مدينتا سوسة والمنستير تعرضان كنوزهما الأثرية

خلال زيارة لإعلاميين من مصر وفلسطين وتونس

قلعة أثرية في سوسة
قلعة أثرية في سوسة
TT

مدينتا سوسة والمنستير تعرضان كنوزهما الأثرية

قلعة أثرية في سوسة
قلعة أثرية في سوسة

عرضت مدينتا سوسة والمنستير (وسط شرقي تونس) كنوزهما الأثرية على نحو 60 صحافياً من وسائل إعلام عدة؛ مصرية وفلسطينية وتونسية، في زيارة نظمتها وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية (هيكل حكومي يتبع وزارة الثقافة التونسية). وتندرج هذه الزيارة ضمن سلسلة من الزيارات المبرمجة للاطلاع على نحو 54 متحفاً ومعلماً تونسياً مفتوحاً للعموم، وهي الزيارة الرابعة بعد 3 زيارات سابقة شملت معالم حضارة قرطاج، والمعالم الأثرية الإسلامية في القيروان، والمتحف الوطني في باردو (غرب العاصمة التونسية). ومن المنتظر أن تكون الزيارة الخامسة للمعالم الأثرية بكل من مدينة الحمامات (شمال شرقي تونس)، ومنطقتي دقة وبلاريجيا (شمال غربي تونس).
وخلال هذه الزيارة الميدانية أمكن للإعلاميين الاطلاع على متحف سوسة الذي استقطب نحو 24 ألف زائر خلال السنة الماضية، والجامع الكبير (3 آلاف زائر)، والرباط (نحو 24 ألف زائر كذلك)، وهي مواقع أثرية موجودة في سوسة، كما زاروا في المنستير رباط المدينة الكبير (استقطب نحو 33 ألف زائر)، و«متحف العادات والتقاليد الشعبية»، ومتحف الزعيم التونسي الراحل الحبيب بورقيبة أو ما يعرف بـ«قصر المرمر» (زاره نحو 5 آلاف)، واطلعوا من خلال هذه المعالم على مدى عراقة الحضارة التونسية وثرائها وترسخ انفتاح البلاد على بقية الشعوب والحضارات الأخرى منذ القدم.
وبشأن هذه الزيارة الميدانية، قال كمال البشيني، المدير العام لوكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية، إن «كل فضاء أثري يوجد به دليل سياحي مختص يمكن له تقديم معطيات إضافية حول المعالم الأثرية المهمة التي تزخر بهما المدينتان، والغرض من ذلك إدماج المواقع الأثرية في الدورة الاقتصادية؛ إذ لا يكفي أن تعرف مجمل المواقع زيارة 800 ألف زائر في السنة، فهذا الرقم ضئيل بالمقارنة مع الإمكانات المتاحة والمخزون الحضاري الكبير المتوفر في مختلف المناطق الأثرية التونسية» على حد تعبيره.
وأضاف البشيني أن عدد السياح الوافدين إلى تونس خلال السنة الماضية بلغ نحو 8 ملايين سائح، «ولكن القليل منهم أدرج المعالم الأثرية ضمن برنامجه السياحي، وهذا يتطلب مجهودات كبيرة لإخراج السائح من الفنادق وإطلاعه على مخزوننا التراثي والحضاري».
الزيارة كانت ذات جدوى كبيرة بالنسبة للمشاركين؛ إذ إنها كشفت لهم عن قرب أهمية ما تزخر به مدينتا سوسة والمنستير من معالم أثرية في غاية الأهمية، «فاطلعوا في متحف سوسة على قطع أثرية ولوحات فسيفسائية ومنحوتات وتماثيل ونصب مرتبطة بالنذور. أما مدينة المنستير فقد قدمت للزائرين رباطها الأثري الذي يعود إلى العهد الفاطمي، ومتعت الحاضرين بمشهد جميل لمدينة المنستير ولزرقة البحر الرائعة. وداخل هذا الرباط يوجد متحف للفن الإسلامي تتوفر به مخطوطات منمنمة ومنسوجات قبطية تعود إلى القرنين الرابع والثامن للهجرة، علاوة على أوان وقطع نقدية».
وكانت نقطة النهاية لهذه الزيارة من خلال الاطلاع على محتويات «قصر المرمر» المخصص للرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة، وبهذا المتحف هناك الأثاث والملابس والأدوات الخاصة للرئيس الزعيم، وهو يترجم حقبة زمنية مهمة من السنوات الأولى للاستقلال.



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.