق البريكست في 29 مارس (آذار)، والقبول بتمديد المفاوضات مع الجانب البريطاني شرط أن يأتي بأفكار بناءة، وليس التمديد من أجل كسب الوقت فقط.
وفي سياق التحضير للسيناريو الأسوأ، عقد رئيس الحكومة إدوار فيليب اجتماعا موسعا أمس شارك فيه عشرون وزيرا أو مندوبا عن الوزراء الغائبين للتوافق على خطة تحرك لمواجهة تبعات خروج بريطانيا على الاقتصاد الفرنسي بكافة مكوناته. وأهمية الاجتماع أنه خرج بتدابير «عملية» تتضمن، وفق فيليب، «جوانب تشريعية وأخرى قانونية، الهدف منها التأكد من أن حقوق مواطنينا وشركاتنا سوف تتم المحافظة عليها فعليا». وتريد الحكومة الإسراع بذلك وعدم انتظار ما ستسفر عنه اللعبة السياسية الداخلية في بريطانيا. ولذا، منذ أمس، عمد البرلمان إلى تبنّي مشروع قانون يمكن الحكومة من إصدار القوانين ذات الصلة بمراسيم من أجل كسب الوقت.
وبالمجمل، ثمة خمسة مراسيم، سيتم إصدار أولها الأربعاء المقبل، وسيتناول حقوق المواطنين البريطانيين على الأراضي الفرنسية وبطاقات إقامتهم. وأهم ما سيرد فيه أن باريس، شرط المعاملة بالمثل، ستمكن البريطانيين الموجودين في فرنسا من استمرار الإقامة فيها من غير بطاقة إقامة طيلة 12 شهرا، على أن يستفيدوا منها لاستخراج بطاقة إقامة دائمة لمن هو موجود في فرنسا منذ خمس سنوات وما فوق، أو بطاقة متوافقة مع وضع كل فرد من الآخرين الذين لا يستوفون شرط السنوات الخمس.
كذلك، سينصّ المرسوم على المحافظة على حقوقهم الاجتماعية مثل الرعاية والتقاعد، والإبقاء على الموظفين البريطانيين في الإدارات الفرنسية، والسماح للشركات البريطانية بمواصلة ممارساتها في القطاعات المتفق عليها «المحاماة، المحاسبة...».
أما المراسيم الأخرى التي ستصدر تباعا، فتتناول القطاع الجمركي والنقل والعمليات المالية، وخامسها التعاون الدفاعي والعسكري بين البلدين لجهة المبيعات الدفاعية والتعاون في هذا القطاع بالغ الحساسية. وأفادت رئاسة الحكومة الفرنسية عن رصد مبلغ خمسين مليون يورو لترتيب أوضاع المطارات والمرافئ التي تمر عبرها المبادلات التجارية والتنقلات بين البلدين. ولذلك ستعمد الإدارات الفرنسية إلى توظيف 600 شخص لمواجهة الضغوط التي ستنصب عليها بسبب التغيرات المترتبة على الانفصال البريطاني.
لكن مقابل المخاوف المشار إليها، كثيرون يرون أن خروج بريطانيا سيتيح فرصة لاجتذاب الكثير من المصارف والشركات المالية التي ستهجر ساحة لندن المالية لتبقى مستفيدة من السوق الأوروبية. كذلك، يراهن كثيرون على نقل شركات عالمية مكاتبها من بريطانيا إلى دول أوروبا، وتأمل فرنسا أن تجتذب جانبا منها.
وقالت وزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والمالية، أنييس بانيه - روناشير أمس للقناة الإخبارية «بي إف إم» إن «الشركات الكبرى والقطاع المالي جاهزون، لكن هذا الوضع لا ينطبق على الشركات المتوسطة». وهناك 30 ألف شركة فرنسية ناشطة في قطاع التصدير لبريطانيا، فيما 3 آلاف منها منغرسة محليا. بيد أن التطمينات الحكومية لا يبدو أنها مقنعة لكافة الأطراف، والدليل على ذلك أن رئيس هيئة أرباب العمل الفرنسية، جوفروا رو دو بيزيو، دعا للتحضر «لأسوأ سيناريو»، لأنه يدخل فرنسا وبريطانيا وأوروبا في حالة من «عدم اليقين» التي يكرهها قطاع الأعمال.
ودعا المسؤول الاقتصادي أصحاب الأعمال للنظر في انعكاس الانفصال البريطاني على أنشطتهم في كافة المجالات اللوجيستية والقانونية والمالية. ومما نبه إليه دو بيزيو هو أن الحدود ستعود إلى الظهور مع بريطانيا ابتداء من 29 مارس في حال خروجها من دون اتفاق، ما يعني عودة المعاملات الجمركية والرقابة على المسافرين والبضائع.
أما على المستوى السياسي، فإن باريس مستمرة في التشاور خصوصا مع ألمانيا للاتفاق على خطة للتعامل مع ماي ومع ما يكن أن تقترحه. وبحسب الرئيس ماكرون، فإنه «يتعين في مطلق الأحوال التفاوض مع البريطانيين حول مرحلة انتقالية، مهما تكن خياراتهم». ولا تمانع باريس في تأجيل موعد الانفصال، وهو ما أكدته وزيرة الدولة للشؤون الأوروبية ناتالي لوازو، معتبرة أن خيارا كهذا «ممكن قانونيا وتقنيا». لكن ما تريده باريس هو أن يتفق البريطانيون على خطة واضحة تحظى بدعم الأكثرية في مجلس العموم، وهذا لا يبدو أنه متوافر في الظروف الراهنة.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».